كتب رولان خاطر
ربما تكون عملية الانتخابات النيابية أهم مظاهر الديموقراطية ومشاركة المواطن في تحديد مسار ومستقبل اللعبة السياسية، لكن هذا الأمر يتطلب وعياً وإدراكاً لأصول اللعبة، وثقافة تحوّل المواطنين قاعدة شعبية مسيّسة وشخصية كاريزماتية، تفكر وتحلل وتقرّر وليس فقط تتلقى، ولكن للأسف، فإن معظم مجتمعنا، وبنسب متفاوتة بين مكوناته، عنصر يتلقى وينفّذ.
هو الاستسلام للمنطق التي فرضته القوى الحاكمة عبر سنين طويلة، جعلت المواطنين، يتآخون مع مفاهيم اجتماعية وثقافية جديدة تتناقض مع الأخلاق والأصول، معرضين بإغفالهم هذا هويتنا وحريتنا وتقاليدنا وإرثنا وقرارنا ووطننا لخطر الزوال.
بعد الحرب، بات السلاح الوحيد أمامنا كلبنانيين، هو الايمان وبناء القدرة عبر توحيد الصف للانطلاق نحو الوطن كجماعة لبنانية بعيدة عن زواريب الطوائف والمذاهب، لكن سرعان ما فُرضت علينا مسائل وممارسات، باتت مع الوقت من صلب التقليد السياسي في السلطة، والمواطن “لا حول له ولا قوة”، مستسلم لواقع معين، من دون الايمان والثقة بالقدرة على تغييره. بات عقله محبطاً مجمدا ومغلقاً، لا يقوى على مواجهة تجارب العالم بانفتاح وإرادة وقوة، فيحاول فهمها ثم يتحرك.
ممارسات ومفاهيم عدة سادت في العمل السياسي، فبات الفساد والسرقة والالتفاف على القوانين والتشبيح والسمسرات السياسية والمالية كلها تتبوأ مضمون وخلفية العمل السياسي في لبنان، وتحولت السياسة إلى تاجر و”مرابي” بدل ان تعكس أبوة الدولة للمواطنين.
من مهارة قوى السلطة، أي سلطة، أن تفرّغ عقل الانسان من الذاكرة، فلا يقرأ، ولا يسأل، ولا يحاسب. لكن، الشهادة للحق، وللحقيقة، هي جزء من تقويم مسار أي لعبة، وعنصر مهم في تقرير أحداث المستقبل، وفي صناعة التاريخ.
وبعد كل سنوات الحرب، والفقر، والطاعة، والذل، والتبعية، والاحتلال، يستحق لبنان منّا ان نكون أوفياء له. المطلوب من اللبناني “ألا يحاكم الماضي وإنما يستفيد منه وأن يتحرك للمستقبل، فالمستقبل هو دائماً مجال الحرية، والماضي هو مجال العبرة”.
فلا ندفع من الآن وصاعدا ثمن علاج لطبيب غير شافي. لا ندفع فاتورة كهرباء غير مؤمنة. لا ندفع من أجل مياه ملوثة. لا نخضع لقوانين غير صالحة. لا نستسلم امام طبقة سياسية فاسدة، ولا أمام وعود وهمية. وأن نميز بين الصح والخطأ استنادا إلى مصلحة الوطن وليس الشخص.
لكي نربح الوطن، يجب أن نستغني عن موروثات الماضي العتيق، فلا “نؤلّه” “الشيخ” ولا نمدح “البيك” ولا نمجد “السيّد” ولا ننحني أمام “الزعيم”. نقول الأمور بصراحة كلية، وتفان، وشفافية، كي لا نتحول إلى “دواب” تحمل هؤلاء إلى السلطة.
كي نربح الوطن، علينا الثورة على كل التفاهمات الثنائية والحزبية والطائفية الوهمية، وتوقيع تفاهمات تتخطى الطوائف والأحزاب والمجتمعات الضيقة. فهي أثبتت نجاحها وقدرتها على التغيير الفعلي.
كي نربح الوطن علينا ان نتخطى عقدة الشخص والزعيم والقائد والسيّد.
كي نربح الوطن، علينا تكسير هؤلاء الأصنام الموجودين في السياسة والقضاء والأمن، الذين يتحكمون بمصير البلاد والعباد بجشع وعنجهية وقلة ضمير. مرفوض أن نتحول إلى نواطير لذاكرة وطن يحتضر. مرفوض ان لا نحمل خميرة التغيير وشعلة الثورة في داخلنا. مرفوض الاستسلام لما نسميه قدراً، في حين لدينا كل تجارب التاريخ وشرائع العالم امامنا.
عملية التغيير تبدأ من ذات الانسان. هو لا يملك إمكانية تحقيق الممكنات كلها، لكن يمكنه إحداث التغييرات. في الشارع، في العمل، في الدراسة، في العائلة، في صناديق الاقتراع. هذه هي المقاومة الحقيقية. وهذه طريق المقاومة. فكي نربح الوطن، يجب أن نقاوم.
“في غمرة الموت تستمر الحياة… في غمرة الكذب تستمر الحقيقة… في غمرة الظلام يستمر الضوء”، هذا ايمان غاندي، وهذا ما نحتاجه. ما نحتاجه قليل من الايمان لبناء جمهورية والحفاظ على الوطن فيكون كل شيء ممكن لدينا. فسيّدنا أوصانا ونحن يجب أن لا ننسى: “لَو كان لكم إِيمان مثل حبَّة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انْتَقِلْ من هنا إِلَى هناك فينتقل، ولا يكون شيءٌ غير ممكنٍ لديكم”.