Site icon IMLebanon

عودة نغمة التوطين: هل تحمل سندا موضوعيا؟

كتبت صحيفة “العرب” اللندنية: نفى رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري الأربعاء أي نية لحكومته لتوطين اللاجئين السوريين أو الفلسطينيين، معتبرا أن ما يثار حول الموضوع هذه الأيام يندرج في إطار المزايدات، خاصة وأن لبنان على أبواب انتخابات نيابية.

وتشهد الساحة السياسية في لبنان عودة الجدل بشأن وجود نية لتوطين اللاجئين، مأتاها المادة 50 من ميزانية العام 2018 التي نصت على أن “كلّ عربي أو أجنبي يشتري وحدة ‏سكنية في لبنان، يُمنح إقامة دائمة له ولزوجته ولأولاده القاصرين”.

وقال الرئيس سعد الحريري في مؤتمر صحافي عقده في السرايا الحكومية ببيروت، إن “ما يثار حول مسألة التوطين كذب ولم يعد أحد يصدقه”، لافتا إلى أن “الحكومة اللبنانية لم يحدث أن قامت بتوطين أي فلسطيني أو أي سوري طوال السنوات الماضية”.

وأضاف أن لبنان بما يوفره من تسهيلات وتيسيرات هدفه جذب الاستثمارات الأجنبية والعربية ولا علاقة لذلك بالتوطين من قريب أو بعيد بل مجرد إجراءات تهدف للإصلاح وتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية بلبنان.

وشدد الحريري على عدم الانصياع وراء ما يشاع عن أن هذه التيسيرات تفتح باب التوطين، مؤكدا أن السوريين يقيمون بلبنان كلاجئين من حرب ضروس يستخدم فيها السلاح الكيمياوي مستهدفا المدنيين ويضرب الأرض السورية.

وأكد “أن الحديث عن التوطين هو جزء من خطابات تحريضية ولن نوطن أحدا”، وقال “كفانا لعبا بسياسة تحريضية ومزايدة في موضوع التوطين، فدستورنا واضح كالشمس ويمنع التوطين، وأي كلام آخر هو كلام انتخابي”.

وكان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أول من سلط الضوء على وجود توجه لتوطين اللاجئين وذلك في عظته الأحد الماضي لتعقبه جملة من ردود الأفعال المتماهية معه، خاصة من الأوساط المسيحية التي تشكل مسألة التوطين كابوسا حقيقيا بالنسبة لها باعتباره سيؤثر على التركيبة الديموغرافية للبنان، بمضاعفة الخلل الحاصل في أعداد المسلمين والمسيحيين.

وقال الراعي إن “المادة 50 التي أضيفت بسحر ساحر على موازنة العام 2018 تثير القلق”، ‏مضيفا “تُخيفنا جدا وكلَّ الشعب اللبناني”، سائلا ‏”أهذه مقدّمة لاكتساب الجنسية، وللتوطين؟”‎.‎

والجدل بشأن توطين اللاجئين السوريين والفلسطينيين ليس بجديد، وسبق وأن خاضت أحزاب سياسية مسيحية خلال السنوات الأخيرة حملة ضد أي تمش في هذا الصدد، خاصة مع ورود معطيات على أن قوى غربية تدفع باتجاه تلك الفكرة.

وكان الرئيس اللبناني ميشال عون واضحا خلال خطاب له في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي حينما أعلن رفض بلاده لسياسة التوطين، داعيا المجتمع الدولي إلى ضرورة الاضطلاع بمسؤوليته لجهة إعادة السوريين إلى المناطق التي عاد إليها الهدوء.

وطالب النائب البطريركي العام المطران سمير مظلوم في تصريحات صحافية، الأربعاء، الرئيس اللبناني بإعادة قانون الموازنة إلى مجلس النواب من أجل سحب البند 50 منه.

وقال إنه لا يجوز تمرير مثل هذه الأمور في الموازنة، خصوصا وأن القرار المتعلق بالإقامة مقابل شراء شقة هو قرار سيادي، ويفترض أن تصوّت عليه أكثرية أعضاء مجلس النواب.

واعتبر المطران أنه “لو كان تطبيق القوانين في لبنان يحصل بشكل دقيق وتام لما كنّا لنخاف”، مضيفا “أنه لو أعطيت اليوم الإقامة لـ50 ألف شخص فكم سيبلغ عددهم بعد 20 سنة؟”.

وانتقد المطران ما اعتبره الاستفراد الحاصل في السلطة أو في اتخاذ القرارات، داعيا “إلى إلغاء هذا البند من الموازنة، لأنها ليست المكان المناسب لمثل هذه البنود، خصوصا وأنه يفتح الباب على دهاليز لا نعلم كيف ستتطوّر الأمور من خلالها”.

ويأتي الجدل بشأن توطين الفلسطينيين والسوريين على وجه الخصوص، مع قرع الولايات المتحدة طبول الحرب في سوريا، وسط خشية من أن يشهد لبنان موجة جديدة من اللاجئين، تنضاف إلى أكثر من مليون سوري يحتضنهم البلد حاليا، ومنتظر أن تطول فترة إقامتهم في حال صدقت النوايا الأميركية والأوروبية بإعادة خلط الأوراق مجددا في البلد المجاور.

وأثارت شخصيات سياسية ودينية لبنانية خاصة من أصحاب “نظرية المؤامرة” شكوكا بشأن الأهداف الحقيقية خلف عقد مؤتمرات دولية كبرى داعمة للبنان بدءا بمؤتمر “سيدر” الذي عقد الأسبوع الماضي في باريس لفائدة النهوض بالاقتصاد اللبناني، مرورا بمؤتمر “روما” الذي سيعقد قريبا لدعم الجيش والأجهزة الأمنية اللبنانية، وصولا إلى مؤتمر “بروكسل” المخصص لأزمة اللاجئين السوريين في لبنان.

ولم تستبعد أن يكون ثمن هذا الدعم هو تمرير ملف التوطين، وقال في هذا الصدد رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن “تأتي تحذيرات البطريرك الراعي تحت الضجيج الحربي في سوريا لتكشف عن حقيقة ما قد تؤدي إليه المؤتمرات الأخيرة من روما إلى باريس وبروكسل لاحقا، من غرق زائد للبنان في الديون، مما يوحي أنها مقدمة لحل أزمة اللاجئين على حساب لبنان ديموغرافيا وسياديا، وخاصة أيضا مع طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب نقل سفارته إلى القدس لتكريسها عاصمة لإسرائيل، وتمهيدا لختم مصير عودة اللاجئين الفلسطينيين، وخصوصا في لبنان بالشمع الأحمر، على أن يلي ذلك الدعوة إلى توطين نازحي دول الجوار حيث هم، وافتداء لبنان بفتات المساعدات والهبات للعيش على هامش نفسه كحقيقة ضائعة وغائرة في الإفقار والانهيار”.

ويرى سياسيون لبنانيون أن حالة “الهستيريا” التي بدا عليها البعض من وجود مخطط لتوطين اللاجئين السوريين والفلسطينيين وإن كانت مفهومة في ظل حالة انعدام الثقة تجاه الآخر، بيد أنها ليست مبنية على معطيات واقعية، فالمادة خمسون من الميزانية أقرت بمنح الإقامة فقط وليس الجنسية، وهذا معمول به في العديد من الدول خاصة تلك التي تواجه أزمات اقتصادية.

ويشير هؤلاء إلى أنه حتى لو كانت فكرة التوطين موجودة لدى بعض القوى الدولية، إلا أنه لا يمكن إجبار اللبنانيين على هضمها أو القبول بها خاصة وأن الدستور اللبناني يمنع ذلك، لافتين إلى أن رئيس الحكومة سعد الحريري كان واضحا الأربعاء لجهة أن “لا توطين في لبنان”.