Site icon IMLebanon

“الإشراف” تنعى نفسَها وتشكيك في نزاهة العملية الإنتخابية

كتبت صحيفة “الجمهورية”: أحد عشر يوماً فقط، هي الفترة المتبقّية حتى يوم الانتخابات النيابية في السادس من أيار المقبل. وكلّما اقترب الموعد دخلَ هذا الاستحقاق في موضع الشبهة أكثر فأكثر، والفضل هنا يعود إلى النافذين في السلطة الذين لم يعدموا وسيلةً إلّا واستخدموها للقبض على الانتخابات وتفريغِها من أيّ مضمون، ويعود قبل ذلك إلى القانون الانتخابي الأعرج الذي يُعدّ أكبرَ طعنةٍ للحياة الديموقراطية، لمحتواه الذي يفرّق بين اللبنانيين ويضرب التمثيلَ النيابي الصحيح في الصميم، ويُعزّز الخشية على المستقبل في ظلّ قانون غيرِ مسبوق حتى في الدول المتخلّفة.

إذا كان القانون الانتخابي، وباعتراف الجميع، قد جاء مشوِّهاً لكلّ الأحلام التي بُنيَت عليه، ومخيّباً للآمال التي علّقها المواطن اللبناني عليه كفرصةٍ تصحيحية لمسار التمثيل الذي كان مصادَراً في زمن المحادل السياسية والطائفية.

إلّا أنه، وعلى رغم كلّ ما يعتريه من تشوّهات، يكاد لا يُقاس مع أداء السلطة التي كانت السبّاقة إلى ضرب الاستحقاق قبل أوانه، وقدّمت نموذجاً كريهاً في صرفِ النفوذ وتسخير كلّ إمكانات الدولة في خدمة هذا وذاك من المسؤولين والأطراف السياسية، من دون النظر بعين العدالة والشفافية إلى مصلحة الناس، وفي الإشراف على الارتكابات، بل وإدارة بعضها، التي صار فيها الدفع وشراء الأصوات على المفضوح، ناهيكَ عن الضغوطات المتمادية التي وصَلت في الآونة الأخيرة في بعض المناطق، وخصوصاً في بيروت والجبل، إلى حدِّ ممارسة الاعتداءات الجسدية.

والأنكى من كلّ ذلك، أنّ السلطة تتبرّأ من هذه الممارسات، وتقدّم نفسَها حالةً ملائكية، فيما طريقُها إلى المجلس النيابي، ترسمها ماكيناتُها الانتخابية يديرها شياطينُ مدعومة من المواقع الرسمية والأمنية والسياسية الرفيعة في الدولة، وأجازت لنفسِها الدَوس على القانون والنظام، بممارسات، هي تَعلم أنّها من النوع الذي يُعاقب عليه القانون. ولكن من يحاسب من، إذا كان ربّ البيت بالطبل ضارباً ؟ ومن يحاسب من، في ظلّ هذا الفلتان الذي تقوده السلطة، والذي يفتح للآخرين أبواباً مشرّعة للاقتداء في غياب الحسيب والرقيب؟

في ظلّ هذا الجوّ الكريه من الاستعلاء والاستقواء بالسلطة وصرفِ النفوذ، لا يمكن تكبير الآمال على مجلس نيابي يعكس صحّة التمثيل، بل على مجلسٍ مصادَرٍ سلفاً، وهو الأمر الذي يُخشى منه في ظلّ هذا التمادي، المتزامن مع غياب الجهاز القانوني المحاسِب والمراقب بعين العدل لِما يَجري من موبقات وتشويه، ليس للقانون الانتخابي والانتخابات والحياة السياسية والبرلمانية، بل للصورة اللبنانية بشكل عام.

المجلس الدستوري

في هذا الجوّ، يَبرز السؤال عن المجلس الدستوري ودورِه في الاستحقاق، وسط الحديثِ المتزايد عن فقدانه لصلاحيته وعجزِه عن القيام بالدور المنوط به. فماذا لو صحّ ذلك، وأيّ انتخابات ستجري إذا كان هذا «الضابط الدستوري» مستقيلاً أو مقالاً أو فاقداً لصلاحيته، أو فاقداً لنصابه بخروج خمسة أعضاء منه؟ وإذا كان هناك من يقول بأنّ «المجلس الدستوري استمرار» في حال تعذّر ملء المراكز الشاغرة فيه، فإنّ هناك من يسأل: هل ثمّة مَن يثقُ بالمجلس الدستوري، وهل ثمّة من يَعتبره حيادياً، خصوصاً أنّه موزّع على مربّعات سياسية كلّها مرشّحة للانتخابات النيابية؟

على أنّ المضحك المبكي في هذا السياق، هو ما آلَ إليه حالُ هيئة الإشراف على الانتخابات، ففي لحظة سياسية معيّنة أدخلت هذه الهيئة البلد في اشتباك سياسي عقيم، وذلك لعدمِ تعيين أعضائها بحسب الموعد المحدّد في القانون الانتخابي، وفي لحظة محاصَصةٍ سياسية تمّ تعيينُ أعضائها من قبَل مرجعيات سياسية كلّها مرشّحة للانتخابات اليوم، وعند إعدادِ القانون الانتخابي، أخذ النقاش حولها في مجلس النواب جدلاً ووقتاً طويلاً، حول مهامّها وصلاحياتها ومخصّصاتها، إلّا أنّها في الزمن الانتخابي الحالي، سارَعت هي قبل أن يسارع أحدٌ آخر، إلى نعيِ نفسِها والقولِ بأنّها لا تملك الصلاحيات التي تُمكّنها من أن تكون الرادع والكابح لكلّ الارتكابات التي تحصل. وما ورَد في المؤتمر الصحافي الذي عقَدته بالأمس، خيرُ اعتراف بأنّها لا تملك الصلاحية الحقيقية، إلّا على الإعلام، فيما ارتكاباتُ السياسيين أو مَن هم في السلطة، فدور الهيئة بالنسبة إلى هذه الارتكابات، أشبَه ما يكون بـ»مراقب عداد» يحصيها ويُسجّلها، لا أكثر ولا أقلّ.

وكلّ هذا يطرح السؤال التالي: ما هي الجدوى من تشكيل هذه الهيئة والنصّ عليها في القانون، إذا كان لا حولَ لها ولا قوّة ولا صلاحية، ولا قدرةَ حتى كلاميّة على القول لهذا السياسي، ولهذا المسؤول في السلطة، إنّك ارتكبتَ وإنّكَ تصرفُ النفوذ وإنك ترشو الناخبين وإنك تُسخّر أجهزة الدولة الإدارية والأمنية في خدمة ماكينتك ولائحتك الانتخابية؟

واللافت للانتباه في الميدان الانتخابي، هو أنه على الرغم من الصخب الذي تفتعله ماكينات السلطة واللوائح المحسوبة على النافذين فيها، تبدو الصورة مربِكةً في هذا الجانب، خصوصاً وأنّ الاستطلاعات التي تتوالى في هذه الفترة، لا تُظهر حماسةً جدّية لدى الناخبين، بخلاف كثافة الاقتراع التي تريدها السلطة في يوم الانتخاب، ومن شأن ذلك أن يضربَ كلَّ الحسابات التي بنتها هذه السلطة ولوائح المحسوبين عليها، على هذه الكثافة.

يضاف إلى ذلك، ما يؤكّده بعض الخبراء في الشأن الانتخابي، من أنّ ارتكابات أهلِ السلطة والخطاب المستخدم من قبَلها، بدأ يأتي بنتائج عكسية، تجعل المواطنَ يَنفر منها ولا يتفاعل إيجاباً معها، إلّا الفئة الحزبية الملتزمة، فيما الشريحة الأكبر من المواطنين، ونتيجةً لِما تراه من مشاهد غير مألوفة في المشهد اللبناني، تجمع التناقضات وتفرّق التحالفات وتقدّم المالَ على المبادئ والشعارات، ونتيجة ما تسمعه من خطاب سياسي عنصري تحريضي طائفي ومذهبي، بدأت تُجاهر علناً بأنّها ستغنّي موّالها هي في السادس من أيار.

ويتّفق الخبراء مع ما يتسرّب من أجواء الماكينات على أنّ هذا المناخ الشعبي قد يؤدّي إلى مفاجآت سلبية وغيرِ محسوبة لفريق السلطة، ومِن هنا يتبدّى إرباكٌ واضح في صفوف بعض الأحزاب الكبيرة الإسلامية والمسيحية. لذلك، جاءت الحركة المتزايدة لبعض الزعامات السياسية والحزبية، والإطلالات الجماهيرية المتتالية لدحرجةِ سيولٍ مِن الوعود والأكاذيب، لعلّ أكثرَها استفزازاً للناس، هو الهجوم على القانون الانتخابي الحالي، الذي صَنعته هي، ووضَعت موادَه هي، وأسّست لكلّ هذا الإرباك في البلد. هذا مع العِلم، أنّ البلد اعتاد على هذا النوع من الأكاذيب، التي لطالما استُخدمت مع كلّ محطة انتخابية منذ العام 1992 وحتى اليوم، إذ إنّ الجامع المشترَك بين صانعي القوانين الانتخابية هو القول: «دعونا نُنهِ الانتخابات الحالية، وبعد الانتخابات سنشرع فوراً إلى طرح القانون الانتخابي على الطاولة وتوليد قانون انتخابي يُعبّر بصدق عن إرادة اللبنانيين، ويؤكّد صحّة التمثيل وسلامتَه وعدالته.