كتبت راكيل عتيّق في صحيفة “الجمهورية”:
هل تُغيّر السموات مشيئة الأرض؟ هل تعصف الرياح المختلفة من جوّ إلى آخر بالصناديق المشحونة بالطائرات من بلاد الاغتراب إلى لبنان، حاملةً أصوات اللبنانيين المنتشرين؟ أسئلة عديدة وكثيرة تُطرَح حول هذه الثغرة في قانون الانتخاب، التي لم يتنبَّه إليها المُشترع. أمّا الشكوك بالنسبة للمعنيين والمتابعين فتكمن في ادّعاء الوزير جبران باسيل مُلكية إقرار اقتراع المغتربين، وكأنه ماركة مُسجّلة باسمه، إضافةً الى استغلاله القانونَ على قدر المسافات الشاسعة الفاصلة بين لبنان وبلاد الاغتراب. أمّا أيّ «لعبة عفريتية» فهي محطّ رصدِ كُثر.
إبتداءً من صباح الغد، وللمرّة الأولى، يمارس اللبنانيون المنتشرون في دول العالم حقّهم في الاقتراع واختيار نوابِ بلدهم الأم، الذي ينقصه تشريعات وقوانين ومشاريع كثيرة ومتنوّعة، علَّ وعسى يصبح دولةً قابلة للحياة، وحاضرةً لاسترداد أبنائها من الغربة.
صندوق الاقتراع الأوّل الذي سيُفتح غداً سيكون في القاهرة، ويُقفَل آخرُ قلم اقتراع في لوس أنجلوس في الولايات المتحدة الاميركية عند السادسة من صباح الاثنين المقبل.
الشحن والفرز
تَسجّلَ للمشاركة بالاقتراع 82970 ناخباً، توزّعوا على 40 بلداً في 6 قارات، وتبدأ عملية انتخاب اللبنانيين في الخارج غداً باقتراع المغتربين المسجّلين المقيمين في 6 دول عربية، على أن يقترع الأحد في 29 نيسان المقيمون المسجّلون في 24 دولة غربية، بدءاً من الساعة السابعة صباحاً وحتى العاشرة ليلاً بحسب التوقيت المحلي لكلّ دولة.
وبحسب القانون، يتمّ تعيين رئيس لكلّ مركز انتخابي يكون من السِلك الديبلوماسي أو الإداري أو قنصلاً فخرياً أو أيّ موظف في الإدارة المركزية أو البعثات، وتتألف الهيئات من ثلاثة أشخاص في كلّ قلم اقتراع. أمّا عملية الفرز للأصوات الانتخابية فلن تتمّ في الخارج، بل ستُنقل المغلفات عبر الحقيبة الديبلوماسية بعد ختمِها بالشمع الأحمر الى بيروت ويتمّ إيداعُها في مصرف لبنان تمهيداً لفرزها، تزامناً مع عمليات الفرز في لبنان.
تثير هذه الثغرة في القانون أسئلةً عدة، فـ«الله» وحده يَعلم ما قد يَدخل ويخرج منها. ولم تقتصر الإشارة إلى هذه «الهفوة» على أطراف محلية، بل لقد حدّدت رئيسة البعثة الاوروبية الموجودة في لبنان للإشراف على الانتخابات، «نقطة الضعفِ الوحيدة في عملية اقتراع المغتربين»، وقالت إنّ «المكان الوحيد الذي لا يمكن مراقبته هو انتقال الصناديق في الطائرة إلى لبنان».
تعليقاً على «نقطة الضعف هذه»، سألَ وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، متهكّماً، «هل كان مطلوباً وضع مراقبين في طائرات الشحن لنتأكّد من أن ليس هناك عفاريت في الطائرة ستعبَث بالصناديق؟»، وفي المقابل يَعتبر كثيرون أنّ «عفاريت» الكهرباء والغرَف السوداء والأجهزة… لن يعصى عليها التغلغُل في الطائرات أو الصناديق أو مكان الحفظ.
القانون نصَّ على عملية الاقتراع، ولا يُمكن مناقشتُه فقد أصبح نافذاً، يقول مسؤول إداري سابق متابع لقانون الانتخاب واقتراع المغتربين، مشيراً إلى أنّ خشية الناس وبعض الأفرقاء السياسيين، سببُها الممارسة السياسية لبعض الأطراف المُختصة بهذا الموضوع.
ويرى أنّ المشكلة سياسية أكثر منها تقنية، خصوصاً في ظلّ قانون الصوت التفضيلي، حيث يسعى كلّ مرشح إلى التقدّم على بقيةِ المرشّحين وإنْ بصوت واحد.
ويعتبر أنّ على حامل هذه المسؤولية أن يكون شفافاً ويثبتَ شفافيته في هذا الموضوع، مشدّداً على أنّ اقتراع المغتربين مسؤوولية وطنية وقانونية، ولا يُمكن لأحد أن يقوم بأيّ مخالفة بهذا الموضوع، لأنّها تُرتّب عليه مسؤولية كبيرة، أقلّها تزوير إرادة المقترعين.
وعن عدمِ لَحظِ المُشرّع لشفافية ومراقبة عملية نقلِ وشحنِ صناديق الاقتراع، يشير المسؤول إلى أنّ هذا القانون لم يُخلق طبيعياً بل بعملية قيصرية، لذلك خرَج مشوَّهاً بشوائب. وربّما لم يتنبَّه المشرّع لهذه النقطة (الشحن غير المُراقب عبر الطائرات) لأنّ جميع الأفرقاء «كانوا حابِّين بعضُن كتير». ويؤكّد «سنراقب هذه العملية»، وأسماء الناخبين المغتربين المسجّلة «موجودة عنّا»، كما أنّها «موجودة عندن» وعند وزارة الداخلية.
إدّعاء ملكية واستغلال القانون
يشكّل المسجّلون في الخارج 2.22 في المئة من عدد الناخبين الإجمالي البالغ 3.744.245، الذين يحقّ لهم الانتخاب في دورة العام 2018. وبلغَت نسبة المسيحيين من المسجلين 54.52 في المئة فيما بلغَت نسبة المسلمين 45.42 في المئة.
ويشكّل الموارنة النسبة الأكبر من المسجّلين، وبلغت 34.38 في المئة (28254 ناخباً)، فيما بلغت نسبة الشيعة 23.02 في المئة (19100 ناخب)، والسُنّة 16.54 في المئة (13724 ناخباً).
أمّا على صعيد الدوائر الانتخابية فاحتلّت المرتبة الأولى في التسجيل، دائرة الشمال الثالثة التي تضمّ أقضية: زغرتا – بشري – الكورة – البترون، بـ 12337 ناخباً، أي ما نسبته 14.87 في المئة. وحلّت في المرتبة الثانية دائرة الجنوب الثالثة التي تضمّ أقضية: النبطية – بنت جبيل – مرجعيون – حاصبيا بـ 8737 ناخباً، أي ما نسبتُه 10.53٪.
ووفقاً لتوزيع المسجّلين على المحافظات، حلّت محافظة جبل لبنان بالمرتبة الأولى بنسبة 25.70 في المئة، وحلّت في المرتبة الثانية محافظة الشمال بنسبة 20.74 في المئة.
وعن «أسفار» وزير الخارجية والمغتربين رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، وامتعاض البعض من أنّها تمّت على حساب الدولة اللبنانية، إضافةً إلى اعتبارهم أنه استغلّ منصبَه كوزير خارجية وسخّرَه لمعركته الانتخابية التي يخوضها في دائرة الشمال الثالثة (الأكبر من حيث المغتربين المُسجلين)، فيما هذه «السفرات» غير متوافرة لمرشّحين آخرين، قال المسؤول الإداري إنّ باسيل قام بجولاته الانتخابية، وعملَ بشكلٍ جيّد، فحضّر له السفراء داتا البترون، وقام بالاتصال بشكلٍ شخصي بالناخبين.
وترى مصادر نيابية أنّ المؤسف في موضوع اقتراع المغتربين أنّ هناك من يحاول وضعَ label وامتلاك هذا الإنجاز، وهذا الخطأ الكبير هو الذي يؤدي الى الشكوك والتشكيك»، مشدّدةً على أنّ اقتراع المغتربين، يَعني جميعَ الطوائف والأحزاب والمناطق، فللجميع أبناء ومؤيدون مغتربون مرتبطون بلبنان.
ما يضرّ باقتراع المغتربين ادّعاءُ فريقٍ ملكيتَه، ومغالاتُه بالتدخّل فيه، ما يَزرع الريبة والشكوكَ عند الناس، بحسب المصادر.
وتُشدّد على أنّ القانون الذي أتاح للمغتربين الاقتراع ليس الوزير جبران باسيل من أقرَّه بل المجلس النيابي وبإجماع نيابي، مشيرةً إلى أنّ باسيل هو أكثر مَن استغلّ هذا القانون من خلال السفرِ على حساب الدولة اللبنانية وعقدِ المؤتمرات والقيامِ بجولات تصبُّ في مصلحته كمرشّح.