كتب جان-ماري سولاج في صحيفة “الجمهورية”:
قالها الرئيس التاريخي للنادي الرياضي بيروت، وعميد الرؤساء هشام جارودي في العشاء التكريمي للمدرّب فؤاد أبو شقرا. «لم أرِدكَ أن ترحل، فلماذا فعلت؟». نعم قالها الجارودي الأب بكلّ صراحة وصِدق وشفافية. وتابع: «عندما أبلغَني أبو شقرا برغبته في الرحيل دمعَت عيناي وقلت له أنت لنا ونحن لك».
في صيف العام 2012، اختار أبو شقرا التحدّي الأصعب. ترَك مملكته في النادي الرياضي حيث الارض مفروشة بالورود ومزهوّة بطقس ربيعي لا تُلبّده لا غيوم ولا عواصف. هناك السكينة والطمأنينة كاملة متكاملة، ولكن…
بعد إحراز كلّ شيء، وفيما كانت سفينة نادي الحكمة تغرق بعد سنوات عجاف، أراد ابو شقرا العودة الى حيث انطلق في لبنان. الى نادي الحكمة الجريح، الوحيد، والعاجز عن استعادة أمجاده، والمُحافظ رغم ذلك على جمهوره الوفي الذي لم يتركه يوماً. إنتقل ابو شقرا والهدف واحد: الألقاب ولا شيء آخر.
حبَك ابو شقرا بحنكة أقوى فريق في تاريخ الحكمة، أقلّه منذ العام 2004، ولعدمِ الإفراط في الكلام، ضاعت فرصٌ كثيرة لاستعادة أمجاد النادي. كثيرون استسلموا للضغوطات والعراقيل والمشاكل واليأس، وهم ربّما كانوا مساهمين على نحوٍ مباشر أو غير مباشر، إلّا ذاك المدرّب الطموح. أبى الاستسلامَ فاستمرّ في مهامه. تعرّض لأعتى الحملات، مِن تخوين وتشهير وقدحٍ وذمّ، ألبِس تُهَماً كثيرة، فقط لأنه صَمد ووقف امام كلّ حملات إركاع نادي الحكمة.
تخيّلوا فقط لو كان هناك مدرّب آخر، كيف كان ليتصرّف مع كلّ الصعوبات؟ هل كان ليحتمّل البقاء يوماً واحداً؟ هل هناك مِن مدرّب يستطيع الصمود والاستمرار كلّ هذه السنوات مع كلّ هذه المطبّات اليومية والصعوبات وغياب الاستقرار المادي والإداري، عدا عن تملمُلِ اللاعبين المستمر، أجانبَ ومحلّيين، مِن عدم الحصول على رواتبهم. هل هناك من مدرّب قادر على ذلك؟ أمّا هو، فقَبِل تلقّي الخناجر والطعنات، واستمرّ.
بعد كلّ مباراة كان يتحدّث من القلب عن «جلجلة نادي الحكمة» من دون ان يتطرّق الى «الأنا». حافَظ دائماً على هدف واحد «إنقاذ نادي الحكمة». قَبِل دائماً أن يكون في الواجهة حتى لو كان الأمر على حسابه، فالهدف أسمى من الوسيلة. دفعَ من مسيرته أثماناً باهظة. فنّياً، حُرم عن قصد او غير قصد من الألقاب التي كانت وشيكة، في ظلّ كلّ الحملات على النادي او المشاكل الداخلية او الصعاب المالية.
ولم يستسلم. ظلّ يَحفر الجبل بإبرة أملاً في حلٍّ يُنقذ النادي ولا مسيرته… فالهمّ هو النادي الأخضر. على المستوى الشخصي، لم يترك البعض أي وسيلة لتشويه صورة أبو شقرا المعروف بآدميته وصِدقه وشفافيته.
فهل إنّ الهجوم هو على ابو شقرا أم على نادي الحكمة؟ والجواب هو أنّ البعض حاوَل ضرب أبو شقرا وبالتالي ضرب آخِر من وقفَ سدّاً منيعاً أمام محاولات تدمير النادي. فجنّ جنونُهم ولم يتركوا أيّ كذبة وتهمة إلّا ولفّقوها بهدف تشويه سمعةِ الرجل، رغم انّ الجميع يدرك تماماً بأنه إبن عائلة نظيفة وسمعتُها أبعد من ان يستطيع أحد تشويهَها.
ولو كان الرَجل في نادٍ آخر لَما كان تعرّضَ لِما يتعرّض له منذ وصوله الى نادي الحكمة. وهذا مردُّه الى معرفة هؤلاء الأشخاص بأنّ رحيل ابو شقرا في الوقت الحالي يعني نهاية الحكمة.
قد يظنّ البعض أنّ هذا المقال هو للتبجيل بأبو شقرا. لكن في الواقع ولمن يناقش بلغةِ العقل نسأل: أيّ مدرّب يتحمّل ان يدفعَ من رصيده ما دفعَه أبو شقرا فنّياً ومعنوياً ومالياً وشخصيا؟ هل مِن جواب!؟ وفي زمن قِلّة الوفاء، كانت مبادرة رائعة من رئيس مجلس أمناء النادي الآدمي ميشال قليموس عندما كرَّم المدرب القدير ابو شقرا.
وحسناً فعلت، إدارة نادي الحكمة الحالية عندما احتضَنت أبو شقرا وقابلت وفاءَه بالمِثل، على عكس الكثير من الإدارات المتعاقبة التي وَقفت ضده. حسناً فعلَ رئيس النادي سامي برباري والأمين العام ميشال خوري وكلّ أعضاء اللجنة الإدارية عندما وقفوا وقفة حقيقية مع المدرّب، فكانت النتيجة مدرّجات تُزلزل تحت أقدام مشجّعي الحكمة وتأهّل رائع رُفعت له كلّ القبعات الى مرحلة الفاينال 4 أمام الشانفيل المدجّج بالنجوم وصاحبِ أكبر ميزانية هذا الموسم. وماذا بعد…
واجَه أبو شقرا كلّ الحملات التي طاوَلته بالسكوت والمزيدِ من العزيمة والإصرار، والأهمّ عدم الإستسلام. واجَه الشتيمة بالمزيد من العمل هنا وهناك، ودائماً الهدف هو مصلحة النادي لا مصلحته هو. قد تكون مصلحته ان ينتقل الى فريق آخر يَفرش له الورود ويؤمّن له راحة البال. ولكنّ نادي الحكمة اكبر من الجميع. يستحقّ الكثير والكثير والكثير…
مَن رأى أبو شقرا بَعد الفوز على الشانفيل في المباراة الخامسة لا يستطيع سوى التعليق: «عشق حتى الثمالة للنادي».
وبانتظار قيامة النادي، بعد دربِ الجلجلة الذي وإنْ شهد أشخاصاً مضلّلين أو ضالّين، لا بدّ للحق أن ينتصر.