كتبت كلير شكر في صحيفة “الجمهورية”:
حتى «الحزب السوري القومي الاجتماعي» لم يتمكّن من مقاومة «مطحنة» المنظومة اللبنانية التي التهمت النظام النسبي ولفظته نظامَ صوتٍ واحدٍ مذهبيّ. اختار الذوبان في الخصوصيات المناطقية ولو كلفه التحالف مع حزب في دائرة ومخاصمته في دائرة أخرى، طالما أن «الجمهور عايز كِده»، أو مصالح قيادة الحزب تفرض «كِده».
الأكيد أن الحزب لم يرتكب كغيره «معصية» التحالف مع قوى سياسية لا يتوافق معها في الاستراتيجيا، ولو أنه يجاورها في الحكومة، لكنه لم يجروء على القيام بخطوة «انفصامية» من هذا القبيل، لربما لإدراكه أن جمهوره لن يتقبّل «خطيئة مميتة» من هذا العيار، فاستظل سقف خياراته السياسية موسّعاً مروحة تفاهماته الى أبعد حدود.
لكنّ المفارقة الأكثر ارباكاً هي في جدلية العلاقة مع «التيار الوطني الحر» الذي حالفه في دائرتين، وخاصمه في بقية الدوائر. أكثر من ذلك، قاد العونيون معركة «حياة أو موت» ضدّ الرئيس السابق لـ«الحزب السوري القومي الاجتماعي» أسعد حردان في مسقط رأسه، ومع ذلك لم يمانع القوميون من غض النظر عن هذه الخصومة في دوائر الالتقاء.
فجاءت الصورة على الشكل الآتي:
– في عكار، لم يقاوم الحزب رغبة الأرضية بمخاصمة «المستقبل»، لكنه في المقابل غلّب التفاهم مع تيار «المردة» وقوى الثامن من آذار على خيار التحالف مع «التيار الوطني الحر».
*في الكورة كذلك الأمر، اصطف القوميون الى جانب الوزير السابق سليمان فرنجية في تفاهم منسجم مع «الأرضية القوميّة» فيما اكتفى العونيون بالتفاهم مع تيار «المستقبل».
*في المتن الشمالي حيث يحرص الحزب على الإمساك ببلوكه الحزبي وعدم التفريط به لمصلحة «الطارئين» و«الطامحين» ومحازبي «الغفلة»… أصرّ على عدم التفريط بلائحة «التيار الوطني الحر» رغم «تخمتها» بالوجوه «القومية» و«مضاربتهم» لمرشح الحزب.
*كذلك فعل في الشوف حيث حاك تفاهماً مع «التيار الوطني الحر» و»الحزب الديموقراطي اللبناني».
*في بعلبك الهرمل حيث كان مرشحه الكاثوليكي، أي الوزير السابق ألبير منصور، سبباً للخصومة الانتخابية بين «التيار الوطني الحر» و»حزب الله»، احتفظ بمكانته على لائحة الثنائي الشيعي ليخوض مواجهة ضدّ اللوائح الأخرى وبينها اللائحة البرتقالية.
*أما في مرجعيون فلم يغادر الحزب القومي «أحضان» الثنائي الشيعي لتكون المواجهة الكبرى ضدّ «التيار الوطني الحر» المتحالف مع «المستقبل».
هنا قمّة التناقض. فبينما يخوض الحزب معارك مشتركة مع العونيين في دائرتين اثنتين، احداهما قد تحتاج الى كل «نقطة» صوت تفضيلي لكي تسمح للنائب السابق غسان الأشقر بالعودة الى ساحة النجمة، اضطر حردان الى مواجهة أقسى معاركه النيابية ضدّ «ذوي القربى» السياسية.
وفق القوميين، المشهدية غير مثيرة للريبة أو للإحباط. يقرّون بأنّ النظام النسبي في قانون الانتخابات هو عنوان استقطاب لا أكثر يهدف الى إلهاء الناس عن الجوهر وقد تحوّلت الممارسة مذهبية على الطريقة «الأرثوذكسية»، فيما النتائج متطابقة لما كانت تفرزه صناديق «الأكثري».
يعترفون بغياب البرنامج السياسي ويشيرون إلى أن «ديناصورات» المال اجتاحت اللوائح، كل اللوائح، لكي يعوّضوا افتقاد المعركة النكهة السياسية، فصار الاتكال على «الدولارات» لشدّ العصب، لا على الاصطفاف الحزبي أو السياسي، كذلك يشتكون من غياب الخطاب الموحّد للوائح التي تحولت محادل تناقضات لا أكثر، سينتهي مفعولها مع اقفال صناديق الاقتراع لتعود من بعدها «كل عنزة الى كرعوبها».
وقد اضطر الحزب القومي الإلتزام بقواعد القانون «العرجاء» من دون أن يخون قناعاته السياسية. فحاول محاكاة مناخ جمهوره في كل منطقة والتناغم معه، لذلك كانت سلة تحالفات متناقضة وفقاً لخصوصية كل دائرة.
عملياً، تطرح هذه الاشكالية سؤالاً أساسياً حول مدى تقبّل الجمهور القومي لهذه التحالفات ونقيضها، وما إذا كات ستؤدي الى انكفاء بعض الشرائح عن التوجه الى صناديق الاقتراع خصوصاً وأنّ القواعد القومية عقائدية التكوين تتأثر حكماً بالخيارات السياسية قبل غيرها… والأهم من كل ذلك: كيف سيصار إلى اقناع عونيي المتن بالاقتراع للائحة فريق يقود معركة اقصاء رئيس الحزب؟
وفق أحد المطلعين على الشأن الانتخابي، فإنّ الملتزمين حزبياً يقترعون عادة بناء على تحالفات القيادة خصوصاً مع «قانون الصوت التفضيلي» يصير التركيز على المرشح بمعزل عن اللائحة التي ينتمي إليها. أما في حالة المناصرين فلا شكّ في أنّ الغرق في متاهة «بلاهة» الانتخابات التي تفتقد النكهة السياسية، قد يرفع من حالة الإنكفاء من جانب بعض المناصرين الذي يشعرون أنهم غير معنيين بالمعركة.