كتب ايلي الفرزلي في صحيفة “الأخبار”:
يتطرق البند 27 من جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء، اليوم، إلى «إنقاذ قطاع الكهرباء». وتدعو شروط باريس 4 إلى رفع الدعم عن الكهرباء من دون ربط ذلك بتحسن التغذية. أين تكمن مصلحة لبنان؟ وهل يمكن رفع التعرفة في ظل الواقع الحالي للكهرباء، وهل بإمكان الحكومة أن تسعى إلى إنقاذ القطاع، عبر إعادة ترتيب للأولويات ليست البواخر من ضمنها؟
المطلوب بحسب الاستعمار الدولي المالي الجديد للبنان «إصلاحات» اقتصادية ليتسنى له الاستفادة من خيرات الجهات الدائنة. لا يناقش لبنان الرسمي بهذه الإصلاحات، بل يتبناها بالكامل، متخطياً المجتمع الدولي في الحماسة لها، بغض النظر عن مصلحة لبنان. الأمثلة كثيرة، وشهية السلطة مفتوحة على الخصخصة و«المشاركة» بين القطاعين الخاص والعام ومد اليد على حقوق المتقاعدين وزيادة الضرائب وإلغاء الدعم عن الكهرباء…
زيادة تعرفة الكهرباء سبق أن اقترحتها كهرباء لبنان في عام 2014، كما عرضتها وزارة الطاقة على مجلس الوزراء في عام 2016، ثم تكرر الأمر مع الوزير الحالي سيزار أبو خليل عندما قدم «الخطة الإنقاذية» في آذار 2017.
في خطته الأخيرة، ربط وزير الطاقة بين زيادة التعرفة الكهربائية وزيادة القدرات الإنتاجية في معامل الإنتاج وبين زيادة ساعات التغذية التي سوف يستفيد منها المواطنون. وبموجب القرار الرقم 1 تاريخ 28/3/2017، وافق مجلس الوزراء على هذه الخطة المتضمنة زيادة التعرفة بحوالى 42.6% كمعدل وسطي، بحيث يرتفع سعر مبيع الكيلوات/ ساعة من 132.1 إلى 188 ليرة.
ما رشح عن باريس 4 من معلومات حول مسألة التعرفة تحديداً، تعيد خلط الأولويات. ثمة دفع باتجاه تزامن خطوتَي زيادة التعرفة وبدء تنفيذ مشاريع زيادة الإنتاج، لا تدريجياً وربطاً بزيادة الإنتاج وتحسن التغذية، كما اقترح وزير الطاقة، الذي اعتبر أن زيادة التعرفة يجب أن تترافق مع تحسن ملموس للتغذية بعد وضع المعامل الجديدة على الشبكة ليرتفع بذلك عدد ساعات التغذية من 12 ساعة إلى 21 -22 ساعة (3 ساعات من خلال معملَي الذوق والجية و7 ساعات من خلال البواخر).
سياق الأمور يشير إلى أن صفقة البواخر لا تزال متعثرة، في ظل إصرار وزارة الطاقة على تخطي القانون وتخطّي ملاحظات إدارة المناقصات، وهو الأمر الذي يحول دون السير بهذا الحل، المقدرة تكلفته بـ 1.8 مليار دولار.
يشير البند رقم 27 في جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء التي ستعقد اليوم في القصر الجمهوري، إلى أن وزارة الطاقة ستعرض «الإجراءات المتوجب اتخاذها بأسرع وقت ممكن لإنقاذ قطاع الكهرباء». هل صار للوزارة تصور إنقاذي بديل للبواخر، أم أن الخطة الطارئة التي طرحتها في آذار 2017 لا تزال وحيدة في الميدان (البواخر وزيادة التعرفة)؟
ترتيب أولويات القطاع
من يريد إنقاذ القطاع فعلاً عليه أن يعيد ترتيب أولوياته. بمعنى آخر، يؤكد مصدر متابع أن البداية تكون بالتخلص من حل البواخر الباهظة الثمن، والتي تشكّل في ظل الواقع الحالي مغامرة مالية غير محسوبة لن تساهم إلا في زيادة العجز، وخاصة أن أحداً لم يقدم تفسيراً مقنعاً لكيفية التعاطي مع الانعكاسات المالية لاستئجار البواخر وتوفير التمويل اللازم لها خلال الفترة التي تسبق ورود تدفقات رفع التعرفة. وعليه، فإن إنقاذ القطاع يبدأ بمعالجة مشاكله العالقة، ومنها الخلاف على معمل دير عمار، وتأهيل معمل الذوق بعد سقوط مشروع تأهيل معمل الجية، إيجاد حل لوصلة المنصورية المتعثرة منذ سنوات، وكذلك معالجة أوضاع مؤسسة كهرباء لبنان المالية والإدارية والتقنية. وقبل هذا وذاك، البحث في مسألة تمديد عقد الباخرتين الحاليتين، بعد إعادة التفاوض على السعر، إضافة إلى العمل على وضع الحلول الدائمة (المعامل) موضع التنفيذ.
لكن، هل يستجيب مجلس الوزراء للضغوط الدولية التي تشدد على أولوية وقف الهدر عبر تخفيض الدعم عن الكهرباء؟ هل يحتمل اللبنانيون زيادة تعرفة كهرباء لبنان بالتزامن مع دفعهم فاتورة المولد الخاص أيضاً؟ علماً بأنه حتى مع افتراض تحسّن التغذية إلى 20 – 22 ساعة، هل ثمة من يضمن انخفاض فاتورة المولد، فالواقع يؤكد أن أصحاب المولدات يضعون سعراً مقطوعاً لا يرتبط بعدد ساعات التغذية بل بحجم الاشتراك، وهذا يعني أن تعرفة المولدات لن تنخفض بشكل ملحوظ، في حال زيادة عدد ساعات التغذية بالتيار.
من يتحمل مسؤولية الهدر والفساد؟في مطلق الأحوال، فإن السعي إلى تزامن زيادة التعرفة مع بدء إجراءات زيادة التغذية وليس اكتمالها، لا يبدو ممكن التنفيذ، حتى لو حلت مسألة معمل دير عمار، التي يتردد أن الحكومة اللبنانية تفاوض الشركة اليونانية من أجل عدم لجوئها إلى مقاضاة الدولة اللبنانية، من خلال تحسين ظروف العقد ودفع الضريبة على القيمة المضافة.
هل «ينقذ» مجلس الوزراء قطاع الكهرباء ولو بنقض البواخر؟
كذلك يتبين أنه ليس كافياً ربط زيادة التعرفة بزيادة الإنتاج، إذ إن الأهم هو ربط رفع التعرفة باستقرار زيادة ساعات التغذية بشكل مقنع، يأخذ في الاعتبار القرار المتخذ بإزالة معمل الجية القديم ومراعاة شروط ورقة سياسة قطاع الكهرباء، لناحية عدم المس بشرائح المستهلكين من ذوي الدخل المحدود، وإلغاء بدل التأهيل المعمول به حالياً بشكل مخالف للقانون (التعرفة تشمل رسم العداد وبدل التأهيل وسعر مبيع الطاقة).
ثم هل يعقل البدء برفع التعرفة من دون احترام مبدأ العدالة، أي هل يعقل تحميل المواطن أعباء الهدر والفساد وسوء الإدارة المالية لمؤسسة كهرباء لبنان وعجزها عن ضبط مواردها واعتمادها على الشركات الخاصة من دون توفير الجهاز اللازم، حتى للإشراف على تنفيذ عقودها مع تلك الشركات؟ إضافة إلى ذلك، ألا يجب تقديم تفسير مقنع لكيفية معالجة الهدر غير الفني الناتج من سرقة الكهرباء، والذي فشلت شركات مقدمي الخدمات في تخفيضه، وكذلك كيفية معالجة الهدر الناتج من استهلاك النازحين السوريين، الذي يؤدي، في الوضع الحالي وقبل زيادة الإنتاج من طريق استئجار بواخر جديدة، إلى إهدار ما يزيد على 490 ميغاواط تكلف الدولة ما يزيد على 330 مليون دولار وحرمان اللبنانيين من خمس ساعات تغذية، وفقاً لأدبيات وزير الطاقة.
إلغاء القروض أفضل
بالرغم من أن اقتراح زيادة التعرفة في الخطة الإنقاذية التي قدمها وزير الطاقة لا يتحدث عن شمول هذه الزيادة امتيازات التوزيع، هل يمكن رفع التعرفة واستثناء امتيازات التوزيع، في ضوء فشل تجربة رفع التعرفة بموجب قرار مجلس الوزراء الذي تمكن أصحاب الامتيازات من إبطاله لدى مجلس شورى الدولة؟
كل ذلك يعني أن تخفيض عجز الكهرباء، الذي يشكل أحد مطالب باريس 4 ليس ممكناً في الوقت الراهن من خلال رفع التعرفة، حتى لو كانت النتيجة تأخير الحصول على القروض المتعلقة بالقطاع لسنة أو لسنتين، أو حتى إلغاءها. ربما يكون ذلك من مصلحة لبنان أكثر.