كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:
أن تسود «لغةُ» صناديق الاقتراع فيما «لعنةُ» صناديقِ الموت تَضْرب أكثر من ساحةٍ في المنطقة، فهذا في ذاته إنجازٌ سيَكْتُبه لبنان بعد غدٍ مع الانتخابات النيابية التي كُشِّرتْ معها «الأنياب» السياسية على امتداد الأسابيع الماضية التي تحوّلت معها البلاد مسْرحاً مفتوحاً لمهرجانات التعبئة التي «اجتاحت» الدوائر، بلدةً بلدةً، وحملتْها الشاشات بالبث الحيّ إلى داخل المنازل «بيتاً بيتاً» على وقع خطاباتِ تَحْشيدٍ لم توفّر «الأسلحة المحرَّمة» على طريقة «المَقعد وبعدي الطوفان».
6 مايو 2018 سيتوّج عملياً مساراً تَراكُمياً من «الاستنفار» السياسي و«التأهب» اللوجستي – الإداري – الأمني استعداداً لانتخاباتٍ تأتي متأخّرة 5 سنوات (بفعل 3 تمديدات لبرلمان 2009 – 2013) وأفرزتْ «ثقوباً سود» جذبتْ كل الأضواء إليها بوصْفها ستشهد على معارك بنكهة الصراع الداخلي بامتداداتٍ إقليمية الذي لم يغادره لبنان منذ 2005، وصارتْ له أبعادٌ أخرى مع انفجار صراع المَحاور في المنطقة وارتباط «بلاد الأرز» به عبر الأدوار العابرة للحدود لـ «حزب الله».
بعد غد، لن تكون «عين» بيروت لوحدها على صندوقة الاقتراع، فالعالم سيُعاين عن كثبٍ نتائج هذا الاستحقاق و«ميزان الربح والخسارة» الذي لن يتم احتسابه إلا «على مقياس» حرب النفوذ، المتعدّدة الجبهة، في المنطقة والتي يشكّل لبنان إحدى حلقاتها «الباردة»، ولكن التي يُخشى أن تدخل «حقل النار» الذي ينذر بأن يشتعل بين اسرائيل الرافضة أي وجودٍ استراتيجي عسكري لإيران في سورية، وبين طهران التي تتجنّب خسارة المكاسب الاستراتيجية التي حققتْها من الحرب في سورية لا سيما على صعيد مدّ «هلال نفوذها» وصولاً إلى البحر المتوسط عبر بغداد ودمشق فبيروت.
ومن هنا، فإن الأنظار تشخص في انتخابات بعد غد إلى ما سيخرج به «عنصرا التوازن»، ببُعده الاقليمي في المشهد اللبناني، أي «تيار المستقبل» الذي يتزعّمه رئيس الحكومة سعد الحريري و«حزب الله»، وسطَ سعي الأوّل الى الفوز بكتلةٍ وازنةٍ يستثمرها في تعزيز «مناعةِ» التسوية السياسية التي كانت أنهتْ الفراغ الرئاسي على قاعدة العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وعودة الحريري الى رئاسة الوزراء، أي المضيّ في خيار «المواجهة الناعمة» مع «حزب الله» حفظاً لاستقرار لبنان. أما الحزب فيخوض السباق الانتخابي وفي رأس أهدافه توفير «ثلث معطّل» وأكثر في برلمان 2018 بما يمنحه «شراكة» في الإمْرة الداخلية ضمن لعبة السلطة واستحقاقاتها الكبرى (مثل انتخابات رئاسة الجمهورية)، في موازاة إعطائه «الضوء الأخضر» لتكريس حقيبة المال داخل الحكومات للمكوِّن الشيعي بوصْفها صاحبة «توقيعٍ ميثاقي» في السلطة التنفيذية الى جانب التوقيعيْن الماروني (رئيس الجمهورية) والسني (رئيس الحكومة).
ومن هذه الزاوية تحديداً، يكاد السؤال عن اليوم التالي لـ 6 أيار و«صندوق أسراره» أن يطغى على «أحد الصناديق»، لا سيما مع مجاهرة «حزب الله» بمنحى لتعديل التسوية السياسية وإضفائه غموضاً مقصوداً على ملف رئاسة حكومة ما بعد الانتخابات على قاعدة ان «ليس بالضرورة أن يكون رئيس الحكومة صاحب كتلةٍ نيابية كبيرة أو نائباً حتى»، وهو الأمر الذي اعتُبر مؤشراً على أن الحزب، الذي لم يسمِّ زعيم «المستقبل» لرئاسة الحكومة الحالية بل اكتفى بـ «عدم الممانعة»، يتّجه إلى التشدد في مسار التكليف والتأليف في محاولة لفرْض شروطه الجديدة التي تعكس في جانب منها تَوجُّسه التصاعدي من «الثنائية» بين الحريري وحزب الرئيس عون (التيار الوطني الحر) والخشية من تأثيرها على إدارة السلطة وتوازناتها بوجهيْها السياسي والاستراتيجي.
وما عزّز المخاوف من تحوُّل ما بعد 6 أيار «حقل ألغام» تتشابك فيه التعقيدات، انكشاف الفتور بين «المستقبل» وحزب «القوات اللبنانية» على مزيد من الفصول رغم تحالفهما الانتخابي في عدد محدود من الدوائر. فبعد دعوة الحريري إبان جولته في الشمال قبل أيام الناخبين السنّة في قضاء البترون إلى منْح أصواتهم التفضيلية لـ «صديقي جبران باسيل» (رئيس التيار الحر) الذي يخوض في دائرة الشمال المسيحي معركةَ بوجه «القوات»، خرج الدكتور سمير جعجع ليعلن أن تسمية زعيم «المستقبل» (حليف جعجع سابقاً في 14 آذار) رئيساً للحكومة العتيدة غير محسومة «ولنترك البحث في هذا الأمر لما بعد الانتخابات»، معلّقاً على دعوة الحريري للتصويت لباسيل «لا حول ولا قوّة».
وعلى خطّ متّصل، عكستْ مواقف أطلقها الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط خلال جولة له في الشوف حجم الخلاف الآخذ في الاتساع مع «التيار الحر» وحتى العهد، إذ انتقد «السلطة الجديدة التي تريد نبش القبور بدل المصالحات، المصالحة (المسيحية – الدرزية) التي رعاها البطريرك مار نصر الله بطرس صفير، المصالحة وحلف الشجعان مع سمير جعجع، سلطة تذكّرني بالعام 1957 (إسقاط المعارضين لسياسة الرئيس كميل شمعون وبينهم كمال جنبلاط في الانتخابات)، وآنذاك يذكر كبار السن وأنا منهم كيف حوصرت المختارة، لكن من خلالكم وبالوعي لن نسمح بتكرار التاريخ، والأهمّ الانضباط في التصويت يوم الانتخابات، فهناك فرق كبير بين أن يدخل (نجلي) تيمور ومعه فريق عمل نوعي الى البرلمان، وبين أن يدخل وحيداً معزولاً كما يريدون، وأي خلل بالصوت التفضيلي وإن نجح تيمور، سقطتْ المختارة التي يريدون تطويقها مع الجبل».
ولم يحجب «قرع طبول» المعارك التي أعلنها الحريري أيضاً لـ «قفْل منزل كلّ مَن خان الطائفة ومشى ضدّها»، «التمرين» الانتخابي الذي شهده لبنان أمس باقتراع الموظفين المكلّفين بمهماتٍ في انتخابات الأحد كرؤساء أقلام وكتبة والبالغ عددهم 14 ألف موظف والذين سُجلت في صفوفهم نسبة اقتراع عالية.