كتب ناصر شرارة في صحيفة “الأخبار”:
على رغم اقتراب موعد 6 أيار فإنّ القوى الأساسية في انتخابات «بيروت الثانية» لا تزال تقلب جملة من الخيارات الاستراتيجية ذات الصلة بطريقة توزيع أصواتها التفضيلية على لوائحها وعلى أساس أيّ ترتيب بين مرشحيها.
داخل تيار «المستقبل» يتمّ في ربع الساعة الاخيرة إستدراك جملة تصحيحات لإنضاج العدّة المناسبة والمطلوبة لخوض معركة انتخابية في بيروت تعتمد، ليس فقط على حشد الأصوات، بل أيضاً وفي الأساس على وضع هندسة توزّعها تفضيلياً بين مرشحي اللائحة الزرقاء.
التصحيح أو الاستدراك الأبرز حصل من خلال إعادة سليم دياب الى سدّة قيادة الماكينة الانتخابية للحملة الزرقاء في بيروت الثانية. معروف أنّ دياب كان استنكف منذ عدة أعوام عن دوره داخل تيار «المستقبل»، ونأى بنفسه عن التجاذبات التي ثارت في داخله واقترب من حال الاستقالة من أيِّ تعاطٍ سياسيّ. وبابتعاده، خسر «بيت الوسط» الرجل – المناسب الذي كان الرئيس رفيق الحريري يثق بقدراته على إدارة حملاته الانتخابية النيابية ويثمّن أهمّية بصمته في تدوير زوايا التناقضات داخل الجسد التنظيمي لتيار «المستقبل»، وأيضاً داخل المفاصل الاجتماعية التي تنظّم التفاعل الانتخابي للعائلات البيروتية وهؤلاء يقدَّرون بـ 30 ألف صوت.
ولفترة غير قصيرة ظهر أنّ قرار «البك» (وهو الإسم المتداوَل داخل تيار «المستقبل» لسليم دياب) بالابتعاد عن ممارسة أيِّ دور سياسي واستدراكاً انتخابي، هو قرار نهائي، ما قاد الحريري الى تسليم خالد شهاب قيادة الماكينة الانتخابية في بيروت، وحاول الوزير نهاد المشنوق، عبر أدائه بين العائلات البيروتية، القيام بتعبئة شيء من دور دياب. ولكن قبل أيام عدة نجحت محاولات سعد الحريري باستثارة حمية «البك»، بعدما وضعه في صورة الحاجة الماسة الى وجوده كمدير لمعركة حملة «الخرزة الزرقاء» في العاصمة التي تواجه مشكلات في حشد الصوت السنّي وإدارة الأصوات التفضيلية بين مرشّحي لائحته.
ومجرّد عودة دياب ليرأس ماكينة تيار «المستقبل» في بيروت، فإنّ هذا يضفي حيوية على المناخ الانتخابي البيروتي للائحة، ويضخّ فيها الانطباع بأنها انتقلت من حالة التثاؤب والفوضى الى حالة التوثّب والتنظيم. وبحسب معلومات فإنّ دياب شرع فور تسلّمه مهمته في إعادة تشكيل خريطة الماكينة الانتخابية، حيث رسم لها قيادة عليا تتألف منه شخصياً وتشرف على احدى عشر ماكينة انتخابية.
وكل واحدة من هذه الماكينات الـ11 التي أحدثها دياب تعمل لصالح نائب واحد في لائحة الحريري في بيروت، فيما تقوم قيادته الشخصية للماكينة بالتنسيق في ما بينها. ويريد دياب من إحداثه هذا الأسلوب في إدارة حملة بيروت الثانية الانتخابية، أن يجعل «ماكينته» تستجيب لتحدّيات النسبيّة و«الصوت التفضيلي»، وذلك عبر إنشاء «خطوط زرقاء» تفصل بين تماسات مرشّحي اللائحة الزرقاء على الصوت التفضيلي.
قبيل مجيء دياب، كان ظهَر تنافس بين المرشحين السنّة الستة داخل اللائحة، وتجلّى ذلك خصوصاً من خلال بروز «تململ» لدى الرئيس تمام سلام الذي شعر أنّ «ماكينة خالد شهاب» تتّجه الى محاباة صديقه المرشح السنّي الرابع على اللائحة ربيع حسونة، فيما المشنوق يجير زخم نشاطه لمصلحة ثنائية تفضيلية له وللرئيس سعد الحريري.
وبذا شعر سلام أنه يتحوّل من مرشح له الحظ الثاني أو الثالث بالفوز بعد الحريري الى رابع بعد الحريري والمشنوق وحسونة، الأمر الذي يجعله في دائرة الخطر كون الإحصاءات تُظهر أنّ التنافس على المقاعد السنّية الستة في بيروت الثانية، ستؤدّي بكثير من الثقة الى فوز ثلاثة مرشحين سنّة للحريري ورابع كاحتمال ليس مضموناً، نظراً لتوقّع أن ينافس بقوة عليه فؤاد مخزومي، فيما صلاح سلام أو نبيل بدر من لائحته، سينافس على الخامس، عدا المقعد السادس الذي تتوقّع التقديرات الشائعة فوز عدنان طرابلسي من «الأحباش» به.
ثمّة همس في كواليس بعض فئات الأحباش (الحليف السنّي الأقوى على لائحة الثنائي الشيعي) ترى بمجيء سليم دياب، تطبيقاً لما يزعمون أنه «تفاهم ثلاثي سرّي» تمّ بين «الأحباش» وحركة «أمل» وتيار «المستقبل»، ومضمونه أن لا تتجاوز لائحة الثنائي الشيعي درجة ربح في بيروت تتجاوز الحصول على اكثر من مقعد سنّي فيها. في مقابل أنّ «المستقبل» لا يخوض ضد مرشحَي «حزب الله» و«أمل» الشيعيين معركة هزيمة أحدهما.
وأخيراً، ودائماً بحسب أصحاب هذه «الرواية»، تعرّض هذا التفاهم لشيء من الاهتزاز بعد أن وصلت الى حركة «أمل» معلومات تفيد أنّ فريق إدارة الحملة الانتخابية في «المستقبل» غير متجانس لجهة تطبيقه، فأحمد الحريري يرى أنه سياسياً ستكون هناك رمزية مطلوبة لإسقاط أحد مرشحي الثنائية الشيعية في بيروت، حتى لو اقتضى ذلك التضحية بمرشح سنّي على اللائحة الزرقاء عبر إعطاء أصواته التفضيلية للمرشح الشيعي غازي يوسف.
لكنّ كلاً من الحريري والمشنوق يعارض هذه الفكرة، ويرى أنّ من الافضل خوض معارك مضمونة لإنجاح المرشحين السنّة، بدلاً من صرف أصوات من رصيدهم على اللائحة لحساب خوض معركة ليست مضمونة ضد أحد المرشحَين الشيعيَين محمد خواجة وامين شري.
ومن منظار مصادر متعددة، فإنّ تربّعَ دياب على رأس ماكينة «المستقبل» في بيروت يؤشر الى أنّ «التفاهم المضمر» بين حركة «أمل» وتيار «المستقبل» و«الأحباش» أصبح هو الغالب لدى الأخير، نظراً الى علاقة الصداقة الوثيقة بين بري ودياب.