Site icon IMLebanon

إرسلان وريث بيت درزي يحاول الهرب من القالب

كتب صلاح تتقي الدين في صحيفة “العرب” اللندنية :

حديث الأوساط المطلعة طيلة اليومين الماضيين في بيروت، يدور حول إدراك رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري لما سَبّبته جولته الأخيرة في حاصبيا، من حساسية وانزعاج لدى الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، لذلك سارع الحريري إلى إرسال إشارات إلى دارة جنبلاط في كليمنصو مفادها أنّ العلاقة مع  الأمير طلال أرسلان ليست على حساب العلاقة مع جنبلاط حتما، وانّ هناك حسابات واعتبارات معينة استوجَبت انفتاحه الانتخابي والسياسي على رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني.

وفي ظل القانون الانتخابي النسبي الجديد الذي ستجري على أساسه الانتخابات النيابية اللبنانية في السادس من مايو المقبل، كان من الطبيعي أن تعلوا، أصوات المرشحين من القوى السياسية المختلفة، لحشد الأصوات وتأمين سبل الفوز للدخول إلى “جنة” ساحة النجمة.

غير أن من بين تلك الأصوات التي اتخذت شعار “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، برز بشكل واضح صوت أرسلان الذي يمثل أحد طرفي قيادة طائفة الموحدين الدروز في لبنان، لكن بطريقة لم يعهدها الدروز من قبل، خصوصا أنه أطلق سهامه بطريقة غير متوقعة تجاه النائب وليد جنبلاط الذي يقول القريبون والبعيدون أنه “صاحب الفضل” بوصول أرسلان إلى الندوة النيابية في الأصل.

كثيرون في لبنان يعتبرون أن جنبلاط لو أراد إقفال بيت أرسلان ومنع الأمير طلال من متابعة حياته السياسية، لكان فعل ذلك منذ العام 2005 حين لقّنه درسا بترشيح محافظ الجنوب السابق فيصل الصايغ إلى جانب النائب أكرم شهيب في عاليه، فخسر مقعده النيابي ودفعه إلى البقاء داخل أسوار قصره في خلدة أربع سنوات.

غير أن الظروف التي كانت سائدة في العام 2005 تغيّرت بعد الحرب الإسرائيلية ضد “حزب الله” في العام 2006، ثم لاحقا اعتداءات الحزب في 8 و11 مايو ضد مناطق بيروت والجبل، فكان مؤتمر الدوحة الذي نتج عنه الاتفاق الشهير الذي أتى بالرئيس العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية، والاتفاق على قانون الانتخابات الذي قبل جنبلاط بإفساح المجال من خلاله لأرسلان بالعودة إلى المجلس النيابي، وذلك من خلال ترك مقعد شاغر على لائحته في قضاء عاليه فاز من خلاله بمقعده الذي يتحضّر للمنافسة على الاحتفاظ به في الانتخابات الحالية.

ولد أرسلان في العام 1965، والده الزعيم الدرزي الراحل الأمير مجيد أرسلان الذي شكّل مع الزعيم الراحل كمال جنبلاط ثنائية تحكّمت بمفاصل الحياة السياسية لطائفة الموحدين الدروز منذ العام 1943، فكان الرجلان يتقاسمان كل شيء يتعلّق بالدروز، إذ كانا يشكلان اللوائح الانتخابية ويقرران أسماء المرشحين عليها دروزا، مسلمين أو مسيحيين، كما يتقاسمان التعيينات الخاصة بالدروز في الوظائف العامة، وللتاريخ ينبغي القول إنهما حافظا معا على موقع مميز للطائفة في النظام السياسي اللبناني الذي كان، ولا يزال، عبارة عن مزرعة طوائف يتقاسمها أمراؤها.

لكن عند وفاة الأمير مجيد أواسط الثمانينات، وابنه لا يزال شابا غير مجرّب، وكانت الحرب الأهلية اللبنانية قد حمي وطيسها، قرّرت والدة طلال الأميرة خولة جنبلاط أرسلان، قريبة وليد، أن توفد ابنها لمتابعة دراسته الجامعية في الولايات المتحدة الأميركية، حيث تخرّج حاملا إجازة في العلوم السياسية من جامعة جورج واشنطن في العام 1988، والجميع يعلم أن وليد جنبلاط هو من تحمّل نفقات تعليم طلال شخصيا، حتى أنه قرّر دعمه لوراثة والده بوجه شقيقه الأكبر الأمير فيصل الذي كان صديقا للرئيس الراحل الشيخ بشير الجميل، قائد القوات اللبنانية التي واجهها جنبلاط وقوات حزبه التقدمي الاشتراكي في حرب الجبل.

إقرار اتفاق الطائف وعودة الانتظام تدريجيا إلى الحياة السياسية اللبنانية بعد الحرب، سهلا تعيين طلال نائبا عن المقعد الدرزي في عاليه والذي كان يشغله والده الراحل الأمير مجيد منذ أواخر ثلاثينات القرن الماضي.

وفي العام 1992، ترشّح إلى الانتخابات النيابية الأولى التي جرت بعد الحرب، ففاز بالمقعد النيابي عن عاليه، وانطلق في محاولة إعادة بناء “زعامة” العائلة الأرسلانية لدى الدروز والتي انحازت بغالبيتها إلى جانب جنبلاط الذي قادها خلال مرحلة الحرب الأهلية، وحافظ على بقائها واستمراريتها وثبّت وجودها على أرضها، وذلك بالاتفاق والتراضي مع وليد الذي ينتمي هو نفسه من جهة والدته إلى الأرسلانيين.

والواقع أن أرسلان نجح شيئا فشيئا في استعادة “العصبية” الأرسلانية، لكنه كان دائما على تنسيق وطيد مع جنبلاط الذي كانت زعامته أكبر من أن تتعرّض لأي انتكاسة في وجه الأرسلانيين، إذ أن حنكته السياسية والخبرة التي اكتسبها نتيجة تعامله مع “كل الدروز” خلال الفترة التي كان طلال فيها شبه غائب عن الساحة، رسّخت القناعة لدى الدروز بأنه الزعيم الأوحد الذي لا يُطال ولا يمكن منافسته.

سفن أرسلان والرياح العاتية

غير أن أحلام أرسلان كانت كبيرة، ترجمها أولا بتأسيس الحزب الديمقراطي اللبناني، وعندما فاز في الانتخابات النيابية المتتالية، اعتقد أن الوقت مناسب لكي ينتزع من جنبلاط ما يعتقد أنه “حق مشروع” له، وكان اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005 عشية الانتخابات النيابية، فرصة مناسبة له لكي يبدأ مرحلة عناده بوجه جنبلاط معتمدا في ذلك على علاقة شخصية جيدة بناها مع الرئيس السوري بشار الأسد، وعلى صداقة جمعته بالرئيس السابق إميل لحود، اللذين يكنان عداء كبيرا لجنبلاط. لكن الرياح جرت على عكس ما تشتهي سفن أرسلان.

لقد اعتقد أن بإمكانه من خلال الانتخابات النيابية أن يؤلف لائحة ينافس بها جنبلاط، ويفرض نفسه رقما صعبا في منطقة الجبل. لكن النتيجة كانت أن خسرت لائحته بالكامل، ولم ينفع معها تدخل الأسد ولحود لإنجاحه، فتقوقع أرسلان في “خلدة” يعيد دراسة خياراته السياسية محاولا تصويب علاقته مع جنبلاط الذي أدرك أنه ليس بمقدوره مواجهته، وهو القادر على تكرار هذه التجارب القاسية معه كلما حاول أن “ينفش” ريشه كالطاووس مجددا، كما يقول اللبنانيون.

وبعد العديد من الوساطات التي دخلت على خط تصحيح العلاقة بين الرجلين، وبعد الأحداث التي شهدها العام 2008 في الجبل، وعشية الانتخابات النيابية التي كانت مقررة في العام 2009، قرّر جنبلاط أن يترك مكانا شاغرا في لائحته في عاليه، لكي يتيح لأرسلان الفوز في الانتخابات وهذا ما جرى.

تحمّل جنبلاط جراء ذلك العديد من الانتقادات من جمهوره الذي كان مصرا على المضي في تحجيم طلال الذي “تطاول على البيك” ولم يتعلم الدرس. لكن أرسلان الذي عاد إلى الندوة البرلمانية مع فارق بلغ أكثر من 13 ألف صوت لصالح النائب الدرزي الثاني في عاليه أكرم شهيب، قرر مهادنة جنبلاط وعقد معه لقاءات عديدة اتفقا خلالها على العديد من الأمور التي تخص طائفة الموحدين الدروز سواء في التعيينات الإدارية والدبلوماسية والأمنية، أو في المناصب الحكومية التي شهدت توليه عددا من الحقائب في الحكومات المتتالية أو تسمية أحد أصهاره في منصب حكومي.

تأثير جبران باسيل

أرسلان يتوّج هجومه على جنبلاط بتوجيه رسالة بعث بها إليه مؤخراً، اعتبرتها الأوساط الاعلامية الأقسى في تاريخ العلاقة بين الرجلين، غير أن جنبلاط اكتفى بالتغريد عبر “تويتر”  قائلاً “أما وإنني مشارف على الخروج من المسرح، فأنتم كما قال جبران، في النور المظلم، ونحن في العتمة المنيرة”

وسرعان ما عاد أرسلان إلى نغمته السابقة وتصوير نفسه بأنه أحد “زعيمين” يقودان بالمشاركة الثنائية الدروز على غرار الثنائية الشيعية المتمثلة بالرئيس نبيه بري و”حزب الله”، ويبدو أن دائرة المقربين منه عادت إلى تحريضه على محاولة التخلّص من “العقدة” الجنبلاطية وهذا ما دفعه إلى البدء بحملات انتقاد مباشرة ضد وليد جنبلاط أضحت غير مسبوقة في تاريخ العلاقة بين الزعامتين.

وتوّج أرسلان هجومه على جنبلاط بتوجيه رسالة الأسبوع الماضي، اعتبرت الأوساط الإعلامية أنها الأقسى في تاريخ العلاقة بين الرجلين، غير أن جنبلاط أوعز لأنصاره بعدم الانجرار إلى الرد عليها، واكتفى بتوجيه رد مقتضب عبر موقع “تويتر” قال فيه “لا داعي للدخول في مساجلة مع أمير الوعظ والبلاغة والحكم. أما وأنني على مشارف الخروج من المسرح، أتمنى له التوفيق مع هذه الكوكبة من الدرر السندسية والقامات النرجسية. أنتم كما قال جبران في النور المظلم، ونحن في العتمة المنيرة”.

وكان جنبلاط عرض على أرسلان الدخول ضمن الائتلاف الواسع الذي يريد تأليفه في دائرة جبل لبنان الرابعة التي ضمت استنادا للقانون الجديد قضاء الشوف وعاليه في دائرة انتخابية واحدة، ما وسّع من حجم الصوت الدرزي المؤثر فيها والذي يدين بغالبيته إلى جنبلاط، حوالي 75  بالمئة منالأصوات.

غير أن أرسلان رفض العرض، مفضّلا الانضمام إلى لائحة يشكّلها تيار وزير الخارجية جبران باسيل الذي يخطط لعزل جنبلاط ومحاصرته وانتزاع ورقة تسمية المرشحين المسيحيين منه، وهذا ما رضي به أرسلان وسمّى المرشحين الدروز متخليا عن حليفه المسيحي الأقرب النائب مروان أبوفاضل، وذلك خلال الاجتماع الأخير الذي ضم أرسلان مع باسيل الذي قال فيه “أنا لا أتدخل بتسمية مرشحيك الدروز، فلا تتدخل بتسمية المرشحين المسيحيين”.

قبل أرسلان العرض عوضا عن التمسّك بموقع الزعيم الأرسلاني ونزل إلى مرتبه العضو في تكتل التغيير والإصلاح بقيادة باسيل، ولدى الناخبين الدروز وجهة نظر في هذا الموضوع سيعبّرون عنها في السادس من مايو المقبل.