Site icon IMLebanon

أنا أرتشي… إذاً أنا بقرة!

كتب جوزف طوق في صحيفة “الجمهورية”: 

دكتور أنا مش بقرة… وأنا لم آتِ لزيارتك إلّا بعدما زاد خوفي بشكل كبير، وخصوصاً في الفترة الأخيرة، فأنا لم أعد أحتمل التغيّرات النفسية وحتى الجسدية المهولة التي بدأتُ أشعر بها. العوارض بدأت في الظهور منذ نحو شهرين أو ثلاثة، وبتُّ أشعر بها فعلياً في كلّ مرّة أشاهدُ فيها التلفزيون، أو عندما يكون عندي مشوار طويل على الطرقات المدروزة شعاراتٍ ووعوداً وصوَرَ مرشّحين.

لكن حتى لا أخفي عنك دكتور، القصّة بدأت حقيقةً عندما دعاني أحد المرشّحين لتناولِ الغداء معه، ولا أعرف كيف أقنعني بدفع كمبيالات كنتُ مكسوراً عليها… وأنا في وقتها، وللأمانة، اعتبرتُ الأمر طبيعياً للغاية ومِن ضمن السياق الانتخابي العادي. ولكن في اليوم التالي، بعد ما استيقظتُ من النوم شعرتُ بأنّ صوتي قد تبدّل ولم أعد أعرفُ نبرته، وعندما كنتُ أتحدّث مع الناس كنت ألاحظ أنّهم لا يفهمون عليّ أبداً، وكأنّ صوتي تحوّل إلى خوار.

خفتُ، هربتُ من الناس والتجأتُ إلى البيت أشاهدُ أيَّ شيء يَعزلني عن السياسة، ولم أفهم حالتي إلّا عندما كنتُ أشاهد وثائقياً عن عذابِ الأبقارِ في صناعة الحليب ومشتقّاته، شعرتُ بأنني معنيٌّ بالأمر لدرجة أنني بكيتُ على ألمِ الأبقار لكثرة حلبِها، وتماهيتُ معها كما لم يحصل معي في حياتي.

وصراحةً، لا أعتقد أنّ هناك مواطناً ينتمي إلى أيِّ بلد في العالم يمكنه أن يشعر بما شعرتُ به لدى مشاهدتي الأبقار. هل نكبر ونحلم ونشقى ونسعى حتى تصبحَ حالُنا وحالُ الأبقار واحدة؟ غريبٌ أمر هذا الزمن الذي استطاع أن يحوّل رجلاً مثلي إلى بقرة. خلال النهار صرتُ أحلم بالحشيش الأخضر وأشعر بطعمه تحت أضراسي، وفي الليل صرتُ أحلم بأنني خروفٌ يطير من بين القطيع ليقطفَ طموحَه من بين الأشجار. أرجوك يا دكتور طمّني، ما هو تشخيصُك لحالتي؟ أحتاجُ لمساعدتك حتى أرتاح وأعود إلى طبيعتي.

سكتَ الطبيب لفترة طويلة وطلب منّي العودة بعد أسبوع حتى تتسنّى له دراسة حالتي الفريدة وإعطائي تشخيصاً واضحاً. ولدى عودتي قال لي: يا ابني، لو كان زمنَ انتخابات لبنانياً عادياً كان من المفروض أن تتحوّلَ إلى ثور، لكنّك قبلتَ على نفسِك أن تتحوّلَ إلى بقرة تسمح للمرشّح الاستمتاع بحلبِها ومن ثم ذبحها وسلخها وتقطيعها قبل بيعها بالمفرّق.

وأنا بحكمِ دراستي ومِن بعد الكثير من الأبحاث اكتشفتُ أنّ أقرب تشخيص إلى حالتك الحالية هي «متلازمة ستوكهولم» (Stockholm Syndrome) حيث تبدأ الضحية تطوير مشاعر تعاطف مع جلّادها، ولكنها لا تنطبق مع حالتك الفريدة المريضة، ولذلك أنا مضطرّ إلى ابتداع تسمية جديدة لهذه الحالة اللبنانية وأطلِق عليها إسم «متلازمة بيروت» (Beirut Syndrome)، وفي هذه الحالة الطبّية، تكون الضحية بمثل حالتك تعيش كحمار طوال أيام السنة وفجأةً تبدأ بالتطوّر خلال موسم الانتخابات إلى بقرةٍ حلوب تبحث عن من يَسلخها وتشعر بالتعاطف معه.

لا شكّ في أنّ المعلّم الأكبر سيغموند فرويد يتقلّب في قبره الآن من فرادة تعقيداتنا النفسية والعقلية، وحتى تشارلز داروين يقف في مِثل هذه الفترات العصيبة من تاريخ البشرية أمام الانتخابات اللبنانية ويقول «يمكن الإنسان أصله قرد، لكن من المؤكّد أنّ المرتشي مستقبله بقرة».