كتبت ساسيليا دومط في “الجمهورية”:
البارانويا هو مرض نفسي وعصبي شائع، يُعرف أيضاً بجنون الإرتياب، جنون العظمة، وهذيان الإضطهاد. من الصعب الكشف عن هذا المرض لأنه لا يترافق مع تخيّلات صوتية أو بصرية.
لا يعرف الفرد بأنه مريض، وتراه يتصرّف بشكل طبيعي، ويتواصل بشكل مميّز، إلّا أنّ ما تلاحظه هو أنه لا يطمئنّ للآخر ويسيء الظن بكل مَن حوله، فهم يريدون أذيّته ويدبّرون له المكائد، وكل إشارة يقومون بها تشعره بأنه مستهدَف، وهو لا ينفكّ يرسم سيناريوهاتٍ تُحاك ضده. عنيد لا يقبل النقاش والإيضاحات والتفسيرات من قبل الغير، وبأنّ ما يظنّه ليس حقيقة، بل يحوّل مَن يحاوره بالموضوع إلى متآمر جديد، ما يزيد الأمرَ تعقيداً.
يشعر المريض المُصاب بالبارانويا بأنه عظيم ومميّز وناجح جداً، متفوّق على غيره بدرجات كثيرة، لذلك يغار الجميع منه ويتآمرون عليه ويريدون أذيّته والتخلّص منه. يشكّ البارانويدي دائماً بالمحيطين به، ويعتمد على التحليلات السلبية للأمور.
هو في حالة شكٍّ لا تنتهي وكرهٍ للجميع، ما يدفعه إلى الإنعزال والتزام البيت أحياناً، إذ إنّ الأهل والأشقاء والأصدقاء يريدون الإيقاع به لشدّة أهميّته. لا ثقة للمصاب بجنون الإرتياب بالمسجّلات الصوتية، ولا بوسائل التواصل الإجتماعي والهواتف والكاميرات، فهو معرّض للتجسّس والملاحقة.
يبحث عن أدلّة وبراهين تُثبت تهيّئاته ووجهة نظره، وبالتالي قد يؤذي مَن حوله لأنه يدافع عن نفسه ممّن يحاولون الإيقاع به، وذلك عندما يحاولون أن يشرحوا له الحقيقة. قد يستعين بالكاميرات وأدوات التنصّت عن تعمّد للحصول على أدلّة، وكلما فشل في ذلك تزيد حماسته للمزيد من المتابعة.
إذاً أعراض البارانويا هي الشعور بالإضطهاد، سوء الظن والشك، العدوانية والإنعزال، بالإضافة إلى شعوره بالعظمة والتميّز والتعالي والتفوّق على الآخرين، يعتقد بأنه شخصية مميّزة ونادرة، يجب أن يخضع له الجميع وبأنه ذات نفوذ مطلق. قد يشعر بالذنب وبأنه سببُ المصائب والكوارث الطبيعية إلى درجة الإنتحار كعِقاب. كما أنه يشكّ بإصابته بمرض خطير لا يمكن الشفاءُ منه، على رغم صحة التحاليل الطبّية.
علاقته بالناس تقوم على السيطرة والقوة والقدرة؛ يريد تحقيق انتصارات على أعداء وهميّين. يشكّ كثيراً بالشريك، يستعمل الآخرين للتجسّس عليه، وقد يصل إلى أعلى المراكز بسبب توقه الكبير للسلطة. يعاني الجميع من صعوبة التعاطي معه، وهو غير عفوي، يفرض القيود ويسبّب المشكلات أينما حلّ.
الأسباب
غالباً ما يظهر البارانويا في البيئة غير المتماسكة، حيث يغيب الحبّ والتعاطف. كما قد يؤدّي التعرّض للخيانة والغدر إلى التسبّب بصدمة، قد تؤدّي إلى هذه الحالة، بعد فقدان الثقة بالغير والحذر الشديد منهم. كما قد يكون نتيجة للوحدة والقلق الشديد والخوف، وقلّة ساعات النوم والراحة، مع عدم إغفال دور المواد الكيماوية من أدوية ومخدرات وكحول.
وللعامل الوراثي دور، إذ يمكن أن يكتسب أفراد العائلة هذا المرض من خلال التربية، والمشاهدة لطرق التحليل السلبي للأحداث، وتوقّع الأذى من الغير. كما قد يؤدّي التعرّض للعنف في مرحلة الطفولة أو فقدان الأهل أو الحروب والمآسي، إلى مرض البارانويا.
نصائح للمحيطين
يقع المحيطون بحيرة من أمرهم في ما يخصّ المريض، فهم يريدون له الشفاءَ والتحسّن، إلّا أنه يضعهم بسرعة في خانة المتآمرين، لا يقبل ملاحظاتهم ولا توجيهاتهم ولا العلاج، هو شديد التأكد من التهيّؤات التآمرية ضده. تقع على الأهل والعائلة مسؤولية كبيرة، إضافة إلى قرار المبادرة بالمساعدة التي يرفضها.
أولاً: من المهم جداً الملاحظة بأنّ مريض البارانويا يبالغ في الشكّ والتصوّر والتحليل السلبي لتصرّفات مَن حوله، وهو يشرك بعض المقرّبين بمخاوفه ويطلب مساعدتهم في كشف المؤامرة وحمايته، كما يبلغهم بالتهديدات غير المنطقية التي يتلقّاها.
ثانياً: لا تصرّ على إقناع المصاب بالبارانويا بأنّ ما يعاني منه هو حالة مرضية، فهو غير واعٍ لذلك، وسوف يشكّ بأنك متواطئ ضده، أو سوف يحاول إقناعك دون ملل بصوابيّة شكوكه.
ثالثاً: قد يؤذي المصاب بالبارانويا مَن حوله لأنه يدافع عن نفسه، ومحاولة شرح الحقيقة سوف تشعره بالعدوانية والغضب.
رابعاً: سيكون من الصعب قبوله بالتوجّه طلباً للعلاج.