كتبت ملاك عقيل في صحيفة “الجمهورية”:
بعكس كافة الأحزاب السياسية يعلو الصوت المعارض داخل «التيار الوطني الحر» بشكل نافر يصعب ضبطه. تُرجم ذلك، في السنوات الماضية، إما بتقديم استقالات أو صدور قرارات بالفصل، أو استدعاءات متكرّرة الى مجلس التحكيم، وصولاً الى ترشيحات إنتخابية على لوائح خصوم «التيار» فيما بعض «المغامرين» لا يزال يضع البطاقة الحزبية في جيبه!
يُجمِع هؤلاء، أنّ من خلال ترشيحاتهم أو انفصالهم عن الجسم الحزبي، على أنهم يوجّهون رسالة إعتراضية مباشرة واضحة العنوان: رفض ممارسات الوزير جبران باسيل. وبالتأكيد، انّ السياسة التي اتّبعها رئيس «التيار» في انتقاء حلفائه على اللوائح تزيد، برأيهم، في طين الخصومة بلّة!
نعيم عون، أحد قادة المعارضة في «التيار»، وإبن شقيق رئيس الجمهورية، يرى أنه «من خلال تحالفات «التيار» في المناطق هناك ثلاثة أو أربعة مرشحين فقط متناغمون مع سياسة ومبادئ «التيار». أما باقي المرشحين فهم على تناقض أخلاقي ومبدئي مع هذه المبادئ بسبب «سجلّهم» المشبوه وصولاً الى إيديولوجيّتهم».
باعتقاد عون، «كان يمكن لـ«التيار» أن يحصد العدد نفسه من النواب، نائب بالزائد أو بالناقص، من دون هذه «السَعدنة» في التحالفات والكذب والرياء السياسي، خصوصاً أنّ كلنا نعلم أنّ لبنان ليس بلد «الأعداد» بل بلد التوازنات والتفاهمات، بدليل أنّ «التيار» حصد أكبر كتلة مسيحية عام 2005 وبقي خارج الحكومة حتى العام 2008، والرئيس سعد الحريري «القوي في بيئته» «طار» من رئاسة الحكومة خلال اجتماعه مع زعيم أكبر دولة عظمى في العالم في البيت الأبيض بفعل هذه التوازنات»!
ويؤكّد عون «أنّ مسار الكذب والخداع بدأ منذ اعتماد آلية الترشيحات الحزبية داخل «التيار»، التي لم تُحترم غالبية نتائجها، وصولاً الى التحالفات «الشاذة» التي نشهدها اليوم باستبدال محازبين وكادرات بـ«طارئين» على النسيج العوني».
في مفهوم القيادي المعارض، «أنّ المصلحة المجرّدة من المبادئ لا تصنّف براغماتية سياسية، إذ إنّ مكيافيل نفسه أقرّ بضرورة الحفاظ على المبادئ في قيادة الشعوب. لا أحدَ قادر على «أن يشتري» شعباً بأكمله».
نعيم عون الذي آثر الصمت منذ انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، يفصل بين العهد وأداء باسيل، مؤكّداً «أنّ باسيل يدمّر الإرث السياسي والوطني لميشال عون والمسار الذي انتهجه قد تكفّل بالإطاحة بكل ما بناه عون منذ 2006، وذلك عبر ضرب سلّة التفاهمات الاستراتيجية التي أُنجزت لحماية لبنان وتحصين الوحدة الوطنية والمسيحية، وأبرزها التفاهم مع «حزب الله» والتفاهمات المسيحية-المسيحية، وذلك بسبب سياسة الجشع وإعلاء المصلحة الشخصية والآنية على المصلحة العامة، كما أنّ باسيل إعتمد منذ بداية التفاوض حول الانتخابات خيارات إنعكست على التماسك الداخلي لـ«التيار».
والحكم على مسار «التيار» يختصره عون بالآتي: «تراجع عن المبادئ، تراجع في الشعبية، تراجع في «نوعية» الكادرات والقيادات الحزبية، والأهمّ والأخطر هو ضرب مستقبل «التيار»، داعياً كل أبناء الحزب «أن يعوا أنّ تيارهم في دائرة الخطر، ولا أحد ينقذه إلّا إرادتهم، والعودة الى أسس ومبادئ «التيار» وليس في تحويله الى سوق نخاسة، ومناضليه الى «بضاعة» في سوق العرض والطلب».
ويرى القيادي العوني المعارض أنّ ترشيحات بعض المنتسبين الى «التيار» خلافاً لرأي القيادة هي لتسجيل موقف وردّة فعل على الواقع القائم». وفي ما يتعلّق بترشيح القيادي السابق زياد عبس في دائرة بيروت الأولى أكد عون أنه «داعمٌ لترشيحه وترشيح أمثاله»، مع إشارته الى «أنّ العديد من المنضوين في لوائح المجتمع المدني اليوم كانوا بغالبيتهم داعمين للتيار بين 2005 و2009».
على خط آخر، لا يرى عون في جولات باسيل الخارجية في بلاد الاغتراب «سوى دعاية وإستعراضات سياسية، فالسبب الأساس لهجرة المسيحيين هو الوضع الاقتصادي والفساد المستشري»، قائلاً «أوقفوا هذه الممارسات الفاسدة وانهضوا بالوضع الاقتصادي على أسس سليمة لا تُغرِق البلد بمزيد من الديون. والمغتربون، المسيحيون خصوصاً، سيعودون عندها الى وطنهم من دون دعوة»!
ولدى سؤاله عن أداء جبران باسيل والانقسام السياسي حيال هذا الأداء أجاب «الشخص لا يعنيني، إنما الممارسات هي ممارسات فاسِدة وقد كَسَر جبران باسيل «ظهر» العهد. على رجل الدولة أن يحترم القوانين ويطبّقها بحذافيرها وهي كفيلة بكشف الأخطاء والممارسات الشاذة»، لافتاً الى أنّ «المعطيات بين يديّ رئيس الجمهورية قد تكون ناقصة بشأن صفقة البواخر، وهو بمطلق الأحوال همّه طبعاً أن ينهي هذه المأساة الوطنية بأقلّ كلفة ممكنة».
وغداة إنعقاد مؤتمر «باريس 4» يؤكّد عون «أنّ المؤتمر مَنح لبنان وعوداً بدون إلتزامات بل وعوداً مشروطة بإصلاحات»، معيداً التذكير بأنّ «البلد في حالة إقتصادية كارثية.
هناك 29% من اللبنانيين تحت خط الفقر، 37% عاطلون عن العمل، الدين العام يشكّل 205% من الناتج المحلي الاجمالي، إذا ما أضفنا ديون البنك المركزي على ديون الحكومة، تقريباً ثلث الموازنة خدمة دين وثلث أجور… عناوين الاصلاح معروفة، لكنّ المسار المتّبع خصوصاً من قبل رئيس «التيار» يساهم في تكريس واقع الانحدار صوب مزيد من الأزمات».
وعشيّة ذكرى 13 نيسان يشير عون الى «عبثية ما يحصل، كأننا لم نتعلّم شيئاً»، ويضرب مثالاً على ذلك «ما يحصل في قضاء جبيل من تجييش للغرائز الطائفية ورغبة بايقاظ الشياطين النائمة، وهذا ما سيرتدّ سلباً على اللبنانيين والمسيحيين بشكل خاص الذين قد يشعرون بفائض قوة في بعض الأقضية، لكنهم يواجهون مشكلات في أقضية أخرى، فيما المطلوب تحصين الوحدة الوطنية وعدم اللعب على وتر الغرائز».
ويختم عون قائلاً «إنّ «التيار» هو تيار شعب بكل تلاوينه، وقد عاد مؤسّسه الى «بيت الشعب»، والشعب يرفض هذه الممارسات. نحن في «التيار» لم نتعوّد السكوت عن الحق، فكيف إذا كان حقنا. لم نسكت تحت الضغوط والمنفى، ولن نسكت اليوم، ولن نكون شهود زور».