كتبت ايفا أبي حيدر في صحيفة “الجمهورية”:
توقّع البنك الدولي في تقرير حديث، ان يتّسع العجز في المالية العامة في لبنان بسبب «غياب إيرادات ضريبية مفاجئة في 2018، واستمرار الزيادة في مدفوعات الفائدة على الدين العام». واعتبر التقرير أن المخاطر الاقتصادية والمالية لا تزال مرتفعة.
توقع البنك الدولي تعافي معدل النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 3.1% في عام 2018، صعوداً من 2% في 2017. جاء ذلك في أحدث إصدار من «تقرير المرصد الاقتصادي» الذي تصدره إدارة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابعة لمجموعة البنك الدولي.
وتوقع التقرير أن تكون الزيادة في معدل النمو على نطاق واسع، وذلك بفضل البيئة الاقتصادية العالمية المؤاتية، بالإضافة إلى استقرار أسعار سوق النفط عند مستوى مرتفع قليلاً، واستئناف أعمال إعادة الإعمار مع انحسار الصراعات.
وتحدث نائب رئيس البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حافظ غانم عن «أسباب تبعث على التفاؤل. لقد حان الوقت للتركيز على خلق المزيد من فرص العمل للشباب. وتُتيح الآفاق الاقتصادية الإيجابية فرصة لتسريع وتيرة الإصلاحات من أجل إطلاق إمكانيات القطاع الخاص كمُحرِّك للنمو وخلْق الوظائف».
على الصعيد المحلي، رأى البنك الدولي ان الآفاق الاقتصادية في الأمد المتوسط لا تزال تتسم بالضعف، كما لا تزال المخاطر الاقتصادية الكلية والمالية مرتفعة. وتدور تنبؤات النمو السنوي حول 2% في الأمد المتوسط. وفي عام 2018، من المتوقع أن يُسجِّل الإنفاق زيادةً مدفوعةً بالانتخابات البرلمانية المقررة في أيار، لكن هذه الزيادة سيبطل أثرها تشديد شروط الإقراض التي فرضها مصرف لبنان (حيث تذهب التقارير إلى أن نسبة الديون المتعثرة زادت زيادة كبيرة بعد إعادة تصنيف أوضاع مديونية العملاء). وعلاوةً على ذلك، من المتوقع مع ارتفاع الواردات أن يظل صافي الصادرات من السلع والخدمات عقبة أمام النمو.
وبالنسبة للمالية العامة، رأى تقرير البنك الدولي انه مع غياب إيرادات ضريبية مفاجئة في 2018، واستمرار الزيادة في مدفوعات الفائدة على الدين العام، من المتوقع أن يتسع عجز المالية العامة إلى نحو 8.3% من إجمالي الناتج المحلي. وعلى صعيد المعاملات الخارجية، من المتوقع أن يُؤثِّر تنامي عجز الميزان التجاري والصعوبة المتزايدة في اجتذاب تدفقات رأس المال الوافدة على وضع احتياطيات النقد الأجنبي.
ولفت الى ان أزمة تشرين الثاني، تؤدِّي مع التحديات المالية على الأمد الطويل، ورفع أسعار فائدة البنك المركزي الأميركي، إلى تشديد ظروف السيولة، حيث زاد متوسط أسعار فائدة الودائع على الليرة اللبنانية والدولار الأميركي بمقدار 850 نقطة أساس و370 نقطة لتصل إلى 6.41% و3.89% على التوالي.
صروع
وعن اعتبار البنك الدولي ان نسبة الديون المتعثرة زادت بنسبة كبيرة بعد إعادة تصنيف أوضاع مديونية العملاء، أوضح المصرفي جو صرّوع ان كل مصرف يعيد تقييم وتصنيف ديونه المتعثرة بغية إعادة النظر فيها انما الكل يتبع المعايير نفسها في هذا المجال لأنها صادرة بتعاميم عن المصرف المركزي. ولا شك ان البنك الدولي اطلع على التقارير المصرفية التي تصدر وتتناول هذا التعثر ضمن بند «الديون المشكوك في تحصيلها» وهي عبارة اما عن حسابات متعثرة، او حسابات مشكوك في تحصيلها. وأوضح ان كل مصرف يخصّص مؤونات مقابل القروض المتعثرة، واصفا هذا التدبير بالاحترازي بامتياز، لأنه يجعل ميزانية المصارف أكثر صلابة ما يزيد الثقة بالقطاع أكثر.
تابع: مقابل كل دين هناك ضمانات، واللافت ان القسم الاكبر من هذه الديون هي عقارية لذلك عندما يضع المصرف مؤونات مقابلها فهو يضع اموالا نقدية تؤخذ من الارباح، وبرأيي هذا التدبير حكيم وجيد. الا ان المشكلة اليوم تكمن في استرداد العقار لأن السوق العقاري جامد، مع العلم ان المركزي سمح للمصارف بأن يحملوا عقارا لمدة 5 سنوات، لكن تمويل العقار يؤخذ من ميزانية المصارف، وكلفة هذا التمويل تتراوح ما بين 5 و5.5 في المئة وهذا ما يعتبر خسارة.
ورداً على سؤال، أشار صروع أنه تاريخيا قلة من المديونين لم يتمكنوا من تسديد ديونهم، اي تعثروا، ومقارنة مع المعايير المصرفية المعتمدة فإن نسبة الديون المتعثرة لا تزال مقبولة، رغم انها زادت في السنوات الاخيرة. وعزا الامر الى التعثر الاقتصادي في البلد، علما ان هناك الكثير من الخطوات تسبق الوصول الى حالة «دين مشكوك في تحصيله»، منها اعادة الهيكلة. وأكد ان مجرد تأمين الاستقرار السياسي والامني تتحسّن الاوضاع الاقتصادية، إذ يجب على السياسيين ان يجدوا طرقا لتنشيط الحياة الاقتصادية، وتفعيل النمو بشكل جدي ومستدام.
اقليميا
على صعيد المنطقة، اشار البنك الدولي الى انه مع تحسّن الأداء الاقتصادي لبلدان مجلس التعاون الخليجي، قد تشهد البلدان المصدرة للنفط ارتفاع معدل النمو إلى 3% في 2018 أي ضعفي مستواه في 2017. ومن المتوقع أيضا أن تشهد البلدان المستوردة للنفط ارتفاع معدل نموها إلى 4% في المتوسط في الفترة من 2018 إلى 2020 بسبب التعافي الملحوظ في مصر وزيادة التحويلات وعائدات السياحة والصادرات.
ولقد شرعت كل بلدان المنطقة تقريباً في تنفيذ إصلاحات كبيرة، وإن كانت بخطى بطيئة، لتخفيض دعم منتجات الطاقة أو إلغائها، وتحديد مصادر جديدة لعائدات غير نفطية، وتوسيع شبكات الأمان الاجتماعي لحماية الفقراء من أي آثار سلبية قد يحدثها هذا التغيير.
في هذا الإطار، قال رئيس الخبراء الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي رباح أرزقي: «بينما ساعدت سياسات الاستقرار اقتصاديات المنطقة على التكيّف مع المتغيرات في السنوات الأخيرة، لا تزال المنطقة بحاجة إلى نمو أسرع بكثير لتتمكن من استيعاب مئات الملايين من الشباب الذين سيدخلون سوق العمل في العقود القادمة».
ورأى التقرير إن انخفاض أسعار النفط والتحوّل العالمي نحو الطاقة المتجددة لتحقيق الأهداف المناخية يتضمن العديد من المخاطر والفرص، مشيراً إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يمكنها الاستفادة من قوة تكنولوجيا الطاقة الشمسية بسبب ارتفاع معدل طاقة أشعة الشمس الساقطة عليها.
ولتحقيق ذلك يجب أن يتم تحويل المخاطر إلى فرص للابتكار واعتماد تكنولوجيات جديدة. وإلى جانب مساعدة المنطقة على التكيف مع الواقع الجديد المتمثل في انخفاض أسعار النفط، فإن الاستفادة من التكنولوجيات الجديدة يمكن أن تكون محركًا جديدًا للنمو والوظائف للمناطق. وسوف يحتاج ذلك إلى التركيز على حوكمة الشركات وتحسين بيئة الأعمال، وإنشاء نظام حوافز جديد على مستوى الشركة يشجع على التفكير الجريء والإبداعي المطلوب للتحول الاقتصادي.
وسوف يتطلب تبني التكنولوجيات الجديدة استثمارات كبيرة في البنية التحتية التي تحتاج إلى المزيد من التمويل الخاص.
ويمكن تحقيق ذلك من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص، والتي استخدمها الأردن، على سبيل المثال، لبناء مطار الملكة علياء، كما استخدمتها مصر أيضاً لجذب استثمارات خاصة كبيرة في قطاع الطاقة لديها. وتتمتع الشراكات بين القطاعين العام والخاص بميزة إضافية تتمثل في الاعتماد على الابتكار والفعالية في القطاع الخاص، وهي خطوة نحو تغيير دور الدولة من المزود الرئيسي للعمالة إلى تمكين نشاط القطاع الخاص.