IMLebanon

جاد الخوري يحاكي جدران المدينة

كتبت منال عبد الأحد في صحيفة “الجمهورية”: 

قلةٌ منّا يدركون بدقّة الفارقَ الكامن بين فنّ الغرافيتي والفنّ الحضري urban art، جاد الخوري يعي ذلك تماماً، فهو يميّز بين أن ترسمَ في الشارع لأنك تريد أن تُثبت أنّ هذا المكانَ العام مُتاحٌ لك كي تعبّرَ عن فكرةٍ راودتك، وبين أن تضعَ تصوّراً كاملاً تعمل على تنفيذه على امتدادِ شوارع المدينة وجدرانِ مبانيها.

بدأت مسيرة ابن التسعة والعشرين عاماً في مجال فنّ الخربشة عندما كان في الثامنة، دون أن يعرف ما يفعل تماماً، ليكتشف النوع الفنّي الذي يمارسه في العشرين من عمره.

منذ سنتين تقريباً بدأ الخوري بممارسة الفنّ الحضري فضجّ المجتمعُ البيروتي متأثراً بأعماله التي عزفت على وتر الحرب حيث أقام مشروعَ «قطعة الحرب»، ويتمثّل في رسم آثار القذائف بالأحمر، فتشعر من بُعد أنّ المبنى ينزف دماً، في حين ترى عندما تقترب أنّ الرسومات تمثّل شخصياتٍ إيجابية أتت لتنشر السعادة والبسمة. بالنسبة إلى جاد، انتهت الحربُ الأهلية في بيروت منذ زمن إلّا أننا ما زلنا نعيش آثارَها حتى يومنا هذا.

فهذه المباني لا تمثل بنظره حجراً مثقوباً ودماراً وحسب، بل هي ترسيخٌ للحرب في الذاكرة الجماعية اللبنانية. وقد أنجر مشروعَه هذا بمبادرة فردية فاشترى الحبالَ وتسلّقها ورسم ببساطة.

العزلة والحرب

لم يبتكر الخوري فكرة «قطعة الحرب» من فراغ، بل جاءت نتيجة عزلةٍ فرضها على نفسه بعد أن تعب من مشكلات هذا المجتمع وتعقيداته. وأبى جاد أن يترك فكرة العزلة هذه تمرّ مرورَ الكرام، فجسّدها تالياً في أعمال «الرجل الوحيد» على جدار المباني عام 2017 التي تُظهِر دائرةً إجتماعيةً ورجلاً بعيداً منها يعيش عزلته التي فرضها على نفسه. في حين كان الخوري قد جسّد في العام نفسه فكرة «المرأة الوحيدة»، على جدار المباني أيضاً، في الكويت، حيث تناول العزلة التي يفرضها المجتمعُ على المرأة.

والجدير بالذكر أنّ الخوري يعيد تنفيذَ كلّ أعماله التي يعدّها في الشوارع وعلى جدران الأبنية في إبداعاتٍ تُعرض في صالاتٍ ومهرجاناتٍ فنّية وذلك من خلال استخدام تقنيات التصوير، الطباعة بالشاشة، الرسم على القماش، المنشآت والحبر على الورق.

«التواصل»

وفي 3 أيار المقبل، سوف يفتتح الخوري معرضَه في المعهد الفرنسي في بيروت ويتناول تيمة «التواصل»، حيث إنّه وبعد أن سلّط الأضواء على العزلة، ومواجهة آثار الحرب، قد حان وقت إيجاد حلٍّ لذلك، حلٌّ يكمن في «التواصل» ليعملَ أكثر على تعزيز علاقته بالناس، الوطن، الطبيعة والفضاء. ويقول الخوري إنّك عندما تنظر في الرسوم من بعيد تحسّ أنك تحدّق في الفضاء، أمّا حين تقترب منها فترى جمهرةً من الناس في محاكاةٍ للتواصل هذا.

يكشف جاد لـ«الجمهورية» عن مشاريعه المستقبلية إذ يشارك في ورشة عمل فنّ الخربشة ضمن فعاليات الركن المخصّص للأطفال في معرض أبوظبي الدولي للكتاب، حيث سيعمد على تزويدهم بوسيلة للتعبير تسلّح بها في الصغر. هذا ويتوقّف الخوري عند مشاركته في اليوم العالمي للإنسانية الذي تقيمه الأممُ المتحدة في جنيف وذلك في بداياته عام 2016، وكأنّه يحاول أن يلقي الضوء على حكاية نجاح سطّرها من خلال أعماله ومذ خطا الخطوة الأولى على هذا الدرب.

جائزة ومشاريع مستقبَلية

يتحدّث الخوري سريعاً عن مشاريع مستقبلية له مع معهد العالم العربي في باريس ومتحف فنون الشارع الذي سيُفتتح هذا الصيف في أمستردام. هذا وقد سبق له أن رسم وعرض في مدن عدة حول العالم. لا يخفي جاد في حديثه إلى «الجمهورية» المشروعَ الجديد الذي يعدّه وهو عبارة عن محاكاة أو «حوار بين الهندسة المعمارية التقليدية والحديثة في لبنان».

في 17 آذار المنصرم حلّ الخوري ضمن المتبارين الخمسة النهائيين في المسابقة الدولية Arte Laguna عن فئة الفنّ الحضري، وعُرِضت أعمالُه في مدينة البندقية. وكان قد حصل العام الفائت على إقامة فنّية في المدينة نفسها بعد فوزه بالجائزة الخاصة ضمن المسابقة الدولية Arte Laguna عن تصويرٍ أعدّه لأحد المباني التي نفّذ عليها رسومَ مشروع «قطعة الحرب».