Site icon IMLebanon

أين الهيئات الرقابية مما يجري في كهرباء لبنان؟

كتب ايلي الفرزلي في صحيفة “ألأخبار”:

في حكم نادر، خرج مجلس الشورى بقرار يدين الدولة بشخص وزير الطاقة والمياه سيزار أبي خليل، في قضية عنوانها عادي، لكن دلالاتها تشير إلى كيفية تعامل الوزراء مع وزاراتهم، بصفتهم الآمرين الناهين. كذلك تطرح إشكاليات قانونية تتعلق بكيفية إدارة كهرباء لبنان

كان يمكن قرارَين أصدرهما وزير الطاقة سيزار أبي خليل بحق المدير العام للاستثمار غسان بيضون أن يكونا عاديين ويمرا مرور الكرام لو لم يقرر بيضون المواجهة، ويطعن بالقرارين. القرار الأول صدر في 17 تموز 2017، وهو عبارة عن كتاب تأنيب، والكتاب الثاني صدر بعد يومين من الكتاب الأول (14 تموز)، وفيه حسم خمسة أيام من راتب بيضون تأديبياً. أما سبب هذين القرارين، فهو ــ بحسب الوزير ــ تماديه في عرقلة تنفيذ المعاملات ومخالفة تعليمات الوزير، وكذلك تجاهله للقوانين والأصول المرعية الإجراء، على الرغم من تعدد كتب التنبيه التي أرسلت إليه.

في ذلك الحين، وبعد أن تناولت «الأخبار» المسألة في عددها الصادر في 15 تموز، أصدرت وزارة الطاقة بياناً أكدت فيه أن «ليس هناك من خلاف بين وزير الطاقة والمياه ومرؤوسه المدير العام للاستثمار يستأهل الضجة التي أُثيرت إعلامياً حوله، فالوزير هو رأس الإدارة التي يوجب القانون أن تعمل بموظفيها بشكل منتظم وفق ما رسمته القوانين والأنظمة المرعية الإجراء»، مشيراً إلى أن «كل أمر يتعلق بذلك تجري معالجته إدارياً وفق القانون وبعيداً عن المزايدات والسجالات».

بعد قرار مجلس الشورى الذي أبطل القرارين، صار واضحاً أن القضية أبعد من خلاف بين رئيس ومرؤوس، فهي تتعلق بإجراءات مخالفة للقانون قام بها وزير الوصاية واعترض عليها المدير العام للاستثمار. فمؤسسة كهرباء لبنان كانت قد طلبت في كتابها رقم 4769 تاريخ 5 أيار 2017 المصادقة على قرار مجلس إدارتها الموافقة على عقد صفقة بالتراضي مع شركة Decon International لتنفيذ خدمات التوزيع لتقديم ومتابعة أشغال مقدمي الخدمات، إلا أن المديرية العامة للاستثمار رأت عدم انطباق عقد الاتفاق بالتراضي على النظام المالي للمؤسسة، فأعادته لها. كان ذلك في 17 أيار 2017، إلا أن المفاجأة كانت في كتاب موجه من الوزير إلى المديرية، طالباً فيها التوقف فوراً عن مراسلة المؤسسات من دون الرجوع إليه، مع الإنذار باتخاذ جميع الإجراءات القانونية والإدارية اللازمة لوضع حد للتصرفات الخارجة عن القانون، في حال عدم التقيد بهذه التوجيهات. لكن المدير العام عاد ولفت نظر الوزير إلى أن مشروع العقد الرضائي المعروض للتصديق مخالف للقوانين والأنظمة النافذة، فما كان من الوزير إلا أن أعاد المعاملة إلى المدير العام للاستثمار «للتنفيذ»، مرفقاً بكتاب يصدِّق فيه على قرار مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان، معتبراً أن الملاحظالت الواردة في كتاب المديرية العامة للاستثمار غير موضوعية، وتنمّ بوضوح عن تأخير ومماطلة فاضحين.

ما حصل أن المدير العام توجه بكتاب إلى وزير الطاقة يبلغه فيه تمسكه بممارسة صلاحياته ومسؤولياته المنصوص عليها في القانون، وأعاد التذكير بالمخاطر والانعكاسات السلبية على المال العام التي تترتب عن ممارسة إدارة مؤسسة الكهرباء، منهياً كتابه باقتراح عرض مسألة الخلاف في وجهات النظر على مجلس الخدمة المدنية وديوان المحاسبة أو أي مرجع رقابي أو استشاري آخر.

لم يرق هذا الاقتراح في حينه وزيرَ الوصاية، لكن بعد قرار مجلس الشورى، الذي اعتبر الوزير في مطالعته أن لا رقابة للمجلس عليه أثناء تأديته لسلطته الاستنسابية في المجال التأديبي، ربما حان وقت تدخل الهيئات الرقابية فعلاً. ماذا يجري في مؤسسة كهرباء لبنان؟ ولماذا رفض الوزير المعني التعامل مع الاعتراض المقدم من المدير العام؟ وهل المخالفة التي أضاء عليها بيضون فريدة من نوعها، أم أنها تأتي في سياق سلسلة مخالفات مالية ترتكب في مؤسسة كهرباء لبنان وترتكز على إجراء عقود بالتراضي وبمبالغ طائلة؟ في المراجعة التي قدمها الأخير أمام مجلس شورى الدولة إشارة إلى أنه قدم مطالعات عديدة للأجهزة الرقابية تتناول أداء المؤسسة، فما هو مصير هذه المطالعات؟ كذلك في متن الدعوى إشارة إلى فشل الوزير في تمرير عقد بالتراضي مع الاستشاري POYRY الذي كان يحاول من خلاله تعويم مناقصة البواخر التي أثبتت إدارة المناقصات مخالفاتها للقانون. ما هي قصة هذا العقد، وهل صحيح أنه نُفِّذ قبل الحصول على الموافقة المسبقة لديوان المحاسبة؟ ثم ألا يجب أن يُسأل المدير العام للاستثمار عن حقيقة عرقلته لقرارات مجلس الوزراء المتعلقة بالموضوع، على ما يتهمه وزير الطاقة؟

ثم ما هي حقيقة وجود جمعية خاصة (المركز اللبناني للطاقة) تعمل تحت رعاية الوزير وتنفق أموالاً عمومية خارج الأصول، علماً بأن وزير الطاقة كان قد أشاع في اجتماع للجنة المال والموازنة في مجلس النواب أن هذه الجمعية مرتبطة بالمديرية العامة للاستثمار، وهو الأمر الذي نفاه بيضون في تلك الجلسة، أي بحضور الوزير.