كتب القاضي الشيخ خلدون عريمط في صحيفة “الجمهورية”:
إنّها المعركة السياسية الفاصلة على هوية لبنان ودوره ورسالته وميثاقه الوطني، تتجلّى هذه المعركة بالأدوات المتعدّدة التي يستخدمها «حزب الله» وحلفاؤه في مواجهة مرشّحي الرئيس سعد الحريري وحلفائه في كلّ المناطق اللبنانيّة، وخصوصاً في العاصمة بيروت، وعلى وجه الخصوص في محافظتي عكّار والشمال، حيث يعمل «حزب الله» على تشتيت وتفريق الجمهور الوطني والعروبي الموالي للحريريّة السياسيّة، من خلال مساندته لتعدّدِ اللوائح وتوافقها جميعاً لمواجهة مرشّحي الحريري، وكأنّ الحزب وحلفاءَه الظاهرين والمستترين يخوض معهم وبهم معاركه في عكّار والشمال كما خاضت ميليشيات «حزب الله» وتخوض معاركها العسكريّة في القصير والقلمون والغوطة وغيرها على الجغرافية السوريّة.
فمعركة النفوذ الإيراني وأدواته في لبنان هي تماماً كمعركتهم الوجوديّة في المدن والبلدات السوريّة، لأنّ من يملك الأكثريّة في المجلس النيابي يمكنه أن يهيمنَ على مكوّنات الدوله اللبنانيّة وسلطاتها التنفيذيّة والتشريعيّة والقضائيّة وغيرها.
من المؤكّد أنّ هناك كثيراً من اللوائح المضادة للحريري في عكّار والشمال هي مكانُ احتضانِ ودعم المشروع الصفوي الفارسي، لأنّ معركة «حزب الله» في لبنان تختلف تماماً عن معاركه في سوريا والعراق واليمن، فمظلّة لبنان الواقية وطنياً وعربياً ودولياً ما زالت قويّة وقادرة، ولذلك يعمل النفوذ الايراني على اختراق هذه المظلّة بدعم مرشحين وحلفاء له في عكّار وطرابلس وكلّ الشمال.
وعلى المواطن اللبناني أن يعدّ العدّة لـ 6 أيّار ليؤكّد أنّ لبنان لا يمكن ان يكون إلّا سيّداً حراً عربياً مستقلاً، وأنّ لبنان لن يكون حديقة خلفيّة للنفوذ الايراني، أو ساحة مباحة للقوى الإقليميّة لتبادلِ الرسائل الملتهبة بين حين وآخر.
ومِن أجل ذلك فإنّ كثافة المقترعين وزيادة أصوات المحبّين للحريري من خلال مرشحيه وحلفائه، هي حاجة وطنيّة وضرورة أخلاقيّة بحيث تتقدّم المصلحة العامّة على المصالح الشخصيّة أو الإغراءات المتعدّدة والمتنوّعة والمتسلّلة أحياناً إلى هذا المفتاح الانتخابي أو ذاك، أو إلى كبير هذه العائلة أو تلك، أو باحتواء بعض شباب الأحياء الّذين ضاقت بهم السبل مصلحياً وآنياً.
والمواطن في عكّار والشمال خصوصاً، وفي بيروت عموماً هو الذي يتحمّل مسؤوليّة قراره، فإمّا أن يتّخذ خياره في اتّجاه الأمن والاستقرار والتنمية وتنفيذ المشاريع الحيويّة لخدمة المواطن، وإمّا أن يختار مشروع الدويلة وميليشياتها العابرة للحدود وينحازَ إلى الفوضى والاقتتال ليكون لبنان أداة يستخدمها من شاءَ لتحقيق أهدافِه ومصالحِه الإقليميّة وربّما الدوليّة. وليعلم الجميع أنّ صوت المواطن هو الأساس، في هويّة هذا العهد ودليل لدور العهد القادم رئاسياً أو حكومياً أو من يماثل أحدهما وكليهما.
تتعدّد الإغراءات، وتتنوّع الوسائل والطرق، وتستنفر الغرائز والعصبيّات وتُرفع شعارات الممانعة والمقاومة ومقارعة العدوّ الصهيوني، بل وشعارات التصدّي للشيطان الأكبر (أميركا) أو الأصغر (إسرائيل)، في حين يعمل مشروع النفوذ الايراني على مفاوضة أميركا وحتّى إسرائيل بطرق ملتوية لإيهام الرأي العام العربي والإسلامي بأنّ الوحدةَ الإسلاميّة هي الهدف وتحرير القدس بمساجدها وكنائسها هو الغاية، في الوقت الذي يفتّت المشروع الإيراني الوحدة الوطنيّة في عدد من الأقطار العربيّة ويمزّق المسلمين ليكونوا شيَعاً وفرقاً تستحضر سلبيات الماضي وثغرات التاريخ لقلبِ الحقائق وتزوير الهويّة العربيّة وتشويه العقيدة الإسلاميّة، لإعادة الدور المفقود للفارسية السياسيّة التي كانت على الدوام أرضاً خصبة لكلّ الشعوبيّات والفرَق التي أساءت إلى العرب وشوّهت رسالة التوحيد.
ولذلك فإنّنا على يقين في أنّ المشروع الإيراني المتمثّل بـ»حزب الله» وحلفائه لا يمكن له أن يخترق الساحة في عكّار ومناطق الشمال، وستنتصر بيروت لعروبتها ووحدتها الوطنيّة، وستؤكّد عكّار وطرابلس وكلّ الشمال أنّ صباح يوم 7 أيّار هو اليوم المجيد لكلّ معاني الوحدة الوطنيّة، والعيش المشترك، وهو يوم العروبة الحضاريّة والاعتدال والوسطيّة، وهو بداية نهوض الدولة ومؤسّساتها، وانحسار مشروع الدويلة وميليشياتها، لتبقى الدولة وحدها هي صاحبة السيادة على أرضها، وهذا ما يريده المواطن في لبنان، وما تسعى إليه كلّ القوى التي تحلم بلبنان الذي هو ملتقى أتباع الديانات التي أنزَلها الله تعالى لعبادة الله الواحد الأحد، والفرد الصمد، وخدمة الإنسان، أيّاً كان هذا الإنسان، وهذا ما يطمح إليه لبنان وطن الإيمان و كرامة الإنسان.