كتبت بروفسور غريتا صعب في صحيفة “الجمهورية”:
في سيناريو محتمل، وفي حال نفذت الولايات المتحدة مشروع فرض ضريبة ١٠ بالمئة على الواردات، قد يؤدي الامر، حسب بلومبرغ، الى تراجع في الاقتصاد العالمي بنسبة ٠.٥ بالمائة في العام.
هذا السيناريو لم يعد مستحيلا، مع تفاقم الأوضاع بين أكبر أقتصادين في العالم، الولايات المتحدة والصين، وهذا الأمر قد ينسحب على اوروبا وغيرها من الدول سيما وان التجارة العالمية هي بمثابة محرك للنمو العالمي والازدهار واداة لتحسين مستوى المعيشة. هذا الامر طبيعي سيما وان تخفيف القيود على الصادرات والواردات معًا يؤدي حتمًا الى زيادة الاختيار وانخفاض الاسعار في جميع انحاء العالم. كذلك يساهم في رفع مستوى الدخل الحقيقي.
لذلك قد تكون سياسة الحماية مضرّة وتهدد الانتعاش العالمي حسب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية. الأمر الأكيد ان ذلك قد يشكل خطرًا على الدول الكبرى والصغرى معًا، ويؤدي الى تكرار المآسي التي أعقبت الكساد العظيم والحرب العالمية الثانية عندما أعاق انتشار سياسة الحماية الانتعاش العالمي.
الحرب التجارية التي يقودها ترامب قد تكلّف الاقتصاد العالمي حوالي ٤٧٠ مليار دولار حسب Bloombery Economics مع ما يترتب على ذلك من ردود فعل عالمية وانذار بمزيد من الضرائب والضرائب المضادة، وضربة قاضية على المدى الطويل للناتج المحلي العالمي مع تقليل المنافسة التجارية والتي تحول دون تبادل التكنولوجيا والافكار، وتؤدي فيما تؤديه الى تقليل الانتاجية والنمو المستدام للاقتصاد العالمي.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن من هو الرابح والخاسر في حرب تجارية بين الصين والولايات المتحدة وما هي فرضية ان تصبح العديد من الدول متورطة في هذا النزاع؟
في ترددات الحروب التجارية، ان أحدا لا يفوز في هكذا حروب ويبقى اثرها على الاقتصادات والقطاعات متفاوتة وقد تكون في بعض الاحيان ايجابية.
حسب المحللين، قد تكون الاقتصادات الاسيوية هي الأكثر تأثرًا في هذا النزاع، سيما كوريا الجنوبية وتايوان وڤيتنام وماليزيا والتي تبيع قطع غيار ومعدات الاتصالات للصين وبدورها ترسلها الى اميركا. كذلك اليابان التي صدّرت بمقدار ٧٠٠ مليار دولار السنة الماضية واهم شركائها التجاريين كانوا الولايات المتحدة والصين- والمهم في الامر ان النزعة الحمائية التي يتبعها ترامب قد تؤدي الى جولة ثانية من العقوبات والتي قد تستهدف على وجه التحديد اوروبا مع ما يتأتى عنها من امور قد تكون بالغة الاهمية لاقتصاد المجموعة الاوروبية بما جعل المستثمرين يتساءلون حول ما اذا كان تفاقم التباطؤ الاقتصادي بسبب التوترات التجارية العالمية قد يؤخر في سياسة المركزي الاوروبي وتوقيت خروجه من سياسته التحفيزية التي تهدف الى تعزيز النمو وتسريع التضخم في منطقة اليورو.
و فق Coeur عضو مجلس ادارة المركزي الاوروبي انعكاس الحرب التجارية على التضخم لن يصبح واضحا الا في المدى الطويل، لكنه اضاف ان تصاعد هذه التوترات والاجراءات الانتقامية بين الولايات المتحدة وشركائها يضر بالمقترضين والمستثمرين في آن. مع العلم ان الفوارق كبيرة بين المسؤولين الاميركيين الذين يدافعون عن سياسة ترامب تجاه الصين ويضعون اللوم على الصين في هذه الحرب التجارية ويعتبرون أن الصين تمكنت ولفترات طويلة في التهرب من المشكلة القائمة لذلك نرى ان الصين تسعى الى الحصول على تأييد الاتحاد الاوروبي الذي يتقاسم مع الصين المخاوف الحمائية ويشارك اميركا اعتراضاتها على الممارسات التجارية مع الصين.
حسب مينغ، رئيس بعثة الصين لدى الاتحاد الاوروبي، يجب على الصين واوروبا ان يتخذا موقفًا واضحًا ضد الحمائية والحفاظ على قواعد مشتركة على اساس النظام التجاري المتعدد الاطراف الامر الذي يجعل الاقتصاد العالمي والنمو فيه مستدام. وحسبه ايضًا انها مسؤولية مشتركة بين الصين والاتحاد الاوروبي و علينا ان نعمل معًا لتحقيق ذلك.
لكن، وعلى ما يبدو، رفض الاتحاد الاوروبي الرد مباشرة على دعوة المبعوث الصيني مصرًا على ان النزاعات التجارية يجب ان تُحل في منظمة التجارة الدولية وضمن هيئة فض النزاعات التجارية ومقرها جنيف. والأمر الذي يزيد الامور تعقيدًا هو ان القادة الاوروبيين يتوافقون بالرأي مع ترامب في شأن الصين ودورها في التجارة العالمية، سيما في ما يتعلق بالوصول الى الاسواق للشركات الاوروبية واحترام حقوق الملكية الفكرية.
وللعلم، الصين تحتل المرتبة ٨٤ عالميًا خلف السعودية واوكرانيا في مؤشر سهولة ممارسة الاعمال (التابعة للبنك الدولي) للعام ٢٠١٦ وفي موقع لا تحسد عليه في اخر تقرير صادر عن منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي بشأن التقيد تجاه الاستثمار الاجنبي.
يبدو الامر معقدًا نسبيًا، وبينما تسعى اوروبا الى عدم المواجهة مع الصين والاحتكام لمنظمة التجارة العالمية، فإن اللهجة القائمة بين واشنطن و Beijing هزّت الاسواق المالية التي بدت مضطربة الامر الذي يزيد قلق المستثمرين ويشل حركة الاسواق ويزيد من التأزم بين دول العالم ويزيد القلق حول الاقتصادات ونموها ويؤثر تأثيرًا مباشرًا على عدم المساواة، ويؤدي الى تراجع المداخيل الحقيقية.
العديد من خبراء التجارة يعتقدون ان العجز ليس قيمة خاصة لتقييم ما اذا كانت العلاقات التجارية عادلة. وفي السنوات الاخيرة، اتخذ الاتحاد الاوروبي تدابير حمائية لصناعة الصلب وتاريخ العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي شهدت هكذا مشاحنات. لذلك، فان الامور ليست خطيرة كما تبدو الصورة.
وقد يكون لمنظمة التجارة العالمية دورًا في هذه المبارزة لأنه وفي النهاية الامور قد تتعقد بشكل يجعل كل طرف من الاطراف المعنية عرضة لتدابير حمائية تضر بالاقتصاد العالمي وتجعل من العولمة ومنافعها في دائرة الشكوك. وترامب يعلم علم اليقين ان سياسته قد تخطئ الهدف ولا مجال للمناورات كثيرًا، خصوصا ان الحروب التجارية ليست بالجيدة ولا هي سهلة الفوز.