كتب جوني منير في صحيفة “الجمهورية”:
يُتوقع إرتفاعُ منسوب الحماوة في المنطقة عموماً، وفي سوريا خصوصاً، خلال المرحلة المقبلة، من دون أن يعنيَ ذلك بالضرورة الانزلاق الى الحرب. فحساباتُ الحرب شيء وحساباتُ المواجهة الأمنية وترسيم الخطوط والحدود شيءٌ آخر تماماً.
ومنذ الغارة التي شنّها الطيران الإسرائيلي على الجزء الخاضع للجيش الايراني في قاعدة تيفور الجوّية في سوريا واسرائيل تخضع للاستنفار تحسّباً للرد الإيراني.
وازداد القلق الاسرائيلي بعد كلام الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله بأنّ إيران ستردّ وأنّ ما قبل استهداف المطار في سوريا شيء وما بعده شيء آخر.
والعملية الاسرائيلية والتي سبقها تحرّك متكرّر لرئيس الوزراء الاسرائيلي في اتّجاه كلٍّ من موسكو وواشنطن، جاءت تحت عنوان منع إيران من توسيع نفوذها العسكري في سوريا من خلال إنشاء قواعد عسكرية جوّية وبحرية وصاروخية.
موسكو التي التزمت ضمانَ أمن إسرائيل وأبلغت نتنياهو عدم نيّتها تسهيل أيّ خطوة إسرائيلية من هذا النوع، كانت في الوقت نفسه تخوض اختبارَ إثبات الوجود في سوريا في وجه واشنطن والعكس صحيح.
وهكذا بعد استهدافاتٍ متتالية «مجهولة» للقوات الروسية شمال سوريا والتي أسفرت في إحداها عن إسقاط طائرة حربية، جاء دور اسقاط طائرة حربية اسرائيلية جاءت لتردّ على نجاح طائرة مسيّرة في اختراق المجال الجوّي الاسرائيلي. وقالت اسرائيل يومها إنّ الطائرة هي ايرانية وانطلقت من قاعدة «التيفور».
وتتقاطع واشنطن مع تل أبيب حول هدف تحجيم الطموح الإيراني العسكري في سوريا.
وبعدما تبيّن عجزُ الادارة الاميركية عن اتّخاذ قرار بضربة واسعة في سوريا بسبب تشابك الوضع والتعقيدات الموجودة واحتمال الذهاب في اتّجاهٍ مؤذٍ للمصالح الاميركية، باشر البيت الابيض درس السبل التي من الممكن أن تؤدّي الى تحجيم الحضور العسكري الايراني من دون أن ينعكس ذلك سلباً على المصالح الاميركية في المنطقة.
وفي آخر هذه الافكار إعادة نبش اقتراح ارسال قوة اسلامية الى سوريا كان قد ظهر للمرة الاولى عام 2015 ايام رئاسة باراك اوباما للولايات المتحدة الاميركية، يومها تحدّث الاقتراح عن أن هذه القوة تضمّ نحو 40 الف جندي من دول عربية واسلامية الى سوريا مهمّتها المعلنة المساهمة في تثبيت وقف اطلاق النار وانهاء الحرب، فيما مهمتها الفعلية والاساسية مواجهة ايران، وحُكي يومها عن عمود فقري لهذه القوة مؤلف من السعودية ومصر والاردن، اضافة الى باكستان، إلّا أنّ الخلاف الحاصل بين الولايات المتحدة الاميركية وباكستان يفترض استبعادَ هذه الأخيرة، واستبعاد فريق ترامب هذا الاقتراح بسبب الاستهداف التركي الحاصل ضد الأكراد ومعارضتها ايّ دور لهم، اضافة الى المنحى الذي بدأت تأخذه التحالفات في الشرق الاوسط إثر التقارب الروسي ـ التركي ـ الايراني.
لكنّ المساعي التي تولّاها مستشار الامن القومي جون بولتون في أوّل مهمة له عقب تسلّمه منصبَه الجديد واجهت كثيراً من العوائق الاساسية. فالسعودية الغارقة في حرب اليمن اشترطت مشاركة مصر والإمارات والأردن فيما أبلغ رئيس الاستخبارات المصرية بولتون تحفّظَ بلاده التي رفضت سابقاً الانزلاق في حرب اليمن والتي لا تريد الانزلاق في ساحات أخرى، في وقت تخوض فيه القاهرة معركة شرسة وحسّاسة وخطرة مع التنظيمات المتطرّفة في سيناء وداخل البلاد والتي تسعى الى اختراق المؤسسات الأمنية المصرية. ما يعني أنّ إرسال قوات مصرية الى الخارج سيفتح ابوابَ المخاطر امام الجيش المصري.
كذلك بدا الأكراد متحسّسين إزاءَ هذه الخطوة في ظلّ الخشية من تراجع الحاجة الاميركية اليهم، وبالتالي تركهم لاحقاً بلا حماية اضافة الى النزاع الموجود بين القوات التركية والسكان العرب.
وتردّد في بعض الاوساط الديبلوماسية أنّ بولتون طرح فكرة اعلان السعودية دولة بدرجة حليف رئيسي لبلاده من خارج حلف «الناتو»، وذلك لتحفيز القيادة السعودية.
وهذا الاقتراح يعطي السعودية ميزات تشبه ميزات الدول الاعضاء في «الناتو» كمثل الالتزام بالدفاع عنها في حال تعرّضها لخطر عسكري. لكنّ مجلس الامن القومي الاميركي يدرس الاقتراح برويّة في ظلّ الصواريخ التي يطلقها الحوثيون والحرب التي تخوضها السعودية في اليمن، ما يعني تورّط «الناتو» مباشرة في النزاع الدائر.
لكنّ اللافت تقدّم اقتراح آخر على طاولة القرار الاميركي ويقضي بالدعوة الى تجنيد عناصر من الدول الاسلامية الفقيرة مثل السودان، وربما مصر، وتشكيل جيش من هذه العناصر على أن تقوم الدول الخليجية بتمويله ليتولّى هذه المهمة في سوريا، أي بعبارة أوضح «بلاك ووتر» عربية ـ اسلامية. ويتولّى مؤسس شركة «بلاك ووتر» اريك برنس تسويق هذه الفكرة لدى صديقه الرئيس الاميركي دونالد ترامب.
ولكن في هذا الوقت سترتفع حرارةُ المواجهات في سوريا، وخصوصاً بين إيران وإسرائيل.
وفيما تحدّثت تقارير عن استقدام إيران أنظمة دفاع جوّي جديدة الى سوريا نشرت تل ابيب ما اعتبرته خمس قواعد إيرانية موجودة في سوريا وتعتبرها اهدافاً لإسرائيل وهي:
- مطار دمشق الدولي حيث يجري استقدام السلاح الايراني.
• قاعدة صيقل الجوّية والموجودة شرق العاصمة دمشق.
• قاعدة «تي. فور» الجوّية.
• مطار يقع قرب حلب.
• قاعدة جوّية في دير الزور تمّت استعادتها من تنظيم «داعش» الصيف الماضي.
في المقابل باتت دمشق امام واقع جديد وهو أنّ الحلول السياسية لن تظهر قبل سنة 2021 موعد انتهاء ولاية الرئيس بشار الاسد دستورياً. صحيح انّ السنوات الثلاث الفاصلة عن هذا الموعد ستشهد اوراقاً سياسية واقتراحاتِ حلّ لكنّ التسوية لن تظهر قبل دنوّ نهاية ولاية الاسد كونها ستشكل مناسبة منطقية لتعديل الدستور وحيث سيتضمّن في أحد بنوده تمديد ولاية رئيس الجمهورية والسماح بتمديدها لمرة واحدة فقط وسيعتبر الاسد انه سيخوض الانتخابات على هذا الاساس، وستتضمّن اوراق العمل السياسية الإقرار بإشراك شخصيات معارضة في الحكومة ومنهم مثلاً هيثم المنّاع وميشال كيلو وقدري جميل وغيرهم.
ولكنّ اللافت سيكون بإشراك ممثل عن «جيش الإسلام» على أساس انه تنظيم سوري وهذا التنظيم يدين بالولاء للسعودية، وكان قد تمّ إنجاز تفاهم معه في «دوما» أدّى الى انتهاء المعارك وقد يكون لكل ذلك رابط خفيّ تولّته موسكو.
مع الاشارة الى أنّ جزءاً من مسلّحي «جيش الإسلام» تمّ نقله الى اليمن عبر تركيا فالسعودية عند إقرارالتفاهم حول «دوما».
في هذا الوقت، وفيما ستتصاعد حماوة المواجهة الايرانية ـ الاسرائيلية ستعمل دمشق مع حلفائها على التقدّم جنوباً بدءاً من اليرموك ووصولاً الى درعا والمنطقة الحساسة القريبة والتي تعتبرها إسرائيل منطقة نفوذٍ أمنيّ لها، فهل هذا يعني أنّ الردّ الإيراني سيكون هنا؟ أم أنّ طهران تريد رسالة أُخرى تُحدِث دوياً أكبر وأقوى؟
الشهر المقبل هنالك الملف النووي الإيراني، وكذلك الاتّفاق الأميركي ـ الكوري الشمالي. وفي حزيران المقبل إنتخاباتٌ تركية نيابية ورئاسية مبكرة في وقت تتأرجح التحالفات والتقاطعات التركية.
والشهر المقبل يكون لبنان قد انتهى من «دوشة» الانتخابات النيابية لتبدأ معها مرحلة حسّاسة ودقيقة تتماشى مع الواقع الإقليمي المعقّد.
وخلال زيارته الى لبنان حمل قائد المنطقة الوسطى في الجيش الاميركي الجنرال جوزف فوتل رسائل عدة أبرزها:
1 – سرد الرواية الأميركية حول الضربة التي تمّ تنفيذُها في سوريا مع التشديد على أنّ الدفاعات الجوّية عجزت عن إسقاط أيّ صاروخ اميركي وأنّ صاروخين فقط لم يبلغا هدفهما بسبب أعطالٍ فنّية.
2 – إظهارُ التباين الحاصل بين الموقفين الأميركي والروسي في المنطقة ما يعني ضمناً عدم الاقتراب كثيراً من روسيا.
3 – الجيش الأميركي باقٍ في سوريا حتى القضاء على الإرهابيين.
4 – تجديد الالتزام بدعم الجيش اللبناني واستمرار التنسيق معه.
5 – التركيز على الدور الإيراني في التمدّد وهزّ الاستقرار لبلدان المنطقة وهو ما يقلق واشنطن بدءاً باليمن عبر الحوثيين ووصولاً الى لبنان عبر «حزب الله».
6 – وهي الرسالة الأهم، ربما استتئناف المفاوضات حول الحدود في الجنوب بين لبنان وإسرائيل.
والواضح أنّ هذه النقطة ستسبق التجديد للقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل) الصيف المقبل وسيجري لاحقاً طرحُ القرار 1701 وهو الزاوية اللبنانية من المشهد العام في المنطقة في إطار الضغط على إيران.