كتب عماد مرمل في صحيفة “الجمهورية”:
تحافظ قيادة «حزب الله»على هدوء الأعصاب وسط صخبِ التهديدات الأميركية لسوريا وهدير الصراخ الإسرائيلي. يتعامل الحزب بعقلٍ بارد مع الوقائع الساخنة، متجنّباً الانفعالَ الذي يطبع سلوكَ المحور المضاد في ساحات المنطقة. صحيح أنّ حارة حريك تضع في الحسبان أسوأ الاحتمالات وتستعدّ لها، لكنّها في الوقت ذاته تستبعد أن تتدحرج أيّ ضربة أميركية لسوريا إلى مواجهة واسعة، كما تستبعد أن تشنّ إسرائيل حرباً شاملة على لبنان في هذا التوقيت، أنّما مع تركِ هامشٍ للمفاجآت.
الوضع في سوريا وملف الانتخابات كانا مادةَ الحوار الشامل الذي أجرته «الجمهورية» مع نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم الذي رسم معالم المشهدين الداخلي والخارجي من منظار حارة حريك، محدّداً تموضُع الحزب حيالهما.
وفي ما يلي وقائع الحوار:
- هل الضربة الأميركية لسوريا باتت حتمية أم لا تزال غيرَ محسومة؟
– إنّ الطريقة التي يدير بها الرئيس الاميركي دونالد ترامب ملفاته ومواقفَه يغلب عليها الطابع الاستعراضي الصاخب الذي يمكن ان يؤدي في احيان كثيرة الى نتائج عادية جداً، وهذا ما لمسناه عند تصعيد الأزمة مع كوريا الشمالية، حيث شعر العالم بأنّ حرباً عالمية ستقع، وإذ بنا نعرف بعد ذلك انّ لقاءات محتملة قد تُعقد بين الجانبين لمعالجة مشكلاتهما. كما لاحظنا انّ الادارة الاميركية بتفريعاتها المختلفة أصيبَت بالحيرة جراء موقف ترامب التصعيدي حيال سوريا، ليتبيّن انّ الفكرة لم يكن مخططاً لها وأنّ العدوان المفترض لا يزال موضعَ نقاش.
أمام هذا الجو الغائم تبدو الصورة غامضة، وأياً يكن الأمر، نستبعد أن يتطوّر الوضح الى اشتباك اميركي – روسي مباشر أو الى حالة حرب واسعة. لكن في نهاية المطاف لا احد سوى الله يعرف ماذا يدور في رأس ترامب.
- كيف سيتصرّف «حزب الله» إذا وجَّهت أميركا الضربة؟ وما هي خياراتكم؟
لا يرغب الحزب في خوض نقاشٍ علني حول ردودِ الفعل المحتملة، حيال أيّ اعتداء اميركي او اسرائيلي على سوريا، إذ من ناحية يجب ان نُبقيَ لأنفسنا الخيارات مفتوحة مع ما يُسبّبه ذلك من قلق لدى العدو، ومن ناحية أخرى لا يصحّ ان نناقش في الإعلام احتمالات قد لا تقع، لكن الامر المؤكّد هو انّ اسرائيل تعلم تماماً ماذا يمكن ان يفعل «حزب الله» في حالات معيّنة من الاعتداء.
- هل يمكن ان يتدحرج أيّ اعتداء أميركي على سوريا إلى حرب شاملة قد تصيب تداعياتها لبنان؟
– إذا كان الاعتداء على سوريا في إطار محدود جداً، فمِن المتوقع أن تكون ردود الفعل من الاطراف المعنية بسوريا مرتبطة بالساحة السورية، وأيّ كلام عن توسّعِ الأزمة أو تدحرُجِها يعني انّ المنطقة امام عدوان اقرب الى حرب، وفي العادة من الصعب وضعُ ضوابط للحرب بغية تحييد بلدٍ دون آخر، لكن أؤكّد مجدداً أنّ الظروف لا تشِي بحصول حرب شاملة او مواجهة متدحرجة إلّا إذا فقد ترامب ونتياهو صوابَهما كلّياً.
- كيف ستتعاملون مع استخدام الأجواء اللبنانية لقصفِ سوريا؟
– إنّ قصف سوريا من لبنان بواسطة الطيران الاسرائيلي هو ايضاً اعتداء على لبنان يجب ان يُدان وأن يُرفَع الصوت عالياً ضده، خصوصاً على مستوى الدولة وأركانها والحكومة، وذلك لحشدِ اكبرِ تأييد ممكن للبنان في رفضِه لهذا العبث بسيادته وفي مطالبته بمنعِ اسرائيل من انتهاك أجوائه للاعتداء على سوريا.
- كيف تنظرون إلى الغارة الإسرائيلية الأخيرة على مطار تيفور، وإلى أيّ حدّ ستساهم في تأجيج الصراع الإسرائيلي الإيراني في سوريا؟
– إنّ الوجود الايراني في سوريا قائمٌ بالتنسيق مع الدولة السورية، وهذا أمر مشروع ومألوف في الوضع الدولي، والغارة الاسرائيلية على مطار تيفور تشكّل اعتداءً على سوريا وإيران معاً، وهذا له تبعات لا أعلم الآن ما هي حدودها.
لا نريد حرباً
- خصومكم يتخوّفون من أن يزجّ «حزب الله» لبنان في أتونِ المواجهة الكبرى على مستوى المنطقة وأن يورّطه في حرب مع إسرائيل لحسابات إقليمية. هل يمكن أن تخوضوا مغامرة من هذا النوع؟
– لا يخجل «حزب الله» بأن يقول علناً إنه ليس في وارد أن يبادر هو ابتداءً الى فتح جبهة حرب ضد اسرائيل من لبنان، وكلّ أداء الحزب هو في الواقع أداء مقاوِم ودفاعي، ومَن يراقب ما جرى منذ عام 2006 حتى الآن يجد بأنّ الحزب كان حريصاً على تعزيز موقعه الدفاعي، ولم يبادر الى عمل هجومي. من هنا، فإنّ اسرائيل هي المسؤولة اوّلاً وأخيراً عن ايّ انزلاق يمكن ان يحصل، علماً انّ تقديرنا الراهن هو انّ الحرب على لبنان مستبعَدة، لكنّ المقاومة جاهزة للمفاجآت.
- لماذا لم يشارك الحزب في معركة الغوطة الشرقية؟
– بعض المعارك في سوريا شاركنا فيها لتقديرنا بأنّ هذه المشاركة ضرورية ومفيدة في سياق مواجهة داعش والتكفيربين وحماية سوريا التي تشكّل الخطَّ الدفاعي الاوّل عن حماية لبنان. لكن في بعض الاماكن لم تكن لنا مشاركة لانّ المعني الاساسي في سوريا هو الجيش العربي السوري، وبالتالي نحن لسنا جزءاً من كلّ معركة تتمّ على الاراضي السورية، بل إنّنا حلفاء وفي موقع المساندة، وعندما وجدنا أنّ مسألة الغوطة الشرقية لا تحتاج الى حضور مباشر من قبَلنا، لم نكن جزءاً من المعركة.
- إلى أيّ حدّ قد تساهم الضربة، إذا حصلت، في تعديل موازين القوى؟
– إنّ أيّ عدوان أميركي على سوريا لن يغيّر في موازين القوى التي أصبحت لصالح النظام وحلفائه.
الإنتخابات حاصلة
- هل تطوُّر الوضع في سوريا نحو الأسوأ قد يدفع نحو تأجيل الانتخابات ؟
– كلّ المعطيات تدلّ على أنّ الانتخابات النيابية حاصلة في موعدها، وليس لديّ ايّ فكرة عن حدثٍ يمكن ان يعطّلها.
- ما هي الرسالة السياسية التي يريد «حزب الله» إيصالها من خلال صناديق الاقتراع؟
– «حزب الله» يخوض الانتخابات بعقلية الاستفتاء الشعبي وليس بعقلية عددِ النواب أو حرمان الآخرين من حضورهم السياسي، وهذا الاستفتاء مهمّ بالنسبة إلينا لتثبيت وجودنا في تركيبة الدولة، حتى نكون حاضرين في بنائها وحمايتها وتأمين متطلبات من نمثّلهم فيها. بمعنى آخر، الانتخابات هي مناسبة لإثبات حضور رسمي يمكن من خلاله إبراز حقيقة صورتِنا أمام الداخل والخارج لجهة أننا موجودون بقوّتنا الشعبية وبتمثيلنا لإرداة الناس وليس استقواءً بأيّ شيء آخر.
- هل تتوقع أن يزيد عدد أعضاء كتلة الوفاء للمقاومة أم قد ينقص؟
– أعتقد أنّ حجم الكتلة سيبقى هو ذاته تقريباً، مع الأخذِ بالحسبان إمكان ان يزيد نائبٌ هنا أو ينقصَ نائب هناك، علماً أنّ المهم بالنسبة الينا يتجاوُز العدد الى إظهارِ حجم التأييد الشعبي لنا وتحقيق تمثيلٍ واسع لحلفائنا من دون ان يكونوا في كتلتنا.
- ألا تسعون، بالتعاون مع حلفائكم، إلى الاستحواذ على الأكثرية النيابية؟
– نحن لا نخوض الانتخابات بهذه الذهنية، لأننا نعتبر أنّ سعة التمثيل التي ستحصل من خلال القانون النسبي والتنوّع الكبير لحلفائنا ستعطينا النتائج المرجوة في حسن إدارة البلد، مع الاشارة الى انّ القضايا الاساسية والمصيرية في لبنان لا تؤخَذ عادة بالمغالبة او بمعادلة الاكثرية والأقلية وإنّما بالتوافق والتفاهم، وأكبر دليل على ذلك قانون الانتخاب الذي بقيَ قيد النقاش 7 سنوات ولم يقرّ في نهاية المطاف إلّا بعد التوافق عليه. وعليه، لا نعوّل كثيراً على فكرة انتزاع الاكثرية النيابية، لكن إذا حصَل ذلك تلقائياً فهو أمر مفيد.
- هل ترجّحون فوز مرشّحِكم في دائرة جبيل كسروان الشيخ حسن زعيتر ومعظم مرشّحي «الأمل والوفاء» في دائرة بعلبك الهرمل، أم تواجهون صعوبات في هاتين المنطقتين؟
– أرجّح فوزَ الشيخ حسن زعيتر في جبيل، ونحن نعمل لنصل إلى تلك النتيجة، وإنشاء الله ستعكس صناديق الاقتراع هذه الأرجحية، أمّا في بعلبك الهرمل فمِن المعروف انّ النظام النسبي لا يمنح ايَّ طرفٍ كلَّ المقاعد وإنّما يعطيه وفقَ نسبةِ الاصوات التي تدعمه، ونحن واقعيّون وندرك أنّنا لا نمثّل في تلك الدائرة مئة في المئة من القاعدة الشعبية وإنْ تكن نسبة تمثيلنا مرتفعة جداً، وهذا يؤدي حكماً إلى ان نحصل على اغلبِ المقاعد، فيما يمكن ان يحصلَ الفريق المنافس على مقعد أو اثنين من اصل عشرة، وهذا ليس خرقاً وإنما انعكاس للأحجام بحكم القانون النسبي، علماً أنّ المعادلة ذاتها تقريباً موجودة في بيروت الثانية ولكن بشكل معكوس، إذ إنّ تيار المستقبل لا يستطيع ان ينال 11 مقعداً لوحده، بل هناك قوى وازنة ونحن منها ستكون لها حصتها من المقاعد كذلك.
- إلى أيّ درجة تأثّر تفاهم مار مخايل بالتنافس الانتخابي في العديد من الدوائر؟
– من اليوم الأوّل للنقاش بين الحزب والتيار اتّفقنا على أن تُترَك الحرية للطرفين في صياغة التحالفات الانتخابية التي يراها كلّ فريق مؤاتية لمصلحته، من دون ان ينعكس ذلك على التحالف السياسي، ونحن متفاهمون على انّ الانتخابات هي محطة عارضة لا علاقة لها بالتحالف الاستراتيجي وبمضمونه، وإن كانت بعض التحالفات الانتخابية قد أزعجَت الجمهور من الطرفين، لكن أعتقد انّها ستكون عابرة، خصوصاً انّ القيادتين متفقتان على عدم إلحاقِ الضرر بالتحالف السياسي، وسيكتشف الناس بعد 6 أيار انّ الانتخابات ظرفية والتحالفَ السياسي صامد وراسخ لأنه مبني على ثوابت استراتيجية.
عون وبري
- هل تعتبرون أنّ سلوك رئيس الجمهورية ميشال عون حتى الآن أتى مطابقاً لتوقّعاتكم حين دعمتم ترشيحَه؟
– الرئيس عون أعطى في موقعه الرئاسي أكثرَ من المتوقع بالنسبة إلى القضايا السياسية الكبرى، وكلّ تصريحاته ومواقفه نابعة من قناعاته، وكنّا نسمع بها كما يَسمع بها الآخرون، ونحن مرتاحون جداً لكونِ خيارنا الرئاسي كان في محله، وقد ثبتَ انّ الصبر لمدة سنتين ونِصف كان نعمةً للبنان، والجميع يقرّ الآن بأنّ الادارة السياسية برئاسة الرئيس عون ساعدت في تحصين الاستقرار الامني والسياسي، وهذا مهم جداً للمعالجات الاقتصادية والاجتماعية.
- إلى ماذا تستندون في اتّهام بعض الجهات الخارجية بالتدخّل في الانتخابات؟
– ثابتٌ لنا أنّ أميركا والسعودية والإمارات تتدخل في الانتخابات إمّا عبر المال أو عبر الاتصال بأطراف لبنانية لدعم لائحة ضد اخرى، او من خلال إعطاء التوجيهات بضرورة محاصرة الحزب وإسقاط مرشحيه بأيّ طريقة ممكنة، وصولاً الى محاولة التضييق علينا حتى في الفايسبوك الذي أقفلت إدارته مراراً موقع «نحمي ونبني»، إلّا أنّ هذ التدخل لا فائدة منه بل يشكّل استفزازاً لجمهورنا وتحفيزاً له على زيادة معدل التصويت للوائحنا.
- كيف تنظرون إلى الخطاب التصعيدي ضدّكم من قبَل الرئيس سعد الحريري، وهل كنتم تتوقّعون منه تصرّفاً مغايراً بعد وقوفكم إلى جانبه خلال أزمته في السعودية؟
– عندما اتّخَذنا مواقفنا السياسية أثناء احتجاز الرئيس سعد الحريري في السعودية كنّا نتصرّف وفق قناعاتنا، ولم نكن نبتغي المبادلة بشيء، فَـ«حزب الله» لم يعتد ان يتّخذ موقفاً في مقابل بدل، وعندما أطلق الحريري بعض تصريحاته ضد «حزب الله» قرّرنا ألّا نساجِله، ونحن نعلم انه يريد ان يشدّ العصب الانتخابي، لكنّه مخطئ لأنه لن يضيفَ صوتاً واحداً من خلال هذا الخطاب، هذا إنْ لم يُنفّر البعض، ولعلّه يريد ايضاً توجيه رسالة الى من يعنيهم الامر خارج لبنان.
- هل تتمسّكون بترشيح الرئيس نبيه بري إلى رئاسة مجلس النواب بعد الانتخابات؟
– إنّ مرشّح الحزب إلى رئاسة المجلس قبل الانتخابات وبعدها هو الرئيس نبيه بري، تماماً كما كان موقفنا مرّات ومرّات في الانتخابات السابقة، لأننا نعتقد انه الأجدر والافضل لتولّي هذا المنصب من أجل مصلحة لبنان.
- مَن هو مرشّحكم إلى رئاسة الحكومة؟
– مِن المبكر الحديث منذ الآن عن اسمه.