“الفرير” طرابلس تحتفل بمرور 132 سنة على تأسيسها
بمناسبة حلول الذكرى الثانية والثلاثين بعد المئة لتأسيس مدرسة الفريرطرابلس- دده، عُقد احتفال حمل عنوان “132 سنة مدرسة الفرير في ذاكرة طرابلس” في مركز الصفدي الثقافي بعاصمة الشمال طرابلس، وذلك لإعادة إحياء هذا الحدث الذي غيّر وجه الفيحاء منذ سنة 1886.
وقد حضر اللقاء الرئيس نجيب ميقاتي ممثلاً بالوزير نقولا نحاس، الوزير محمد كبارة ممثلاً بسامي رضا، الوزير أشرف ريفي ممثلاً بسليمة ريفي، الوزير فيصل كرامي ممثلاً بعبدالله ضنّاوي، النائب فادي كرم، النائب السابق مصباح الأحدب، محافظ بعلبك – الهرمل بشير خضر، مفتي طرابلس والشمال الشيخ الدكتور مالك الشعار، راعي أبرشية طرابلس والكورة وتوابعهما للروم الأرثوذكس المطران افرام كرياكوس، راعي أبرشية طرابلس للروم الملكيين المطران إدوارد ضاهر، النائب البطريركي على الجبّة وزغرتا المطران جوزيف نفّاع، الرئيس الإقليمي لمدارس الفرير في الشرق الأوسط الأخ فادي صفير، رؤساء الجامعات، نقباء المهن الحرة، مديرو ومديرات المصارف والمؤسسات التربوية في طرابلس والشمال، إلى جانب رئيسة المنطقة التربوية في الشمال نهلا الحاماتي وغيرهم.
بعد النشيد الوطني وعرض لوثائقي عن المدرسة، بدأ اللقاء بكلمة للشعار الذي رأى أنَّ التعدّد والتنوّع عند الأمم، الدول والمجتمعات هو صفة تحضّر ورقي، بينما عند الأفراد فهو شعور بالذات واعتزاز بالنفس، معتبراً أنَّ “المشابهة ليست شرطاً في تعايشنا مع بعضنا واحتضاننا لبعضنا”. من هنا، برأيه، كانت العلاقة بين الأفراد علاقة تكاملية لا إلغائية أو تهميشية.
وبعدما تطرّق إلى أهمية العلم بالنسبة إلى الدين الإسلامي ووجوب البحث عنه لصناعة الحياة وعمارة الأرض، شدّد على أنَّ طرابلس غنية برجالاتها، بمدارسها و بمؤسساتها وهي التي تكتنز وتعتزُّ كثيراً بتلك المؤسسات التعليمية التي ساهمت، ولا تزال، في صناعة مناخ المدينة الثقافي والاجتماعي. وأكَّد أنَّه حين كانت “الفرير” لا تزال في طرابلس كان “نسيج المدينة الاجتماعي يقوم على قيم الاحترام والتواصل بين الطلاب وعائلاتهم من المسلمين والمسيحيين على حد سواء فضلاً عن الحياة المشتركة، تبادل الزيارات وحفظ حقوق الغير من دون النظر إلى كلمات الأقلية والأكثرية”.
وإذ أوصى الحاضرين بتجنّب “كل ما له علاقة بالغرائز، ردات الفعل، المذهبية، الطائفية وعتمة العقل والفكر”، أكَّد أنَّنا ” قوم لا نخاف ولا نخيف لأننا أبناء قيم ومكارم. نحن أمة نأخذ سر وجودنا من الرسالات السماوية كلها”.
أما الاستاذ جيلبر الحلال، مدير مدرسة الفرير طرابلس-دده، فتوجّه إلى الحاضرين قائلاً “أنتم أهل الدار والشركاء. تحملون على سواعدكم وفي فكركم هذه المدرسة التي أراد مؤسسوها منذ ثلاثة عشر عقداً ونيف أن تكون أداة تعليم و تثقيف والتزام وطني لأجيال متراكمة من المهنيين والاختصاصيين في حقول شتى أصبحوا نخبة قامت عليها دولة ما قبل الاستقلال وبعده”. وفيما أكَّد أنَّ طرابلس “تعني لجمعية إخوة المدارس المسيحية ولنا الكثير” خصوصاً أنَّ المدرسة تجذّرت بحضارتها، إذ قدّمت مؤسستنا التربوية لها الكثير من الثقاقة وغرفت منها الكثير من الحضارة الوطنية”، اعتبر أنَّ طرابلس مهد الحضارة الشرقية، منبع التنوع والاختلاط الحضاري الذي جسدته “الفرير” خير تجسيد.
وفي إطار حديثه عن هذه المؤسسة التربوية، قال الحلال إنَّها “رسالة تنشئة أكاديمية تتزاوج مع التنشئة الثقافية التي توسّع في الإنسان آفاقه على المستويات الفلسفية، العلمية، الوطنية والأدبية، بحيث يصبح المتخرج من المدرسة عنصراً فاعلاً يعمل على التحوّل الاجتماعي”، مضيفاً “إنَّها رسالة اختارت المشاركة طريقاً لها والانفتاح على الآخر وعلى البعد الإنساني والروحي توجّهاً أساسياً في الحياة اليومية”.
وأخيراً أكَّد أنَّ المدرسة متجذّرة في ممارسات حضارية تقليدية قديمة تتطلع في الوقت عينه إلى مستقبل عصري ومتطوّر.
أما كلمة “الفرير” فادي صفير، راعي الحفل، فكانت نابعة من ذكرياته وتجربته الخاصة، خصوصاً أنَّه أمضى 5 سنوات في الشمال، سنة واحدة في مدرسة الفرير كفرياشيت/زغرتا، و4 سنوات في مدرسة الفرير طرابلس- دده.
وبعدما قال إنَّه لطالما كان يتساءل لماذا أمضى عدد من الإخوة في طرابلس 50-60 سنة من دون طلب الانتقال إلى مدارس أخرى تحتاج إلى خبرتهم التربوية، لفت إلى أنَّ الجواب يكمن في كون “أهل طرابلس والشمال يعرفون تمام المعرفة الأصل والوفاء ويجعلونك تبادلهم إياهما في السراء والضراء”، مشدّداً في الوقت عينه على أنَّ أحد الرهبان قال له أخيراً “أنا أكيد أنَّ تلاميذي القدامى سيذكرونني وسيزورون قبري أكثر من أبناء وأحفاد إخوتي”.
وفي أشد أيام الحرب الأخيرة، وفق صفير، شهد إخوة وأساتذة عدّة كيف كان الزعماء يرسلون مسلحين لحماية المدرسة “كلما حاول بعض الرعاع اقتحامها”.
وأخيراً أكَّد أّنَّ هذه المؤسسة التربوية تهدف إلى مساعدة الكل في الوصول إلى التعليم الجيد والأخلاق الحسنة، مع العلم أنَّها تساعد الفقراء وتسمح لذوي الدخل المحدود في التقدّم العلمي والاجتماعي، من دون أن تقصي أبناء الميسورين إذا أرادوا الاختلاط مع باقي فئات المجتمع.
بالنسبة إلى نفّاع الذي ينتمي إلى آخر فوج تخرج من الفرير حين كانت لا تزال في طرابلس، فقال “نحن نستحضر الآن حقبة من تاريخ طرابلس لا يمكن أن تُمحى، ويجب أن تستمر مستعيدةً كل رونقها السابق”، مضيفاً “الفرير في طرابلس ليست مجرّد مدرسة، ليست جزءاً من المدينة، بل هي المدينة، تجتمع فيها كل الأجزاء. مدرسة الفرير هي عنوان طرابلس في زمنها الجميل”.
وفي حين رأى أنَّه “لا يمكن لأحد أن ينكر أنه من بين أحضان هذه الجدران خرج سيل من المتميزين شغلوا مراكز مرموقة في أربعة أصقاع العالم”، تابع الحديث عن طرابلس التي “وضعت ثروتها في تنشئة أولادها في علمهم وثقافتهم وتميزهم فيما عمل أهلهم ليل نهار ليوفروا لهم هذا المستوى الرفيع”.
أما العلم الحقيقي، فاعتبر نفاع أنَّه “نظرة على الحياة بمجملها وموقف من الأمور”، ذاكراً أنَّ “الأخلاق في الفرير لم تكن مجرّد مادة تدرّس ساعة بل كانت نهج العائلة التربوية كلّها من إدارة وأساتذة وأهل وطلاب”.
وبرأيه، “كثرت اليوم المدارس والجامعات وكثر حملة الشهادات ولكن قلّت الأخلاق”، لذلك
علينا أن “نعمل مع مدرسة الفرير على ترسيخ القيم التي تربينا عليها والتي شكلت الميزة الأساسية لمن هم من عائلة الكوليج”.
وفيما أشار إلى أنَّ المدرسة لم تتوان عن العمل الدؤوب لتنمية الحس الثقافي لدى تلاميذها، ختم “ما ترونه اليوم في يوميات بعض المدارس شديدة التطور شهدنا نحن ولادته في أروقة الفرير. الفرير في طرابلس لم تكن مجرد مدرسة بل كانت مجتمعاً بكل ما للكلمة من معنى”.
الكلمة الأخيرة كانت من نصيب خضر الذي رأى أنَّ “الفرير” هي التي صقلت شخصيته، خصوصاً أنَّ الانضباط “هو من أهم الأمور الذي طبع شخصية كل تلاميذ الفرير. وهذا ما أتميز به أنا أيضاً بعملي. كل ما أعطاني أحد هذه الملاحظة أخبره أنني تلميذ الفرير”.
وختم خضر أنَّه في مدرسة الفرير كان المسلمون يصلون الفاتحة والمسيحييون “الأبانا”، ما أدّى إلى تعلّم التلاميذ هذه الأمور من بعضهم البعض، مشدّداً في الوقت نفسه على أنَّه لم يكن أي يوم من تمييز بين التلاميذ في المدرسة التي خرّجت رجالاً.
وتلا هذه المداخلات وصلة موسيقية وحوار بإدارة الأستاذ جورج الأسد ومشاركة الوزير السابق نقولا نحاس، النقيب الدكتور المهندس بشير ذوق، الأستاذ روبرت بال، الدكتور محمد سلهب والدكتور أنطوان قربان. وجرى التأكيد خلال الحوار على قيم هذه المؤسسة، خصوصاً في ما يتعلّق بالتزام الصرامة وترك أثر جميل في نفوس الطلاب، علماً أنَّ التعليم يتألف من 3 عناصر، المدرسة، المنزل والطالب. وقد أثنى المشاركون على النظام الذي يعتبر جزءاً أساسياً من النجاح وطريقة العلم المتّبعة في الفرير التي تشدّد على تعليم الطلاب كيفية التفكير ليستطيع الطلاب تالياً التأقلم مع أي مجال. وجرى التأكيد أخيراً على وجوب عدم نسيان الوطن الذي هو الأساس للعيش سوياً بين المواطنين.