كتبت صحيفة “العرب” اللندنية: يرى مشتغلون على كواليس الانتخابات المقبلة في لبنان أن السجال المندلع داخل البيت الدرزي بين النائب والزعيم الدرزي ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، والوزير ورئيس الحزب الديمقراطي اللبناني، طلال أرسلان، لا يعدو كونه من لوازم الحملات الانتخابية ولا يمثل تصدّعا جديدا ما بين الجنبلاطية والأرسلانية.
وخرج الخلاف المبطّن بين القياديين إلى العلن من خلال نشر أرسلان رسالة مفتوحة شديدة اللهجة إلى جنبلاط الأسبوع الماضي. وقال أرسلان في رسالته إن “عدة الشغل التي مازالت تعتمدها يا بيك لم تعد تصلح، وتحملك وتحمل أبناءك الطيّبين أعباء الوعود الكاذبة والغش والفرقة بين الناس وتعطيل مصالحهم بأبسط قواعد حياتهم اليومية، ومن تعرفهم جيدا، يكذبون عليك أكثر مما يتنفسون كما يكذبون على الناس ويتاجرون بمصالحهم. نحن نعم نتنافس ديمقراطيا لكن مجتمعنا له علينا الكثير، ألسنا يا بيك من أمة تؤمن بأن أولها وأعظمها صدق اللسان وحفظ الإخوان؟ هذه قواعد التوحيد الشريف وكل من لا يطبقها لا يمكن أن يكون منا حتى ولو كان درزي الهوية”.
وفيما تطول الرسالة بعد ذلك في توجيه الانتقاد اللاذع لجنبلاط، غرد هذا الأخير عبر تويتر، قائلا “لا داعي للدخول في مساجلة مع أمير الوعظ والبلاغة والحكم. أمّا وأنّني على مشارف الخروج من المسرح أتمنَّى له التوفيق مع هذه الكوكبة من الدُّرَر السندسية والقامات النرجسية. أنتم كما قال جبران في النور المظلم، ونحن في العتمة المنيرة”.
ورغم الطابع الحاد للسجال بين الرجلين، إلا أن مصادر سياسية درزية تعتبر أن ما يشهده الجبل من مشاحنات بين الاشتراكي والديمقراطي يتم بالاتفاق بين الطرفين، وما هو إلا تبادل أدوار اقتضته الحالة الانتخابية، وإن كان النقاش يصل للمرة الأولى إلى هذا المكان العنيف.
وتصف أوساط درزية عارفة الأمر بأنه “صراع وهمي” بين أرسلان وجنبلاط لا يتعدى كونه شدا للعصب الانتخابي إعلاميا، وهو يخدم الطرفين، والهدف منه التضييق على ما يطلق عليه المعارضة الدرزية وحصر المنافسة بينهما.
وتذهب بعض الآراء إلى المبالغة في تسطيح الخلاف بين الرجلين وتدرج تحالف أرسلان مع التيار الوطني الحر، برئاسة وزير الخارجية جبران باسيل، في خانة التواطؤ وليس الخلاف بين جنبلاط وأرسلان.
آراء متباينة
رغم تباين الآراء في تقييم الخلاف الانتخابي بين الجنبلاطية والأرسلانية، ورغم التباين الحاد في خيارات وليد جنبلاط لجهة معاداة نظام دمشق مقابل تحالف أرسلان مع هذا النظام، إلا أن العائلتين السياستين تنظران بعين الريبة إلى طموحات وئام وهاب، الشخصية الدرزية القريبة جدا من النظام السوري في دمشق وأحد الناطقين باسمه في لبنان.
غير أن ما هو نظري يصطدم مع واقع الأمر في جبل لبنان المعقل الأساسي للدروز في لبنان. فداخل دائرة الشوف-عاليه تتنافس بجدية لوائح جنبلاط وأرسلان. الأول بالتحالف مع تيار المستقبل والقوات اللبنانية والثاني بالتحالف مع التيار الوطني الحر. ورغم مداولات سابقة لتشكيل تحالف يجمع تيار جنبلاط بتيار أرسلان، إلا أن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل بحيث اختار الطرفان وجهات وتحالفات مختلفة ومتنافرة.
ويبدو تحالف جنبلاط مع رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع منطقيا في الجانب السياسي الذي جمعهم قبل ذلك في معسكر 14 آذار وفي الجانب الانتخابي المستند على حاجة الأطراف الثلاثة إلى هذا التحالف ضمن هذه الدائرة.
وبالمقابل، وفيما يبدو تحالف أرسلان منطقيا مع التيار الوطني الحر لجهة انتمائهما السابق إلى معسكر 8 آذار، إلا أن هذا التحالف ليس سياسيا مع اندثار المعسكرين بالمفهوم الذي برز بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري عام 2005، ويأخذ طابعا مصلحيا انتخابيا، قد يكون هدفه تقليص زعامة جنبلاط على النحو الذي تشي به رسالة أرسلان القاسية لجنبلاط.
والظاهر أن اللقاء الذي جمع جنبلاط وباسيل قبل أشهر لم يستطع أن يبدد الخلاف الكبير بين التيارين السياسيين كما بين الرجلين أنفسهما. فجنبلاط لم يكن راضيا عن التسوية التي تشارك فيها الحريري وجعجع لانتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية، وبدا موقفه أقرب إلى موقف رئيس المجلس النيابي زعيم حركة أمل نبيه بري في هذا الصدد. ووقف جنبلاط بشكل واضح إلى جانب بري في السجال الذي اندلع مع باسيل حين تحدث قبل أشهر عن “البلطجة” التي يمارسها بري في السياسة في لبنان، ما أثار حفيظة حركة أمل وتسبب في أعمال شغب ضد مكاتب للتيار الوطني الحر.
ويلفت المراقبون إلى أن الاتهامات المتبادلة قبل فترة بين وزير الطاقة سيزار أبي خليل، المقرب من باسيل، والنائب علاء الدين ترو، المقرب من جنبلاط، حول الفساد والمحسوبية، تعبر بدقة عن خلاف تحول إلى كيدية يمارسها باسيل ضد جنبلاط من خلال التحالف مع أرسلان.
محاصرة جنبلاط
لا تنسى أوساط جنبلاط زيارة جبران باسيل إلى إقليم الخروب، أحد معاقل الحزب التقدمي الاشتراكي الأساسية، ليعلن من هناك أن تياره سيكون “التيار السني الثاني”، ما أطلق العنان لتحليلات اتهمت الحزب الوطني الحر بالسعي إلى إعادة تكريس المارونية السياسية في الجبل، واستعادة دور المسيحيين وفق خطاب التيار العوني الذي يعتبر أن المسيحيين قد همشهم اتفاق الطائف بعد الحرب الأهلية فيما وضع جنبلاط حدا لنفوذهم في الجبل.
ويرى الجنبلاطيون أن باسيل يسعى لمحاصرة جنبلاط في عقر داره من خلال التحالف مع أرسلان، فيما يذهب بعضهم إلى الغمز من قناة الحريري أيضا بصفته متحالفا مع باسيل ومشاركا له في ممارسة ضغوط على جنبلاط، خصوصا وأن الأخير لا يخفي عتبه على زعيم تيار المستقبل.
وهناك في دوائر الحزب التقدمي الاشتراكي من يعتبر أن اللوائح التي يقودها أرسلان ووهاب ضد جنبلاط تستهدف حضوره السياسي وترمي إلى إلغائه سياسيا أو على الأقل إضعاف نفوذه التاريخي داخل الطائفة الدرزية في لبنان.
ويقول مراقبون إن الجنبلاطيين يرون أن الضغوط على زعيمهم تأتي من أنصار النظام السوري ومن أنصار رئيس الجمهورية ميشال عون على السواء من خلال الثنائي أرسلان-وهاب، كما من خلال العجز عن إدارة تحالف واضح مع تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية.
لكن هذه الأوساط تعترف بأن التحالف السياسي بين جنبلاط وبري وذلك الانتخابي في دائرة الشوف-عاليه مع جعجع والحريري يمثل جرعات حصانة تحمي جنبلاط من ضغوط الخصوم. وتضيف أن ذلك التحالف لا يوفر ضمانات أكيدة ضد تلك الضغوط، بسبب صعوبة استشراف نتائج هذه الانتخابات وصعوبة حسن توقع ما ينتجه قانون الانتخابات الحالي المعقد على كافة الفرقاء السياسيين في لبنان.