Site icon IMLebanon

إقتراع المغتربين: قلَق على الشفافية

كتب ناصر شرارة في صحيفة “الجمهورية”:

لم يقنع فحوى المؤتمر الصحافي المشترك لوزيرَي الخارجية والداخلية جبران باسيل ونهاد المشنوق وزيرَ المال علي حسن خليل. وردّ الأخير على قول باسيل إنّ وزارة الداخلية هي المسؤول الأول والأخير عن عمليةِ انتخاباتِ المغتربين وأنّ وزارته تنسّق فقط في هذا المجال، بأنه «لم يسمع ما جاء المؤتمر»، ثمّ علّق باسيل أنّ «سَمَعَه ـ اي خليل- خفيف».

لم يعد خافياً أنّ الحرب على استقطاب فضاء الإغتراب اللبناني بين «التيار الوطني الحر» وحركة «أمل» ليست جديدة، ولكنها مع إقرار قانون الإنتخاب الجديد حقَّ اقتراع المغتربين وتمثيلهم بستة نواب في دورة 2022، زادت حدّته.

في الأساس، فإنه طوال الاعوام الماضية التي تزامنت مع تولّي باسيل وزارة الخارجية، أصبحت الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم (أبرزَ إطارٍ مركزيّ للمغرتبين) مسرح اشتباك سياسي على استقطاب أجوائها بين «التيار الوطني الحر» ممثَّلاً شخصيّاً بباسيل، وبين حركة «أمل» ومن ورائها الرئيس نبيه بري.

وحالياً تعاني الجامعة الثقافية من تشظّيها الى ثلاثة أجزاء، واحد برئاسة رمزي حيدر وثيق الصلة ببرّي، وآخر لـ»القوات اللبنانية» نفوذٌ عليه، وثالثٌ يتمثّل بتجمّع يجري حواراً مع حيدر. وبذل بري جهداً لتوحيد الجامعة، ولكنّ مصادرَ الاغتراب في حركة «أمل» تقول إنّ دور باسيل لم يكن مفيداً في هذا الاتّجاه، بل حاول طوال الفترة الماضية إنشاءَ إطار موازٍ للجامعة الثقافية تحت عنوان مؤتمرات «الطاقة الاغترابية».

بري بحسب قريبين منه، يعتبر أنّ ملف وحدة الاغتراب اللبناني تابعَه بعناية منذ أن أصبح رئيساً لمجلس النواب، وهو شديد الحساسية من أيِّ جهد يدخل على خطّ الاستثمار في فضاء الاغتراب يؤدّي لنقل النزاعات الداخلية في البلد اليه. وفي خطابه الأخير المتلفَز الذي وجّهه الى تجمّعاتٍ للمغتربين نظّمتها حركة «أمل» في ابيدجان وبرلين، ضمّن بري كلامه اليهم انتقاداتٍ لمَن سمّاهم بـ «صاغة التطييف للاغتراب»، ودعاهم الى الاقتراع وعدم الخوف.

والعبارة الأخيرة لفتت نظرَ متابعي هذا الملف، واعتبرت أنّ بري يغمز بها من قناة ضغوط نفسيّة وسياسية تمارَس على المغتربين ليصبحوا جالياتِ وزير الخارجية باسيل. والأخير في مؤتمره المشترَك مع المشنوق أوّل مِن أمس، قال إنه يرفض اتّهامَه بأنه يستغلّ موقعَه الحكومي في الفضاء الاغترابي الانتخابي وغيرالانتخابي.

تاريخياً، هناك لدى حركة «أمل» وجود وحيوية كبيرة بين الجاليات اللبنانية في عدد من دول انتشارهم وخصوصاً في أفريقيا (ابيدجان) والولايات المتحدة الأميركية (ميشيغن) والمانيا (برلين).

وليست كل علاقات «أمل» في هذه الساحات تقوم على صلةٍ تنظيميّة أومحصورة تحديداً بالجاليات الشيعية، بل هناك في داخلها أيضاً رصيد من العلاقات التي ترتبط ببرّي كأحد العاملين على خطّ توحيد الجامعة الثقافية. كان المدير العام السابق لوزارة المغتربين هيثم جمعة، يترجم من خلال موقعه في الوزارة وحركة «أمل»، جزءاً مهمّاً من حيويات علاقة عين التينة بالفضاء الاغترابي اللبناني. وأيضاً ثمّة أكثر من نادٍ ثقافيّ لبنانيّ، عابرةٌ العضوية فيه للطوائف، وذي صلة ببرّي ينشط في هذا المجال (كالحركة الثقافية في لبنان التي يشغل رمزي حيدر عضوية هيئتها الإدارية).

بعد وصول باسيل الى وزارة الخارجية، تراكمت مآخذُ بري عليه وذلك انطلاقاً من نقطيتن بحسب قريبين من عين التينة:

ـ اولاً أنه يستغلّ موقعَه الحكومي لأخذ فعاليات الاغتراب الى بناء إطارٍ موازٍ للجامعة الثقافية في العالم (الطاقة الاغترابية)، لبلورةِ نفوذٍ له عليه، وذلك بدلاً من إصلاح الوضع في الجامعة.

ثانياً، سعيه في مناسبة الانتخابات الى تزخيم رصيده الانتخابي بين المغتربين.

وجديد احتدام المواجهة بين عين التينة وباسيل حول عدد من عناوين ملف المغتربين وطرق التعاطي الأنسب معها، أضيف اليه حالياً عنوانٌ جديد، أنضمّت المختارة وبنشعي فيه الى بري، وهو التشكيك بسلامة عملية اقتراع الناخبين المغتربين الذين سجّلوا أسماءَهم للانتخاب، والغمز من قناة دور وزارة الخارجية فيها على حساب دور وزارة الداخلية المفترَض أنها المعنية حكومياً بهذا الملف.

وفي معلومات لـ«الجمهورية» أنّ الانتقادات التي تصدر في هذا الصدد، تنقسم الى نوعين: الأوّل هو قلق على شفافية العملية خصوصاً لجهة الشقّ المتعلّق بعدم إرسال الداخلية مندوبين الى أقلام الاقتراع في السفارات وترك هذا الأمر للجهة غير المختصة وزارة الخارجية. والثاني هو ما إذا كانت هناك «عفاريت» سترافق صناديق الاقتراع المنقولة جوّاً الى لبنان!!؟

والنوع الثاني سياسي وذو طابع شبه أمني، وهو بعيد من التداول الإعلامي، ويتّصل بوجود خشية من الطريقة التي سيجرى فيها فرزُ صناديق اقتراع المغتربين في لبنان. فعملياً ستتسلّم وزارة الخارجية هذه الصناديق في مطار بيروت وستُنقل بمواكبة أمنية الى مصرف لبنان المركزي. ولكنّ السؤال الذي لم يُحسم بعد، هو هل سيتمّ فرزُ هذه الصناديق بنحوٍ مستقلّ عن مجمل صناديق المقترعين في لبنان؟.

الثنائي الشيعي يرفض هذه الآلية لفرز أصوات المغتربين، ويرغب في أن تتمّ عملياتُ فرز صناديق اقتراعهم ضمن كل عملية فرز الأصوات في لبنان، حتى يصبحَ من غير الممكن معرفة كيف صوّت المغترب اللبناني. والهدف من ذلك هو رغبة «حزب الله» بعدم كشف طريقة تصويت المغتربين له في الخارج، وعدم إتاحة المجال أمام سلطات الدول التي تشنّ عليه حرباً ناعمة وعقوباتٍ مالية، معرفة مَن هم اللبنانيون المغتربون المقيمون لديها الذين منحوا صوتهم التفضيلي لمرشحي الحزب.

وأقلّه لا يرغب الحزب بإطلاع سلطات بعض الدول التي سينتخب فيها المغتربون على معلومة مجانية عن التوجّهات الانتخابية والسياسية للمقيمين اللبنانيين فيها، وذلك خشية من أن يعقب ذلك إقدامُ هذه السلطات على مساءلات لقاعدته الاجتماعية في تلك الدول.