كتبت هديل فرفور في صحيفة “الأخبار”:
نسبة المباني والشقق الخالية في منطقة رأس بيروت هي الأعلى مقارنة بأحياء أخرى في العاصمة. هذه هي الخلاصة الأبرز التي توصّل اليها «مرصد السكن» أخيراً، لافتاً الى أن نحو 20% من الوحدات السكنية في هذه المنطقة شاغرة، لأسباب متعددة أهمها الإخلاءات التي تسبب بها قانون الإيجارات الجديد في السنوات الثلاث الماضية.
«المرصد» الذي تأسس أخيراً ويعمل على توثيق التحوّلات السكنية خصوصاً في بيروت، يعزو السبب الرئيس وراء هذا «الفراغ» إلى عمليات الإخلاء الممنهجة التي شهدتها أحياء المنطقة بسبب الحرب الأهلية اللبنانية أولاً، والإخلاءات الناجمة عن الفجوة بين العرض والطلب في السوق العقارية، فضلا عن إخلاء المُستأجرين القُدامى بفعل قانون الإيجارات الجديد أخيراً. وتُظهر الأرقام أنّ 32% من الوحدات السكنية التي تم إخلاؤها أو تلك المُهدّدة بالإخلاء، حصلت بعد صدور قانون الإيجارات الجديد، «أي في فترة زمنية قصيرة لا تتعدّى الثلاث سنوات»، بحسب «المرصد» الذي أشار إلى أنه «رغم كثافة الإخلاءات التي كانت تحصل بضغط السوق، إلّا أن القانون الجديد شكّل وسيلة ضغط كبيرة على السكان وأداةً للإخلاء الممنهج».
واللافت أنه من بين 27 مبنى شهدت حالات إخلاء وتهديدات بالإخلاء، هناك تسعة مباني أُخليت أو تعرّضت للتهديد بالإخلاء بدواعي الهدم، لكن عدداً منها لم يُهدم، «الأمر الذي يخوّل المستأجرين القُدامى قانوناً أن يطالبوا بمزيد من التعويض». إذ أن قانون الإيجارات نصّ على منح المُستأجر الذي يخلي المأجور بداعي الهدم 25% من قيمة تعويض الإخلاء الأساسي في حال لم يُهدم المأجور الذي أخلاه.
هذا الواقع ينسجم والمخاوف التي طرحها المُستأجرون القُدامى إزاء تداعيات القانون المُثير للجدل، لجهة «تهجير المُستأجرين القدامى لمصلحة المُضاربين العقاريين والشركات الإستثمارية»، على حدّ تعبير لجنتهم. فمن بين 27 مبنًى مثلا، أخليت ثمانية مبانٍ بعد إنتقال مُلكيتها من المالكين القدامى إلى مستثمرين جدد. والحديث هنا يدور عن إخلاء 156 عائلة كانت تقطن في رأس بيروت، فيما هناك نحو 18 عائلة مُهدّدة بالإخلاء.
يُشار في هذا الصدد إلى أنّ هناك سبعة مبانٍ جديدة (شُيّدت في السنوات العشر الماضية) شاغرة، وهي تمثّل، بحسب «المرصد»، «دليلاً على التناقض الكبير بين الشقق الجديدة المعروضة للبيع أو للإيجار من جهة، وحاجات الشريحة السكانية التي ترغب بالعيش في رأس بيروت من جهة ثانية».
وهذا الواقع هو نتاج السياسات القائمة على المُضاربات العقارية التي تُعطي الأولوية لمصالح المُستثمرين العقاريين على حساب الحق في السكن والنسيج الإجتماعي المديني. إذ بات عدد الشقق السكنية أكثر بكثير من عدد القادرين على السكن فيها. وفي هذا السياق، يطرح «استديو أشغال» الذي يدير «المرصد» تساؤلاً مفاده: «لمن نُعمّر إذاً في المدينة؟»، طالما أن سكانها لن يتمكّنوا من العيش فيها.
بحسب أرقام «المرصد»، هناك نحو 11 مبنىً في المنطقة خالية منذ سنوات الحرب الأهلية، «وفي الكثير من الأحيان تعود ملكية هذه المباني إلى مستثمرين إشتروا مباني تاريخية مهجورة ولم يشغلوها»، مُشيرا الى أن أربعة مبانٍ منها هُدمت أخيرا رغم تصنيفها تاريخية. وأشار إلى أنّ 42% من كافة الإخلاءات أو التهديد بالإخلاء (سواء كانت المباني سكنية أو محال تجارية) ارتبطت بداعي الهدم وإعادة إستثمار الأرض، ليخلص الى أنّ نسبة المباني والشقق الخالية في رأس بيروت هي الأعلى مقارنة بأحياء أخرى في العاصمة.