كتبت ملاك عقيل في صحيفة “الجمهورية”:
بين إعلان النائب وليد جنبلاط، قبل أيام من فتح صناديق الاقتراع، ما يشبه حال الطوارئ معتبراً أنّ «مصير وجودنا يكمن في تسجيل أعلى نسبة تصويت» وبين تحذير النائب وائل أبو فاعور الدائم من قانونٍ مسخٍ «سنّه وصنعه وعمل لأجله عقلٌ مسخٌ يريد أن ينقلب على «إتفاق الطائف» الذي صنعه رفيق الحريري ونبيه بري ووليد جنبلاط» يتّضح مدى إستياء زعيم المختارة من «مشروع محاصرته»، كما يصفه. في الجبل بات الكلام الجنبلاطي «على المكشوف» عن «شعاراتهم الحاقدة والبغيضة والمعادية للمصالحة والكاذبة حول الإصلاح»!
أثار كلام الوزير جبران باسيل السبت الماضي في مهرجان «التيار الوطني الحر» للائحة «ضمانة الجبل» في بلدة حومال، في حضور رئيسها النائب طلال أرسلان، نقاشاً واسعاً في شأن مَن قَصد باسيل حين تحدّث عن «المجرم الذي يمارس الاغتيال السياسي بعد أن كان مجرمَ حرب». هل كان يقصد جنبلاط أم سمير جعجع؟ سياقُ خطاب باسيل في عاليه يُظهر أنه ضَرَب عصفورَين في حجر واحد.
لا شيءَ يمنع باسيل، خصوصاً في زمن الانتخابات، من التذكير الدائم بماضي جعجع الذي تجمعه به منذ كانون الثاني 2016 «ورقة تفاهم» عبّدت الطريق لوصول ميشال عون الى رئاسة الجمهورية. هذا ما فعله تحديداً خلال زيارته الأخيرة الى الجبل وبطريقه هاجم جنبلاط متقصّداً الردّ عليه بعدما غرّد الأخير قبل أيام على «تويتر» حاملاً على السياسيين «الذين يزرعون الحقد والكراهية ويرتكبون بذلك جريمةً بحقّ المواطنين».
في الشوف – عاليه تأخذ المواجهةُ السياسية،على خلفيّة إنتخابية، مداها الأقصى، خصوصاً بعد الزيارات المتكرّرة لباسيل الى المنطقة والتي تحمل في رأي جنبلاط، طابعَ الاستفزاز نظراً الى اللهجة الباسيلية التي يصفها الأخير بـ»الهدّامة» والمناقضة للعيش المشترك!
فور إقفال صناديق الاقتراع قبل 12 عاماً وقف جنبلاط في وجه ميشال عون واصفاً إياه بأنه «من الماضي وبأنه مشروع مسدود لن يوصل الى مكان». أخطأ زعيمُ المختارة كثيراً في التقدير، حتى وصل إلى اللحظة التي يشهد فيها على تقلّص كتلته حتّى الحدّ الأدنى بهمّة «وزير العهد».
«البيك»، الخارج بعد إنتخابات 2005 بكتلة من 18 نائباً، انصاع لمشاركةٍ «قوّاتية» ومسيحية فُرضت عليه بعد أربع سنوات في انتخابات 2009 فانخفضت الحصة الى 11 نائباً. وها هو اليوم يقضي آخر أيام العزّ الجنبلاطي مع أربعة من نوابه المسيحيين، نائبا الشوف نعمة طعمة الكاثوليكي وإيلي عون الماروني (رشّح مكانه ناجي البستاني) ونائبا عاليه المارونيان هنري حلو وفؤاد السعد (رشّح مكانه راجي السعد إبن شقيقه)، وذلك بعد أن حرمه الرئيس سعد الحريري فرصة إعادة انتخاب النائب المسيحي الخامس ضمن كتلته أنطوان سعد في البقاع الغربي، مع العلم أنّ مقعدَ جنبلاط هناك «ساقطٌ عسكرياً» أصلاً.
رَسَم جنبلاط خطاً أحمرَ هو «منع تثبيت البلوكات الطائفية المغلقة في الجبل التي تناقض فلسفة قيام «اللقاء الديموقراطي» وروحية التعايش»، كما يقول دائماً.
لم يُخفِ زعيمُ المختارة يوماً هواجسه من «شهيّة» مسيحية غير منضبطة على استعادة «الوديعة»، وحتى من احتمال التلاعب بتوازنات الجبل عبر مدّ اليد على أحد المقاعد الدرزية.
في النهاية قاد التفاوض الصعب الى حلف ثلاثي في الجبل قوامه جنبلاط وتيار «المستقبل» و»القوات اللبنانية»، وبقي «التيار الوطني الحر» خارجَه مفضِّلاً التعاون مع مَن وقّع معه ميني «ورقة تفاهم» النائب طلال أرسلان، إضافة الى الحزب القومي.
لائحتان أساسيّتان من أصل خمس تتنافسان على 13 مقعداً في الشوف-عاليه. لا خوفَ على تيمور جنبلاط والنائب مروان حمادة في الشوف. هذا يعني أنّ ترشيحَ االوزير السابق وئام وهاب، من ضن لائحته غير المكتملة، هو فقط لإثبات الوجود وتسجيل رقم لـ «الاستثمار» في مرحلة ما بعد الانتخابات. وكذلك لا حظوظ للّائحة المدعومة من «الكتائب» و«الأحرار» ولائحة «المجتمع المدني». أكرم شهيب في عاليه مرتاح خصوصاً مع ترك لائحة جنبلاط المقعد الدرزي الثاني شاغراً لأرسلان. درزياً جنبلاط في منطقة الأمان، لكن ماذا عن حصته المسيحية.
في الشوف يتواجه صديقُ جنبلاط المرشح ناجي البستاني أولاً مع زميليه على اللائحة جورج عدوان وغطاس خوري، ثم مع الموارنة الثلاثة على لائحة التيار وأرسلان وهمّ ماريو عون وسمير عون وفريد البستاني، فيما يواجه نعمة طعمة مرشح «التيار» الملتزم غسان عطالله.
الأخير يجزم بأنّ «الفوز مضمون»، متّكئاً على ما قاله باسيل أخيراً في مهرجان الدامور من «أنّ استعادة الحقوق والكرامة والمرجعية سيقوم بها أصغر شاب في الشوف هو غسان عطالله».
ويرى عطالله أنّ «نجاح طعمة سيكون ممكناً في حالة واحدة إذا أسقط جنبلاط درزياً في لائحته»، مشيراً الى أنّ «الاصوات التي نالها طعمة في دول الخليج قد تمّ تعويضُها بأصوات الناخبين في أوروبا لمصلحتي»، حاملاً على «سياسة المكارم التي يرفضها أهالي الشوف. نحن لا يهمّنا ترميم طعمة للكنائس بل مساءلة مَن دمّرها».
طعمة قد يكون من أكثر النواب نشاطاً واحتكاكاً مع متطلبات الأرض لكن بلا إعلام و»تمنين». النائب الصامت مرتاح لأنّ صيته يسبقه ولا تعوزه حملاتٌ انتخابية، والأهمّ لأنه خدم الجميع بلا تمييز ولم يساوم يوماً على مسيحيّته، كما يقول.
في عاليه مرشحا جنبلاط هنري حلو وراجي السعد في معركة صعبة في مواجهة وزير الطاقة سيزار ابي خليل بالدرجة الأولى وعماد الحاج. وأنيس نصار عن المقعد الأرثوذكسي في مواجهة الياس حنا «العوني». لكن طبعاً، «بفضل» الصوت التفضيلي، «حربُ» أيّ مرشح هي أولاً ضد «جيرانه» في اللائحة وكل المرشحين على اللوائح الأخرى وليس بالضرورة ضد غريمه عن «مقعد الطائفة».
للمرة الأولى في تاريخ انتخابات المختارة أعلنها جنبلاط حرباً لرفع نسبة التصويت. التعويض عن عدم إقامة مهرجان مركزي في الجبل يتمّ من خلال «الشغل» على كل صوت بصوته، فيما يعاني جميع مرشحي جنبلاط من كافة الطوائف من «حِمى» التفضيلي ما خلق حساسيات عالية ضمن اللائحة الواحدة وصل بأحد النواب الى حدّ التحذير من «الغدر والخيانة»!
لا ينكر الاشتراكيون أنّ غطاس خوري «هو «تقّالة» على اللائحة إذ لا حيثية لديه على الأرض»، أما مؤيّدو الأخير فيؤكّدون العكس وأهالي الشوف «شاهدون على ذلك». فيما مرشح «القوات» جورج عدوان في منطقة الأمان، وكذلك مرشح «التيار» ماريو عون.
في المقابل، يروّج ناجي البستاني لإنطلاقه من 8 آلاف صوت، بهمّته الشخصية ما يعني أنّ فوزه «سهلٌ نوعاً ما». وبالتأكيد، يعاني «الاشتراكي» في الأساس من ثغرة عدم تمثيل ساحل الشوف وبرجا، ما يوسّع دائرة الإختراق من جانب لائحة «التيار»-أرسلان.
في عاليه هنري حلو من الخطوط الحمر لدى جنبلاط تماماً كطعمة والبستاني. لكنه يقول: «لن أرتاح قبل سماع النتائج، مع العلم أني أحظى بدعم «اللقاء الديموقراطي» و»الاشتراكي» ولديّ كامل الثقة بهم لإنجاح مَن معهم، لكنّ الصوت التفضيلي يفرض الاستنفار الدائم». أما راجي سعد الذي صدر تعميمٌ حزبي داخل «الاشتراكي» بمنح أصوات الاغتراب له فقط، فهو مشروع «شهيد» على اللائحة حيث يُعتبر فوز سيزار ابي خليل مضموناً.
ويعتبر مدير البلمند في سوق الغرب أنيس نصرالله، المرشح المدعوم «قواتياً»، من القريبين من جنبلاط، وهو حسب أوساط «الاشتراكي» «محبوب في عاليه وصاحب حيثية».