تم تداول مقطع فيديو على الإنترنت الإثنين 30 نيسان لطائرة دون طيار تراقب قافلة مكونة من سيارتين تسيران باتجاه الشمال، شرق الحديدة، في اليمن. ينحرف هدف الطائرة، وهي سيارة تويوتا لاند كروزر زرقاء، على جانب الطريق. وبعد ثوان، يتم ضرب السيارة بصاروخ “بلو أرو 7” الصيني الصنع.
يكبح سائق السيارة الثانية فرامل سيارته بعنف، ثم يهرع هو ورفاقه إلى السيارة المنكوبة التي تحولت إلى لهيب من النيران. يأتي أمر الضابط من غرفة العمليات للطائرة بأن “تحدد الهدف”. يسرع الناجون بالابتعاد عن حطام السيارة، ولكن يأتي أمر الضابط إلى الطائرة “اقتلهم! اقتل هؤلاء الناجين أيضا”.
في تمام الساعة الثانية والدقيقة الثانية ظهرا، يُسمع صوت الضربة الثانية. ضجت غرفة القيادة تصفيقا لنجاح العملية “ضربة جيدة! لقد أصبنا سيارته”.
كان مقتل صالح الصماد، رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، في غارة بطائرة دون طيار نفذتها قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، بمثابة انعكاس لدقة وتطور القدرات العسكرية للتحالف.
لا يزال تاريخ الضربة غير واضح حتى الآن. فقد أعلن الحوثيون وفاة الصماد الاثنين، بينما أفادت العديد من وكالات الأنباء الغربية أنه قُتل الخميس الذي يسبقه. لكن جنازة الصماد أقيمت السبت الماضي، ما يدل على أن الضربة التي قتلته وقعت على الأرجح الأحد 22 أبريل.
تأتي وفاة الصماد في الوقت الذي يدخل فيه اليمن عامه الرابع من الحرب الأهلية. ففي عام 2014، سيطر الحوثيون على شمال غرب البلاد، بما في ذلك العاصمة صنعاء. وفي العام التالي، بدأ تحالف بقيادة السعودية، يضم الإمارات العربية المتحدة، عمليات عسكرية لإسقاط الحوثيين في نزاع أسفر عن مقتل أكثر من 10 آلاف شخص في اليمن.
وتسلط هذه الضربة، التي تعد أول اغتيال ناجح لأحد الشخصيات البارزة في ميليشيا الحوثيين المتمردة، الضوء على الحزم العسكري المتزايد لقوات التحالف، وفي القلب منها القوات الإماراتية.
فمنذ عام 2016، تحاول الإمارات إثبات نفسها كشريك رئيسي للغرب في حملته لمكافحة الإرهاب في المنطقة، في الوقت الذي تدعم فيه قدراتها العسكرية من خلال عقد صفقات الأسلحة مع بكين. ويقول فارع المسلمي، الزميل المشارك في مركز الأبحاث الملكي “تشاتام هاوس” في لندن “الإماراتيون يعملون بجد حتى يصبحوا اللاعب الجديد في المنطقة، سياسيا وعسكريا. لم يعودوا يريدون البقاء للعب نفس الدور. في اليمن واحدة من المعارك التي يعتقدون أنها يمكن أن تحسن من أدائهم وقدراتهم”.
وقد استثمرت الإمارات بكثافة في المساعدات العسكرية للقوات التي تدعمها قوات التحالف في اليمن. فقد شيدت وحدات أمنية مختلفة، ينظر إليها من قبل الأمم المتحدة على أنها قوات بالوكالة، لمحاربة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية على الساحل الجنوبي.
والآن، توجه الإمارات جهودها لدعم طارق صالح، نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، الذي يقود هجوما لاستعادة ميناء الحديدة الاستراتيجي من الحوثيين. ويقول قائد كبير لقوات التحالف البرية التي تتقدم من ميناء المخا “في الأيام الأخيرة، كنا نراقب عن كثب تحركات قيادة الحوثيين”.
أما الضربة التي قتلت الصماد فكانت جزءا من هجوم التحالف بقيادة السعودية على الحديدة. حتى أن السفير السعودي لدى الولايات المتحدة، الأمير خالد بن سلمان، غرد على تويتر قائلا عن هذه الضربة إنها كانت ردا على هجمات صواريخ الحوثيين.
وكتب السفير السعودي أن الصماد تعهد قبل أسبوعين بجعل عام 2018 عام الصواريخ الباليستية على السعودية. وردا على مزاعمه، لقي مصرعه إثر ضربة مباشرة. وقال تقرير نشر في مجلة “فورين بوليسي” الأميركية إن معلومات استخباراتية عن الهجوم تم توجيهها من خلال قوات طارق صالح. وخاض الرئيس الراحل على عبدالله صالح، الذي تمت الإطاحة به من الحكم في عام 2011 خلال ما يعرف بالربيع العربي، حربا استمرت 10 سنوات ضد حركة التمرد الحوثية التي لا طالما حاولت الإطاحة بالحكومة.
وفي عام 2014، دخل صالح في شراكة مع الحوثيين كوسيلة فعالة لتقويض خليفته، الرئيس عبدربه منصور هادي. ومع ذلك، في أواخر العام الماضي، وبعد معركة شرسة حدثت في العاصمة انهارت هذه الشراكة، ما أدى إلى وفاة صالح.
وكنتيجة لذلك، اضطر طارق صالح وقواته إلى اللجوء إلى دولة الإمارات، حاملين معهم ملفا تعريفيا مفصلا بالأعمال الداخلية للحوثيين.
يشرح أحد كبار قادة التحالف المشرف على العمليات لاستعادة الحديدة “ما زلنا نحافظ على علاقات مع بعض الحوثيين. ففي بعض الأحيان، تتوافق أهداف أجنداتنا”.
لم يكن اغتيال الصماد حادثا معزولا، إذ أن عددا من الشخصيات الحوثية البارزة التي تربطها علاقات قوية مع صالح قد قُتلت مؤخرا، ومن بينها قائد القوات البحرية الحوثية منصور السعيدي، ونائبه صلاح الشرقي، والضابط الكبير في وحدة الصواريخ الحوثية ناصر الغباري، ورجل الأعمال وتاجر السلاح الشهير محافظ صعدة السابق فارس مناع.
ومن المرجح أن يؤدي موت الصماد إلى تفاقم الانقسامات القائمة داخل ميليشيا الحوثيين، والتي كان يسعى الصماد جاهدا للمحافظة على تماسكها.
وبدأ قادة الحوثيين بالاقتناع بأن الوقت قد حان للتفاوض وتأمين صفقة مواتية. وكان يُنظر إلى الصماد على أنه مفاوض يحظى بالثقة بسبب علاقاته القوية مع عائلة صالح. لكن مع ذلك مازال معظم قادة الحركة في المستويات الأقل يعتقدون أن هزيمة الرئيس السابق أثبتت جدوى اتباع نهج أكثر عدوانية.
لكن في نفس الوقت، كلما استمر الصراع المسلح، كلما صعدت القوات المسلحة الإماراتية كقوة محورية في منطقة تتخطفها النزاعات.
وفي اليمن، أدخلت الإمارات قائمة من الأسلحة الجديدة التي اشترتها مؤخرا من الصين. وفي العام الماضي، اشترت الإمارات من الصين الطائرة الجوية ذاتية القيادة “ذي وينغ لونغ 2”، المعادلة للطائرة الأميركية “إم كيو 9 ريبر”.
يقول جاستين برونك، باحث متخصص في القوة الجوية بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن “تميل الإمارات إلى استخدام الطائرات ذاتية القيادة، والتي رأينا أنها استخدمتها في مناطق حساسة سياسيا، مثل ليبيا، حيث قاموا بشن العديد من الهجمات الجوية”.
ويعتبر هذا النهج هو جزء من سياسة أوسع لدولة الإمارات لتوسيع النفوذ في جميع أنحاء المنطقة، من خلال بناء العديد من القواعد العسكرية على طول الساحل الجنوبي لليمن، وأيضا من خلال بناء قاعدة جوية أكبر في عصب، وإريتريا؛ ورسم خطط للتعاون الدفاعي مع الصومال.
كما تقوم الإمارات أيضا ببناء علاقات مع السودان والسنغال، وقد أرسل كلاهما قوات إلى الخطوط الأمامية في اليمن.
ويقول ضابط استخبارات في حلف الناتو إن الإماراتيين “يستثمرون كثيرا في توسيع جيشهم، حيث تقوم السعودية والإمارات بالتنسيق مع واشنطن في خطط تعزيز قدراتهما العسكرية”.
يتناغم دور الإمارات المتنامي مع مصالح الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب. وقد شهد اليمن زيادة هائلة في عدد هجمات الطائرات دون طيار منذ تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرئاسة مطلع عام 2017.
كما تشن الولايات المتحدة غاراتها الخاصة في اليمن أيضا، بما في ذلك تلك التي شنتها قوات خاصة أميركية على نطاق واسع في محافظة البيضاء في يناير 2017. وانتهت هذه الغارة، التي أدت إلى مقتل ضابط القوات البحرية الأميركية ويليام أوينز وما لا يقل عن 16 مدنيا يمنيا، بالفشل.
لكن قيام دولة الإمارات بشن غارات مباشرة باستخدام طائرات دون طيار قد يرفع الضغوط على القوات الأميركية ويُجنبها المخاطر التي قد تتعرض لها، ولذلك دعمت الولايات المتحدة جهود الإماراتيين.
ويقول خبراء عسكريون غربيون إن واشنطن شاركت في الحرب الأهلية في اليمن، حيث زودت القوات السعودية والإماراتية بالأسلحة والتدريب، بالإضافة إلى تقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي المباشر لحملة التحالف الجوية، بما في ذلك إعادة تزويد طائرات التحالف بالوقود أثناء الطيران.
لكن مقتل الصماد يمثل تحديا للحكومات الغربية. حيث دعمت المملكة المتحدة والسويد وهولندا وآخرون بقوة عملية السلام في الأمم المتحدة. ومع تنويع المملكة العربية السعودية والإمارات لمصادر أسلحتهما العسكرية، فإن ذلك يزيد أيضا من قدرتهما على العمل بطرق قد تحيد عن المصالح الأميركية.
وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي لمجلة “فورين بوليسي” “إننا نتابع التقارير التي تشير إلى مقتل الصماد الأسبوع الماضي، والذي أعلن الجيش السعودي مسؤوليته عنه”.
وكانت الولايات المتحدة قد رفضت في وقت سابق تصدير طائرات مسلحة دون طيار إلى الإمارات، لكن إدارة ترامب أصدرت هذا الشهر مجموعة جديدة من السياسات، منها تخفيف هذه القيود السابقة.
وكما ورد في هذه السياسات “سنسهل تزويد الشركاء الدوليين بالأنظمة الجوية والطائرات دون طيار في الحالات التي سيتعزز فيها أمن هؤلاء الشركاء وقدرتهم على تعزيز الأمن المشترك أو أهداف مكافحة الإرهاب”.
ومع قيام الإمارات بالفعل باستخدام طائرات دون طيار صينية الصنع في مهمات قتالية، ومع تزايد التواجد الصيني في جيبوتي، يمكن أن يصبح الخليج جبهة جديدة في صراع الولايات المتحدة أمام تزايد النفوذ الصيني في المنطقة.
وفي غضون ذلك، تترتب على حرب الإمارات عواقب على أرض الواقع في اليمن. إذ أن خليفة الصماد، مهدي المشاط، الذي تم تعيينه الاثنين، متشدد وله صلات واسعة بحزب الله في لبنان.
ويزعم علي البخيت، وهو شخصية بارزة سابقة في جماعة الحوثيين، ويعيش الآن في عمّان بالأردن، أن التطرف يتزايد في الحركة الحوثية. ويقول البخيت “المشاط هو القطب المعاكس لسلفه؛ فهو يفتقر إلى اللباقة السياسية، وهو دائم التهديد ويفتقر إلى الدبلوماسية. هو لا يبني العلاقات، لكنه يدمرها”.