من يتابع الحملات الانتخابية لمعظم المرشحين والأطراف السياسية يظن للوهلة الأولى أن السياسيين في لبنان يقررون مصير الوطن ومستقبله. من يتابع الوعود الانتخابية يدرك أن السياسيين والمرشحين يراهنون على قصر ذاكرة الناخبين أو ربما على عجز اللبنانيين عن المحاسبة!
على الأقل من الـ2005 إلى اليوم أثبت معظم السياسيين والمسؤولين في لبنان على مختلف المستويات أنهم عاجزون عن إدارة البلد، فلا هم تمكنوا من تطبيق الشعارات السيادية الكبرى التي رفعوها قبل أن يلجأوا إلى المساومات والتنازلات على حساب المبادئ، ولا هم تمكنوا من إدارة شؤون البلد الاقتصادية والمالية والاجتماعية والبيئية، بل عاثوا فساداً إلى درجات قياسية غير مسبوقة، فبلغ لبنان المرتبة 143 على سلّم الفساد عالمياً، وعلى هذا الصعيد لا تقع المسؤولية على إيران أو سوريا أو حتى “حزب الله”، بل على أداء مافيات السياسة والمسؤولين على مختلف المستويات السياسية والإدارية.
لذلك فإن المطلوب اليوم عدم الانتخاب على أساس شعارات كبرى مرفوعة منذ سنوات طويلة من دون أن تقترن بأي أفعال، بل المطلوب الاقتراع لمن يستطيع أن يقدّم شيئاً ما إلى ناسه، من دون أن يقبل بالمساومة على الثوابت. شبعنا من يبيعنا شعارات فارغة من دون أي عمل أو إنجازات فعلية على الأرض.
وما أقوله في هذه السطور ليس شعارات على الإطلاق، والأمثلة كثيرة يمكن تعداد منها:
ـ النائب ستريدا جعجع، وإلى جانب مواقفها الوطنية والسياسية الناصعة وانتمائها إلى حزب “القوات اللبنانية”، تمكنت من تحقيق ما يشبه المعجزات على صعيد قضاء بشري ونفذت مشاريع بقيمة تبلغ 240 مليون دولار، ما ساهم في تحويل جبّة بشري إلى جنة حقيقية إضافة إلى إنشاء “بيت الطالب الجامعي” لطلاب القضاء.
ـ أسعد نكد جعل زحلة تعيش في عصر آخر بعدما تمكن من تأمين الكهرباء 24/24. ثمة من يقول إن نكد يستفيد مالياً مما حصل، لكن السؤال البديهي هو: لماذا لا تؤمن مؤسسة كهرباء لبنان التيار الكهربائي وتستفيد هي عوض أن يستفيد غيرها؟ ولماذا انتقاد نكد اليوم بعدما كان الجميع على مدى السنوات الثلاثة الماضية يتغنّون بإنجازه؟ الثابت أن نكد قدّم شيئاً مهماً لزحلة ويستطيع أن يقدّم الكثير.
ـ ميشال معوض الثابت في الخط السيادي يترشح إلى الانتخابات بعد تجربة غنية بالعمل الإنمائي من خلال “مؤسسة رينه معوض” التي تمكنت من تحقيق إنجازات لا تُحصى باعتراف كل المؤسسات الدولية المانحة، وبرهنت كيف تعمل بشفافية ومن دون تمييز في دولة تتسم بالفساد والزبائنية السياسية والطائفية، وبالتالي فإن معوض يعد بأن يكون نائباً نموذجياً وخصوصاً في ظل نظافة كفه ومسيرته في الشأن العام التي سبقت الانتخابات.
ـ زياد حواط استطاع برؤيته ومجهوده وتميّزه أن يحول مدينة جبيل قبلة أنظار العالم. حقق في مدينته ما يشبه المعجزات التي لم يسبقه إليها أحد انطلاقاً من موقعه السابق كرئيس للبلدية. وهذا الشاب الحالم بلبنان أفضل يمكن الرهان عليه لتحقيق المزيد من الإنجازات لقضاء جبيل وللبنان أيضاً.
إنها أمثلة قليلة اخترتها والثابت أن الأمثلة أكثر ولكن لا مجال لتعدادها كلها، وبالتالي يُخطئ من يظن أن الاقتراع يجب ان يكون على أساس الشعارات إذا لم تكن مقرونة بأفعال وتجارب ملموسة حتى لا يكون اللبنانيون، وتحديداً الناخبين، أشبه بمن يشتري السمك في بحر كذب الشعارات والحملات الانتخابية البراقة من دون الاستناد إلى أي واقع ملموس.