كتبت البروفسور غريتا صعب في صحيفة “الجمهورية”:
جاء إقرار الموازنة كخطوة في رحلة الألف ميل، الا انها تبقى غير كافية وعلى المسؤولين العمل وبشكل جاد على مكافحة آفة جعلت من لبنان في طليعة الدول الفاسدة الامر الذي شلّ اقتصاده ونموه وأضعف ثقة المشتثمرين فيه، كذلك الدول الشقيقة والصديقة منها. الامر المقلق حاليًا هو حالة الجمود في الاقتصاد اللبناني ان كان في الاستثمار او في التجارة العامة مما يعني امورا عدة وجب التطلع اليها بدقة ومراقبتها.
وعليه، يجب ان يكون التصدّي للفساد وتحسين الحوكمة عنصرًا اساسيًا في اجندة الاصلاح في لبنان. انطلاقا من هذا الواقع، قدّم صندوق النقد الدولي بعض التوصيات للقضاء على الفساد. واهمها قد يكون الاطار التنظيمي والذي يجب ان يكون اكثر فعالية وان يكون شغالًا، وتفعيل قانون الثروة غير المشروعة.
اما الخلفية الاقتصادية فهي واضحة اجمالًا ولا تتطلب دروسًا مستفيضة في الاقتصاد سيما وان الجميع يعلم علم اليقين ان النمو ما زال منخفضًا ومن غير المحتمل ان يتحسن في المدى القريب لا سيما في القطاعات التي تعتبر اساسية للبنان مثل السياحة والعقارات والبناء (حسب مصرف لبنان فإن اسعار العقارات تدنى بنسبة ١٠ بالمائة في عام ٢٠١٧ في حين ان مؤشر ثقة القطاع الخاص ما زالت مثقلة بسبب عدم الاستقرار السياسي وارتفاع تكاليف الواردات سيما النفط ومع انخفاض الدولار الاميركي).
ازدادت الامور خطورة مع النزوح السوري اذ انه ووفقًا للبنك الدولي بلغت الخسارة في الناتج المحلي حوالي ١٨ مليار دولار حتى العام ٢٠١٥ مع ازدياد مستوى الفقر والبطالة وانخفاض التصدير اللبناني- وهي امور بتنا نشعر بها كل يوم ولم تكن سلسلة الرتب والرواتب لتحسّن الامور اذ انها زادت الامور سوءًا وحركت الشارع والحركة العمالية للمطالبة بزيادات يعتبرونها حق لهم اسوة بالقطاع العام.
هذه كلها امور زادت الضغوط على وضعية لبنان الامر الذي جعل مؤسسات التصنيف الدولية تعيد حساباتها. «موديز» من جهتها، خفضت تصنيف لبنان من B2 الى B3 في آب ٢٠١٧ بينما fitch و S&P ابقوا على تصنيفهم. وكلها امور تدعو للقلق وتؤخر النمو وتجعل نجاح باريس ومؤتمرها ضرورة ملحة لتحريك عجلة الاقتصاد.
هذه الملفات تحتاج معالجة، وكان يُستحسن أن تُعالج قبل مؤتمر باريس وغيره من المؤتمرات المخصصة ان كان لحل ازمة لبنان الاقتصادية او أزمة النازحين. اذ أن الفساد يقلّل من النمو الاقتصادي ويترك المواطن مرتابا من من الحكومة واجهزتها. وقد تكون عمليات المراقبة من قبل اجهزة مختصة وانشاء محاكم متخصصة وعقوبات اكثر صرامة حوافز ايجابية للحد من الفساد.
ماذا يعني هذا على ارض الواقع ونحن نعلم ان الفساد مشكلة معقدة كثيرًا تنطوي على عناصر فاعلة ومتعددة وتعمل في العلن واكثر الاحيان في الظل ويشكل مسألة حاسمة في الاقتصاد الكلي وفي البلدان ويعوق الامكانات الاقتصادية في البلد.
الوضع في لبنان بغاية الخطورة ويتعدى الرشوة ليشمل امورا شبيهة ولا تقل خطورة عنها مثل الاختلاس والمحسوبية وتمويل الارهاب وغسل الاموال ومخالبها شريرة وتتأقلم حسب البيئة التي تحتضنها.
وقد تتطلب محاربة الفساد امورا عديدة تتعدى القوانين لتشمل المراقبة الفعلية والتشهير بالمفسدين ومراقبة جدية من قبل مؤسسات مستقلة تعمل بشكل مستقل وحيادي، مثال على ذلك ما فعلوه في الغابون حيث وبعد التشاور مع صندوق النقد الدولي ألزمت الحكومة بنشر البيانات على جميع الاستثمارات العامة كذلك في اوكرانيا، حيث دعت الحكومة صندوق النقد الدولي للمساعدة في اجراء استعراض شامل لمكافحة الفساد واجراء سلسلة اصلاحات بما فيها المكتب الوطني لمكافحة الفساد.
لذلك، قد لا يوجد حل سحري لمكافحة الفساد علمًا ان دولا عدة تقدمت تقدمًا ملحوظًا في الحد من الفساد واليكم بعض الوسائل التي يمكنها ان تساعد في كبح جماح الفساد.
١- وضع حد للافلات من العقاب واتباع نهج قانوني صارم.
٢- اصلاح الادارة العامة والادارة المالية وتعزيز دور وكالات المراجعة الحسابية.
٣- تعزيز الشفافية وامكانية الوصول الى المعلومات وذلك عن طريق ممارسة الضغوط على الهيئات الحكومية من اجل المشاركة في المعلومات والاحصاءات
٤- تعزيز قدرات المواطن وتمكينه من مساءلة الحكومة وهو نهج يساعد على بناء الثقة وتحسين نوعية وكمية الخدمات العامة.
٥- اغلاق الثغرات الدولية واصدار تعليمات لمكافحة غسل الاموال وايقاف التدفقات غير المشروعة.
هذه الامور مهمة وضرورية في كبح الفساد والتخفيف من وطأته على المواطن وحياته وتعزيز الرفاهية والمساواة. وفي لبنان، ينبغي ان يكون اقرار سلسلة الرتب والرواتب عاملا فاعلا في الحد من الفساد سيما وان الموظف حصل على حقوقه وحسّن وضعيته مما يعني ان الامور لم تعد كما كانت عليه سابقًا.
اخيرًا، مكننة الادارة ضرورية اذ انها تقلّل من التعاطي المباشر بين المواطن والموظف وتمنع الرشوة لاجراء المعاملات.
كلها امور تتطلب ارادة سياسية ملحة واستراتيجية عمل لا سيما وان لبنان غارق في ديونه ونموه متراجع وبطالته متزايدة واستثماراته في تراجع ولا يساعد في ذلك وضعية دول الجوار المنكوبة والمزدهرة.