كتب ناصر شرارة في صحيفة “الجمهورية”:
الكلمة المتلفزة الأخيرة للأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله في الموسم الانتخابي سيوجّهها في 29 من الشهر الجاري الى الناخبين الشيعة في دائرة بعلبك ـ الهرمل، ويُتوقع أن تتّسم بنبرة عالية، بهدف شدّ العصب الانتخابي لديهم لأعلى نسبة ممكنة.
تسود داخل الحزب قراءةٌ سياسية حول رؤيته للمعركة الانتخابية في بعلبك ـ الهرمل، وهي بكل الاعتبارات تبدو لافتة لجهة مدى أهمّيتها بالنسبة اليه.
وفي صلب هذه القراءة، توجد مقاربة متكاملة تركّز على اعتقاد الحزب بأنّ «الحربَ الناعمة» الخارجية ضده، تتّسم بأنها تسعى بعناد عبر تبنّيها مروحة عقوبات، الى خلق حالة إرباك في العلاقة بين الحزب وقاعدته الاجتماعية توصّلاً الى زعزعة تحالفها معه.
وخصوصية منطقة بعلبك ـ الهرمل ضمن هذا الهدف، تكمن في أنها تشكّل النقطة الرخوة داخل ديموغرافيا قاعدة الحزب الشيعية، ولا يعود ذلك لكون ابناء بعلبك – الهرمل، اقلَّ وفاءً في دعمهم من بقية ابناء مناطق الشيعة الاخرى، بل لأنّ ظروف هذه المنطقة صعبة وتركيبتها الاجتماعية حساسة ومعقّدة وسجلّها راهناً كما بالأمس، مليء بنتائج انعكاسات مشكلات تقصير الدولة في حقها. لكنّ الحزب يعتبر أنّ الاصوات التي تُحمّله مسؤولية استمرار التقصير في حق بعلبك ـ الهرمل، ليست مُحِقة.
فالحزب ـ ودائماً بحسب قراءته عينها- موجود في هذه المنطقة منذ العام 1981، بدايةً عبر الحرس الثوري الإيراني ولاحقاً بنحوٍ مباشر. وطوال هذه الفترة قدّم الحرس والحزب كثيراً لأبنائها بغية جعلهم قادرين على تجاوز ضائقتهم، وذلك على مستوى التدفئة ومُنَح التعليم وتعويض مواسمهم الزراعية التي غالباً ما تواجه مشكلاتِ جفافٍ وسوءَ تخطيط على مستوى تصريف إنتاجها.
ويستنكف الحزب عن التصريح بهذه الوقائع في حوارته مع ابناء بعلبك – الهرمل، حتى لا يتّهموه بأنه يمنّنهم، على رغم أنّ بعض قياديّيه يطرح حالياً ضرورة التذكير بها لرفع الحيف عن «حزب الله».
والواقع أنّ رؤية الحزب لموقع بعلبك – الهرمل كنقطة رخوة دخل داخل بيئته الاجتماعية تستهدفها «الحرب الناعمة» الخارجية ضده، جعل قيادته، وفي مقدّمها السيد نصرالله، توليها عناية خاصة لحالة الاعتراض الاجتماعي فيها، في مناسبة استحقاق الانتخابات النيابية.
ويعتبر الحزب أنه يخوض «امّ المعارك» في بعلبك – الهرمل لإثبات أنّ مشروعه محصّنٌ داخل قلعته الشيعية الاجتماعية وليس فيها ثغرات.
ويتعامل الحزب مع أرقام الاقتراع الشيعي في بعلبك – الهرمل بصفتها «اصواتاً ثمينة» سياسياً، وذات مدلولات اجتماعية استثنائية، وستؤشر نسبُها المتوزّعة ضده أو معه في صناديق الاقتراع الى مدى قدرته على التعامل بنجاح مستقبلاً مع مخططات خارجية مقرَّرة، وهي قيد التنفيذ، تريد إستهدافه من خلال تناقضات موجودة داخل بيئته.
وضمن هذه الرؤية لبعلبك ـ الهرمل التي باتت تختزن صوت الناخب الثمين للحزب، بالاضافة الى تعريفها كخزان بشري للمقاومة، يحرص الحزب على التعامل بتقنية «الجوهرجي» مع كل تفصيل انتخابي فيها.
فبداية كان نظر بارتياح الى خطوة انسحاب الرئيس حسين الحسيني من السباق الانتخابي ضده، فالأخير يمتلك ميزتين مزعجتين للحزب، أولهما حجمه الانتخابي الشيعي المقدّر بـ 4500 صوت، والثانية قدرته على توحيد جزءٍ غير قليل من الاعتراض الشيعي المقدّر بعشرين الف صوت، والمشتّت بجزءٍ منه، فيما القسم الآخر الأكبر منه لا يترجَم في صناديق الاقتراع.
وفي المستوى نفسه، ولكن المشوب بالانزعاج قارَب الحزبُ خطوة ترشيح يحيى شمص على لائحة تيار «المستقبل» و»القوات اللبنانية». فموقع شمص داخلها يدشّن رحلة تفاعل بين الشيعة المستقلّين في هذه المنطقة وبين قوى سياسية لديها كتل نيابية على مستوى لبنان، ولديها على الاقل حاصل انتخابي، ولو غير شيعي، في بعلبك – الهرمل.
سيضيف المستقلّون الشيعة الى لائحة «المستقبل» ستة آلاف صوت، من أصل اصوات الشيعة المعترضين والمشتّتين المقدّرين بعشرين ألفاً، والموزّعين في خريطة اجتماعية متناثرة، تتكوّن من «دفرسوارات» داخل كبريات عشائر المنطقة: آل جعفر 6000 صوت، آل ناصر الدين المجتمعين سكنيّاً والمتفرّقين الى اتّجاهاتٍ سياسية 6000 صوت.
وآل شمص 4000 صوت ربعهم يتوقع اقتراعهم ليحيى شمص. أخطر سيناريو كان يواجه الحزب خلال بداية المعركة الانتخابية في هذه الدائرة هو توحّد بعض هذه العشائر وراء لائحة خاصة بهم، حيث إنّ قدرتهم على حشد عشرة آلاف ناخب ستكون كفيلةً بإحداث تغيير في المعادلة السائدة.
عدا ذلك فإنّ الحزبَ ينازل خصومَه الشيعة من العشائر متفرّقين، ولكنّ هؤلاء سيتركون في صناديق الاقتراع رسالةً مزعجة للحزب، وهي أنّ كل لائحة في بعلبك ـ الهرمل، بغض النظر عن هويّتها السياسية، يكون فيها ستة مرشحين شيعة قادرة على تحصيل 6 آلاف صوت.
ومع بلوغ مسار معركة بعلبك ـ الهرمل ربع الساعة الأخير، فإنّ الحزب اصبح معنيّاً أكثر بتأكيد قوّته في هذه الدائرة:
فمن جهة أولى سيتم اختبارُ مدى قدرة اطلالة نصرالله المتلفزة لمخاطبة ناخبي بعلبك – الهرمل على تحقيق خطة تنفيذ تسونامي تصويت شيعي فيها، يرفع نسبة اقتراعهم من 52 في المئة (120 ألف صوت) الى نسبة استثنائية – وخالية بنظر البعض- تربو على 71 الى 76 في المئة (150 الف مقترع شيعي). وفي هذه الحال يمكن الحزب حصد 9 من 10 مقاعد.
أمر آخرسيكون محلَّ اختبار، وهو نسبة المقترعين الذين يمكن الحزبُ التحكّم بأصواتهم التفضيلية. وبحسب تسريباتٍ ذات صلة بهذه النقطة، فإنّ نسبة 40 في المئة من المقترعين للحزب في كل لبنان، هم خارج سلطته التفضيلية.
وبتطبيق هذه النسبة على ارقام بعلبك ـ الهرمل، يظهر أنّ من اصل 120 ألف مقترع شيعي فيها (حسب نسبة التصويت 52 في المئة) تبلغ حصة الحزب نحو 100 ألف صوت، منهم 60 ألف صوت يديرها بـ»التكليف الشرعي»، أما الثلاثون ألفاً المتبقية فهي للمناصرين ولا تخضع لتطبيقات هندسته لتوزيع الصوت التفضيلي. وقبل أيام بدت هذه الجزئية مهمة، جراء نقاش دار حول مَن سيحتلّ المرتبة الاولى في لائحة الحزب: حسين الحاج حسن أم اللواء جميل السيد؟.
ليس مستساغاً لدى الحزب – لأيّ اعتبار- أن يكون أوّلَ الناجحين على لائحته شخصية لا تنتمي حزبياً اليه، علماً أنّ بعض الاستطلاعات لحظت تقدّم اللواء السيد مستفيداً من إمكانية أن ينال اصواتاً تفضيلية من المقترعين الـ 40 في المئة المناصرين للحزب. اضافة الى رفده بأصواتِ شيعة القصير اللبنانيين الذين حتى اللحظة هناك تباين حول تقديرهم: 4 آلاف صوت حسب تقديرات مستقلّة، و7 آلاف صوت حسب ماكينة الحزب.