كتب يوسف دياب في صحيفة “الشرق الأوسط”:
كلما اقترب موعد الانتخابات النيابية المقررة في السادس من (أيار) المقبل، اتسعت رقعة الخلاف بين تيار «المستقبل»، بقيادة رئيس الحكومة سعد الحريري، والحزب التقدمي الاشتراكي، برئاسة النائب وليد جنبلاط، على خلفية المعركة الانتخابية التي تهدد تحالفهما الاستراتيجي، وتطرح علامات استفهام عن مصير هذا التحالف في مرحلة ما بعد الانتخابات، رغم تأكيدهما أن ما يحصل مجرد خلاف ظرفي لن يطيح بعلاقتهما التاريخية ونضالهما المشترك.
واللافت أن اتفاق الطرفين مبكراً على خوض الانتخابات بلوائح مشتركة في دائرتي بيروت الثانية والشوف – عاليه لم يؤسس لتحالف وثيق بينهما في دائرة البقاع الغربي، فتشكلت لائحتهما على مضض، بفعل إصرار الحريري على استبعاد عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب أنطوان سعد، وفرض مرشح «المستقبل» غسان سكاف مكانه، الأمر الذي لاقى انتقاداً لاذعاً من جنبلاط وقيادات حزبه، قبل أن تأتي زيارة الحريري إلى الجنوب يوم أول من أمس لدعم مرشحه عن المقعد السني في دائرة الجنوب الثالثة، عماد الخطيب، ضمن لائحة تحالف «رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني»، الوزير طلال أرسلان، و«التيار الوطني الحر»، في مواجهة لائحة الحزب الاشتراكي وحركة «أمل» وباقي الأحزاب الموالية للنظام السوري.
غير أن جولة الرئيس سعد الحريري، التي شملت محطات عدة في «دائرة الجنوب الثالثة» عقدت الأزمة مع الحزب الاشتراكي وجنبلاط تحديداً، خصوصاً بعد الاستقبال الحاشد الذي أقامه الوزير طلال أرسلان لرئيس الحكومة في السرايا الشهابية في حاصبيا، وإصراره على أن يزور الحريري خلوات البياضة للموحدين الدروز، حيث لاقى استقبالاً شعبياً كبيراً، يتقدمه الشيخ غالب الشوفي، من أتباع الشيخ نصر الدين الغريب، الذي سماه أرسلان شيخ عقل للطائفة الدرزية، مقابل شيخ العقل نعيم حسن القريب جداً من رئيس الحزب الاشتراكي.
وفي حين أبدى جنبلاط استياءه من الزيارة بطريقة مبطنة، بقوله: «لم أهتم بما حصل بسبب انشغالي بمناسبة أخرى»، عبّر عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب وائل أبو فاعور عن بلوغ الأزمة مرحلة متقدمة، حيث قال إن «للبيوت أبوابها»، معتبراً أن «باب حاصبيا هو النائب وليد جنبلاط، أما النوافذ الأخرى أو المداخل الضيقة فلا تعبر عن حاصبيا»، في إشارة إلى أرسلان، موضحاً أن الحزب التقدمي الاشتراكي «آثر أن يبقى بعيداً عن هذه الزيارة التي تهدف لإعلان تحالف هجين سينقضي في السادس من مايو (أيار) ليلاً».
وأثارت مواقف جنبلاط وأبو فاعور استياءً في أوساط «المستقبل»، الذي يرى أن الزعيم الدرزي يبني علاقته بالآخرين وفق مصالحه. وأوضح عضو المكتب السياسي في «المستقبل» النائب السابق مصطفى علوش أن التباين بين الطرفين ليس وليد هذه المرحلة الراهنة، وأكد لـ«الشرق الأوسط» أنه «منذ أيام الرئيس الشهيد رفيق الحريري، كانت العلاقة تذهب إلى بعض التأزم. وفي كل الأحوال، كانت لجنبلاط بعض الشحطات، سواء بالكلام أو التصرفات».
وقال علوش: «علاقة جنبلاط مع تيار (المستقبل) تقوم على قاعدة (المونة) و(الغنج والدلال)، وما فعله مع رفيق الحريري لا يزال يفعله مع سعد الحريري، وكلّنا نذكر كيف خرج من (14 آذار) في عام 2009 بعد الانتخابات، والتحق بحكومة الرئيس نجيب ميقاتي في عام 2011»، معتبراً أن جنبلاط «يتبع سياسة إما أحصل منكم على كل شيء لأبرم تسويات أو أفتح معكم معركة».
ورغم حدة السجال، فإن الخلاف يبقى مضبوطاً بسقف ما تقتضيه المعركة الانتخابية، بحسب تقدير مصطفى علوش الذي رأى أن الحزب الاشتراكي «يسعى من خلال التصعيد إلى الحصول على أكبر حصة من النواب والوزراء، كما تفعل كل الأحزاب والتيارات الأخرى». ورأى أنه «عندما يشعر النائب جنبلاط بالحاجة لفتح علاقة مفيدة له مع أي طرف كان، يفتحها»، معتبراً أنه «لا شيء اسمه افتراق نهائي في السياسة، حتى مع ألد الأعداء، فكيف مع حليف مثل وليد جنبلاط».
ولم يصل التوتر القائم بين الطرفين إلى الانقلاب على تحالفاتهما في الدوائر المشار إليها، ما يوحي بأن الخلاف ظرفي وقابل للتسوية سريعاً، وهذا ما عبر عنه قيادي في الحزب التقدمي الاشتراكي، حيث قال لـ«الشرق الأوسط» إن «ما حصل أخيراً، سواء خلال تشكيل لائحة البقاع الغربي أو ما رافق زيارة الرئيس الحريري إلى حاصبيا، لا ينسجم مع روحية التحالف الاستراتيجي بيننا»، لكنه أكد أن «التباينات لن تؤدي إلى نسف علاقاتنا التاريخية، أياً كانت الدوافع والأسباب»، معتبراً أنه «مهما كانت طبيعة الأزمة وخلفياتها، فهي لن تفك تحالفنا الاستراتيجي».