كتب د. أنطوان الشرتوني في صحيفة “الجمهورية”:
كل يوم نسمع عبر أثير الإذاعات… ونقرأ في الجرائد… ونشاهد على التلفزيون…، أخبار الحروب التي تنتشر في بعض أقطاب عالمنا. من المنطق أن تصرف الدول مالها على تطوير حياة الإنسان والإهتمام بحاجاته… ولكن للأسف، تصرف تلك الدول كلّ أموالها على الحروب وشراء الأسلحة وقتل الإنسان. لذا نتساءل، لماذا الحروب؟ ما فائدتها؟ ما معنى «الحروب النفسية»؟ وكيف يُفسّر التحليل النفسي… الحرب؟
تُسبّب الحرب الكثير من الاضطرابات والأمراض الجسدية والنفسية على حدّ سواء. من الأمراض الجسدية أمراض القلب… ومن الإضطرابات النفسية: القلق والخوف والإكتئاب… ويمكن أن تتحوّل هذه الإضطرابات النفسية التي لا يحبّ المريض أن يتكلم عنها، إلى أمراض جسدية تصيب كلّ الفئات العمرية. تبدأ هذه الاضطرابات في الظهور قبل نشوب الحرب، نتيجةً للتوتّر والقلق.
وطبعاً، لوسائل الإعلام دورٌ بارز في نشر القلق والتوتّر بين جميع أفراد الشعب العدو، وتُسمّى هذه الحرب «الأولية» بالحرب النفسية. هذه الحرب هي نوع من أنواع الدعايات للتأثير على ثقة العدو أو الشعب الخصم.
ما معنى «الحرب»؟
تعني كلمة حرب، الصدام بين مجموعة من الأشخاص يتّبعون سياسة معيّنة، ضد مجموعة أخرى تتّبع سياسة أخرى (ربما مناقضة للأولى). ويمكن أن تُعلن الحرب بين دولتين أو أكثر بسبب مشكلات متعدّدة لا يمكن حصرها، كالحروب بسبب الخلافات الايديولوجية… كما هناك أنواع أخرى من الحروب تُعرف بالحروب الإقتصادية حيث تمارس دولةٌ ضغطاً على الحركة الإقتصادية والمالية لدولةٍ معادية لها… وغيرها من أنواع الحروب التي يمكن أن تؤدّي جميعها إلى خراب شامل في الدولتين أو الدول المشاركة في النزاع القائم.
تاريخُ الحروب
مرّت الحروب بعدّة مستويات. الحروب بين الحيوانات، والتي ما زالت موجودة. الحروب البدائية التي كانت تقام ما بين الإنسان البدائي وأخيه وتتمثل باستعمال العصي ورمي الحجارة بهدف سرقة الماشية… وطبعاً، هذا النوع من الحروب ما زال موجوداً ولكن بمستوى أشمل مع أسلحة فتّاكة أكثر.
ثم بعد تكوين الأمم والدول، أصبح لكل دولة جيشٌ يحمي أراضيها واقتصادها وسياستها ودينها… واندلعت حروب أهمها، الحربان العالميتان الأولى والثانية، وتمركزت أسبابهما حول التوسيع الجغرافي والهيمنة الإقتصادية والسياسية.
أمراض واضطرابات نفسيّة خلال الحرب
كثيرة هي الإضطرابات النفسية التي تظهر قبل أو خلال أو بعد الحرب ومن هذه الأمراض:
-القلق حيث تسيطر على الشخص مشاعر الخوف والاكتئاب والعجز.
-عصاب الحرب وهي الضغوط النفسية التي يعيشها الإنسان تحت ضغوط الحرب.
-الهستيريا، وترافقها الشكوى الجسدية بدون علّة طبّية محدّدة.
-الاكتئاب، وهو أشهر من أن يُعرّف. يؤثر تأثيراً مباشراً في حياة الإنسان العقلية والجسدية.
-الفوبيا أو الخوف الشديد، دون أن يكون له ما يبرّره.
كما تظهر أمراض نفسية، كالفصام والبارانويا وغيرهما تستدعي التدخّل الطبّي السريع من خلال دخول المستشفى وتناول الدواء ومتابعة علاج نفسي.
إلى ذلك، تبرز في الحرب، الأمراض السيكوسوماتية (النفس-جسدية) ومنها أمراض الجهاز الهضمي كالقرحة واضطرابات الإخراج وفقدان الشهية العصبي… وأمراض القلب حيث تطرأ جميع أمراض الأوعية الدموية للقلب بسبّب التوتر الزائذ. ولأمراض الجهاز التنفسي حصّة أيضاً، ومنها الربو والسلّ الرئوي…
… وماذا عن الحرب النفسية؟
في معظم الحروب، تستعمل الدول جيشها لمحاربة العدو. ولكنّ هناك أنواعاً من الحروب لا يتدخل فيها الجيش أبداً وهي الحروب النفسية. الحرب النفسية هي من أنواع الحروب التي توقظ عند الإنسان القلق المستمرّ والضغط النفسي والتدهور المعنوي… هذا ما يؤكده علماء النفس جميعاً والمحلّلون النفسيون.
على سبيل المثال: فرويد وفروم وألكسندر… إعتبروا بأنّ الحرب لا تولد سوى الإحباط، ما يؤدّي إلى شعورٍ دائم بالقلق وعدم الثبات. فكم من الأشخاص شعروا بالخوف والقلق وعدم التوازن النفسي، بعد إعلان خبر حرب بين بلد وآخر، وحتّى عند مشاهدتهم لصور حروب في العالم.
إنّ مصطلح «الحرب النفسية» حديث وتمّ استعمالُه بعد الحرب العالمية الأولى، ولكنّ الكثير من الحروب القديمة، مثلاً عند الإغريق والرومان، تخلّلها خداع ونشر إشاعات وعُرفت بـ «الحروب النفسية» للإيقاع بالعدو. عادةً تتكوّن الحروب النفسية من الدعايات والإشاعات والأكاذيب وهدفها زعزعة ثقة العدوّ بنفسه، وبثّ اليأس والخوف والقلق في صفوف الجنود وانتشار الذعر بينهم، وتحطيم عنفوان الشعب فيضطرب سلوكه وصولاً إلى مرحلة الهذيان. وكم من المقاتلين والشعوب ظهرت عندهم إضطراباتٌ نفسية بعد إشاعاتٍ عن حربٍ مرتقبة.
خطورةُ الحرب النفسيّة
تُعتبر الحرب النفسية مؤذيةً كالحرب التي تُشنّ بين بلدين أو أكثر. ومن أهم نقاط خطورتها:
– تستهدف الحرب النفسية كل فرد من أفراد المجتمع وليس فقط الجنود الذين يدافعون عن الوطن.
-تغيّر “شخصية الأمة” إلى شخصية قلقة ومتوتّرة طول الوقت.
-“العصاب الجماعي” الذي من شأنه نشر الخوف والتشكيك عند الشعب. هو ينتشر كالمرض المعدي بين جميع أفراد المجتمع مهما كانت طبقتهم الإجتماعية.
-“غسل الدماغ” وهو تفسير آخر للحرب النفسية، هدفه تخريب العقول والنفوس. كما يغيّر هذا «الغسيل» فكر وتوجّهات ومبادئ وقيَم الإنسان ويستبدلها بالنقيض.
-ومن خطورة “الحرب الباردة” أيضاً، أنها تلعب بأعصاب الشعب من خلال الإعلانات التي تخدم بشكلٍ كلّي «الحرب النفسية» التي يقودها العدو.