كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: خرقتْ زيارة قائد القيادة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال جوزف فوتيل لبيروت المَشهد اللبناني المشدود إلى الانتخابات النيابية التي ستجري في 6 ايار المقبل، والتي تتزامن مع أوضاع إقليمية محكومة بسباقٍ محموم بين اللاعبين الكبار على إرساء قواعد اشتباك جديدة في المنطقة، وبترقُّبٍ ثقيل لاحتمال انزلاق إسرائيل وإيران إلى مواجهة «وجهاً لوجه» في سورية يُخشى أن يجد لبنان نفسه في قلْبها.
ورغم أن زيارة فوتيل لبيروت، أمس، ليست الأولى، إلا أنها اكتسبت هذه المرة دلالات سياسية لكونها جاءت بعد أقل من أسبوع على الضربة العسكرية التي وجّهتْها الولايات المتحدة مع بريطانيا وفرنسا للبنى التحتية الكيماوية في سورية، والتي شكّلتْ نقطة تحوّل بمسار الحرب فيها وتوازناتها، أعلنتْ معه دول الحلف الثلاثي «نحن هنا» في الميدان وعلى «جبهة» الحلّ السياسي.
وفيما وُضعت الزيارة في إطار مواصلة الدعم العسكري الأميركي للجيش اللبناني، فإن لقاءات فوتيل مع كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري وقائد الجيش العماد جوزف عون، إضافة إلى مشاركته في المناورة العسكرية بالأسلحة التي قدمتْها الولايات المتحدة للجيش ومن بينها مروحيات سوبر توكانو ودبابات «برادلي»، عكستْ العلاقة الراسخة بين لبنان الرسمي وواشنطن من فوق «الفوهات» السياسية التي يشنّ «حزب الله» من خلالها حملات شعواء على الإدارة الأميركية وصولاً إلى «اصطدامه» في أكثر من ساحة مع أدوارها في المنطقة من ضمن وضعيّته كالذراع الأبرز لإيران ومشروعها التوسعي.
وبهذا المعنى، فإن لبنان الذي غالباً ما يعبّر عواصم القرار عن الخشية من أن يسقط بالكامل تحت «التأثير الإيراني»، يحاول عبر سلطاته الرسمية تكريس تموْضعه تحت المظلّة الدولية التي توفّر له «شبكة أمان» ديبلوماسية ومالية واقتصادية وعسكرية تجلّت أخيراً في مؤتمرات الدعم، من روما إلى باريس وصولاً إلى بروكسيل الأربعاء المقبل.
وقد شكّل لقاء الرئيس عون مع فوتيل مناسبة لعرض التعاون القائم بين الجيشين اللبناني والأميركي والمساعدات التي قدّمتها الولايات المتحدة للمؤسسات الأمنية اللبنانية ولا سيّما الجيش.
وخلال اللقاء، شكر عون الجنرال فوتيل على دور بلاده في مؤتمر «روما 2»، الذي خصّص لدعم الجيش والقوى الأمنية اللبنانية، مشيراً إلى «أن إسرائيل لا تزال تواصل انتهاكاتها البرية والبحرية، لا سيّما على طول الحدود الجنوبية».
ولفت إلى «أنّ الاتصالات ستُستأنف عبر اللجنة الثلاثية العسكرية في النصف الأول من الشهر المقبل لإنهاء التعديات الإسرائيلية على الحدود الدولية للبنان»، مكرراً «أن لبنان لن يكون بلداً معتدياً لكنّه يرفض أيّ اعتداء على أراضيه».
وكان فوتيل نقل إلى الرئيس اللبناني في مستهل اللقاء، تحيّات وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، ثم قدّم عرضاً للأوضاع العسكرية الراهنة في المنطقة، مجدداً دعم بلاده للجيش والقوى المسّلحة اللبنانية وضرورة تعزيز التعاون القائم بين الطرفين.
في موازاة ذلك، وفيما شكّل وضْع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، أمس، الحجر الأساس لكنيسة مار شربل في الدوحة، وهي الكنيسة المارونية الأولى في دول الخليج، حدَثاً بارزاً، فإن الانتخابات النيابية العامة التي لم يعد يفصل لبنان عنها سوى 15 يوماً والتي تبدأ أولى جولاتها في الجمعة المقبل مع اقتراع المغتربين في أماكن وجودهم في الخارج بمصر ودول الخليج، وبعد يومين في بقية الدول، سجّلت، أمس، «حماوة زائدة» يُنتظر أن تتصاعد في «الأمتار الأخيرة» من السباق إلى برلمان 2018.
وفيما تركّزتْ «الهبات الساخنة» في الدوائر التي ستشهد معارك ذات طبيعة سياسية مثل بيروت الأولى (ذات الغالبية المسيحية) وبيروت الثانية (حيث يترشّح الحريري) وطرابلس – المنية – الضنية وبعلبك – الهرمل والمتن الشمالي، جاءت استقالة عضو هيئة الإشراف على الانتخابات سيلفانا اللقيس، التي قالت إنها قدمتها كي «لا أكون شاهدة زور على عجز الهيئة عن أداء مهماتها»، لتؤشر إلى ازدياد الخشية من مظاهر تشوّه استحقاق 6 مايو، ويكثر الحديث عنها مثل شراء الأصوات التفضيلية و«فتْح المجال الجوي» لناخبين في الخارج يتم إغراؤهم بـ«السياحة الانتخابية».
وإذ واصل الحريري، أمس، إطلالاته التعبوية الجوّالة وهذه المرّة من محلة الطريق الجديدة في بيروت، على أن يحلّ اليوم على البقاع في سياق استنهاض الناخبين لمعركة بعلبك – الهرمل بوجه لائحة «حزب الله»، ويزور غداً بلدة عرسال «الخزّان» الشعبي لـ «المستقبل» في البقاع الشمالي، فإن جولته في إقليم الخروب (الشوف) أول من أمس، تركتْ «ندوباً» واضحة في علاقة «الطالع نازِل» بينه وبين حليفه الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط الذي قاطَع محطات زعيم «المستقبل» في المنطقة ربْطاً بـ «تراكمات» في إدارة المعركة الانتخابية في أكثر من دائرة، و«تَحسُّس» جنبلاط محاولة لمحاصرته في مرحلة ما بعد الانتخابات.
ورغم محاولة الحريري في برجا التخفيف من وطأة التباين مع جنبلاط «نحن ووليد بك و(نجله) تيمور سنكمل المشوار معاً، وبالتأكيد ستبقى هناك زكزكات، ولكن وليد بيك بيمون»، فإن الزعيم الدرزي ظهّر جوهر الخلاف معلناً «لقد دعاني (الحريري) للمشاركة في لقاءات الإقليم، لكنّني اعتذرت لأنّني لمستُ أنّ مضمون الدعوة يَحمل طابعاً فئوياً وتفضيلياً، يُستنتجُ منه أنّ الاحتفال هو لتيار المستقبل فقط، وكأنّ المطلوب أن نكونَ ملحَقين به أو ضيوفاً عليه، وهذا الأمر لا يمكن أن نقبلَ به».