كتبت نبيل هيثم في صحيفة “الجمهورية”:
عشرون يوماً بالتمام والكمال تفصل عن الانتخابات النيابية في السادس من أيار. وفي هذا اليوم الموعود، وعلى حدِّ ما يقول المثل الشعبي «رح يذوب الثلج ويبيّن المرج»، وسينزل كثيرون من أعلى الشجرة التي تسلّقوها على أكتاف الدجل والشعارات، وسينزلون الى الأرض، وعندها ستنفّس حتماً، كل البالونات الحرارية والسياسية التي نفخت بعض الرؤوس الحامية، لتبدأ معها مرحلةُ «حكّ الركاب» وطقطقة الأصابع وتقديم جردة الحساب في يوم الحساب أمام الجمهور الذي جرى تعليقُه على أوهام كاذبة.
بالتأكيد إنّ حساب حقل بعض القوى السياسية، سيتطابق مع حساب بيدرها، وتلك هي النتيجة الطبيعية والموضوعية لمَن أدرك مسبَقاً أنّ الحقلَ معرّض دائماً لكثير من الاحتمالات والمفاجآت، وكان منسجماً مع نفسه ومع جمهوره وعرف قدره وتوقف عنده، وتعاطى بواقعية مع الاستحقاق الانتخابي من دون أن ينفخ حجمه أو مساحته السياسية والجغرافية بالهواء الفارغ، أو يُظهر كغيره فجعاً على المقاعد وشهوةً الى السلطة يغذّيها بمحاولة ابتلاع مقاعد غيره.
وبالتأكيد إنّ حسابَ هذا الحقل لن يتطابق أبداً مع حساب بيدر بعض القوى السياسية التي قدّمت نفسها، وما تزال، على أنها الأكثر حضوراً وتمثيلاً في لبنان وخلف البحار والمحيطات. ومن هذا الموقع ، مضافاً اليه الفجع والشهوة، هدمت كل جسورها الداخلية، أو صدّعتها، ودخلت في اشتباكات على كل الجبهات، ولم تعطِ وزناً أو قيمة حتى لمَن هم مِن جلدتها، وأدخلت فريقها السياسي في سوء تفاهم، أو خصام أو افتراق مع كل الناس، ولم تترك للصلح «مطرحاً» حتى مع أقرب الحلفاء!
قيل عن القانون الانتخابي الجديد إنه مختلف جذرياً عن القوانين الانتخابية السابقة، ليس لاعتماده النظام النسبي والصوت التفضيلي، بل لأنه القانون الوحيد الذي لا تُعرف نتائجُه مسبقاً، وهي مقولة لا تبدو واقعية، لأنّ النتائج بصورتها شبه النهائية لانتخابات السادس من أيار، باتت معروفةً بنسبة تزيد عن تسعين في المئة، ويتّفق على ذلك كلّ منجّمي الأرقام والاحصاءات، وكذلك الماكينات الانتخابية الحزبية وغير الحزبية، بحيث إنّ الحجم النيابي لكل طرف بات محسوماً من الآن.
ماذا في الوقائع والنتائج المفترضة؟
الواضح في الوقائع التحضيرية لانتخابات السادس من أيار، إختلاف الأداء والهدف بين فريق سياسي وآخر:
-فريق يسعى الى الحدِّ من خسائره كتيار المستقبل أولاً، يليه الحزب التقدمي الاشتراكي.
-فريق يسعى لئلّا يكون حضورُه في المجلس النيابي رمزياً وأقل من نصف العدد القليل الذي يتمثل فيه أصلاً في المجلس، كحزب الكتائب.
-فريق يسعى الى تجنّب خسارة كل شيء، والى الإبقاء على حضوره الخجول والمحدود في المجلس، وذلك بخلع قميص تحالفاته القديمة، وبالانتقال من ضفة الى ضفة كطلال أرسلان وعلاقته الانتخابية المستجدّة مع تيار المسقبل.
-فريق يسعى الى إظهار حضوره كما هو بحجمه التمثيلي الحقيقي المعبّر بصدق، وليس بادّعاء، عن رأي الشريحة الحزبية وكذلك عن رأي وتوجّهات البيئة الشعبية والجماهيرية التي يسبح فيها هذا الحزب، كحزب «القوات اللبنانية» والثنائي الشيعي وتيار المردة.
-فريق يتفيّأ بالظلّ الرئاسي، يسعى لأن يُظهر نفسَه الطرف الأكثر تمثيل، وأن يحتلّ المركز الأول في مجلس النواب ومن خلاله في الحكومة، عبر كتلة نيابية هي الأكبر في المجلس يحسب حسابها وتكون لها كلمتها الأولى والعليا في كل الاستحقاقات، كالتيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل، الذي يراهن على الوصول الى كتلة نيابية برتقالية تصل الى الثلاثين نائباً، مراهناً بذلك على تراجع كتلة تيار المستقبل وخسارتها أكثر من ثلث عدد أعضائها الذي ثبتت عليه منذ العام 2005 ووصل الى 35 نائباً.
النتائج التي باتت شبه معلومة، ويتفق عليها منجّمو الأرقام والاحصاءات والاستطلاعات، تُظهر الآتي:
-الثنائي الشيعي، يربح كل المقاعد الشيعية الـ27، يُضاف اليها بين 19 و 23 نائباً من الحلفاء.
-تيار المستقبل، بين 22 و24 مقعداً ( في المجلس الحالي يحتل 35 مقعداً).
-الحزب التقدمي الاشتراكي، بين 7 و9 مقاعد (في المجلس الحالي يحتلّ 11 مقعداً).
-القوات اللبنانية، بين 11 و14 مقعداً ( في المجلس الحالي يحتلّ 8 مقاعد).
-الكتائب: بين مقعد ومقعدين ( في المجلس الحالي يحتلّ 5 مقاعد).
-التيار الوطني الحر بين 15 و18 مقعداً (في المجلس الحالي يحتل 20 مقعداً) يضاف الى ذلك بين مقعدَين وثلاثة مقاعد للطاشناق.
يَظهر من هذه النتائج، أنّ طرفين هما الأكثر حظاً في انتخابات 6 أيار، وهما «القوات اللبنانية» والثنائي الشيعي اللذان ترتفع حصتهما في المجلس بشكل واضح، مع الإشارة البالغة للدلالة هنا، التي تفرزها هذه النتائج المتوقعة، وهي أنّ الثلث المعطل في المجلس النيابي الجديد بات في يد الثنائي الشيعي وحلفائه الأقربين منه «من ضمن الخط» بما يزيد عن 46 نائباً، وهذا معناه في يد هذا الثلث لفت الباب الرئاسي أمام بعض الوجوه، وإقفاله نهائياً أمام وجوه أخرى.
وأما في المقابل، فإنّ التراجع يظهر جلياً لدى التيار الوطني الحر، وتيار المستقبل والحزب التقدمي وحزب الكتائب.
واذا كان ثمّة تسليم بهذا التراجع الموجع من قبل المستقبل والتقدمي والكتائب، إلّا انه قد يكون مُكلفاً واكثرَ من موجع لدى التيار الوطني الحر. بالنظر الى حجم الطموحات التي علّقها على استحقاق 6 أيار. والى حجم الاندفاعة الكبرى التي انطلقت فيها قيادة التيار برئاسة باسيل وقدّمت الرقم الأعلى للمرشحين في هذا الاستحقاق وفاقت في ذلك كل القوى الأخرى.
هنا يحضر سؤال: إن صحّت هذه النتائج الافتراضية القريبة من الواقع، فماذا سيكون موقف التيار برئاسة باسيل؟
وماذا سيقول لكوادره وناشطيه الذين تحفّظوا على أداء القيادة الانتخابي وطريقة اختيار مرشحي التيار ونوعيّتهم؟
وماذا سيقول لجمهوره الذي أغرقه بالوعود وزرع فيه الأحلام الجميلة؟
وكيف سيبرّر لهذا الجمهور فشله في تحقيق النصر الانتخابي الموعود، وفي تخطّي حصته النيابية الحالية ولو بمقعد زيادة؟
وكيف سيبرّر لهذا الجمهور إن تمكّن بعد كل هذا الضجيج الذي رافق ترشيحاته وتشكيله لوائحه الانتخابية، أن يزيد حصته النيابية الحالية بمقعد أو اثنين فقط؟
والأهم من كل ذلك، ماذا سيقول التيار بقيادة باسيل لكوادره ونشطائه وجمهوره في ما لو تراجع عن حصته النيابية الحالية ولو بمقعد واحد؟
وقبل كل تلك الاسئلة سؤال في الجوهر: امام هذه النتائج الموجعة، هل سينفع الندم السياسي، وهل سيجرؤ أحد على توجيه الاصبع الى المسبّب بهذا الوجع؟ أم أنّ المسألة ستنتهي بوعدٍ تُطلقه قيادة التيار بالذهاب الى وقفة مع الذات وإجراء مراجعة نقدية لأدائها وما قامت به وما حصل، للاستفادة من الأخطاء وكان الله يحب المحسنين.
يبقى سؤال في السياسة: كيف سيعيد التيار بقيادة باسيل إعادة بناء الجسور التي هدمها مع غالبية القوى السياسية، وهل ينفع ترميم مع ما تهدّم وانهار؟