كتبت ليندا عازار في صحيفة “الأنباء” الكويتية:
… كأنّها «استراحة ما بين عاصفتيْن». هكذا بدا لبنان أمس في ظلّ «الصمت الانتخابي» المُلْزِم الذي سرى ابتداءً من منتصف ليل الجمعة – السبت في الطريق إلى الانتخابات النيابية التي تُجرى اليوم لملء المقاعد الـ 128 في برلمان 2018 – 2022 والتي تستعيد معها البلاد واحداً من أبرز تعبيرات الحياة الديموقراطية ولو «على الطريقة اللبنانية».
ففي السبت الفاصل عن «الأحد الكبير»، التقَط جميع الأطراف أنفاسَهم بعد «العصْف الكلامي» (ولا سيما الخميس والجمعة) الذي لامَسَ «خطوطاً حمر» ووضع معه خطابُ «حافة الهاوية» لبنان على حافةِ استعادة مناخاتِ الحرب الأهلية التي حضرتْ «لغتُها» و«شياطينها»، وقبل «عاصفة الصناديق» اليوم بمفاجآتها المحتمَلة.
وعلى وقع «سكوت… ح نصوّت»، كان «حبْس الأنفاس» يسود حيال مسألتيْن: الأولى نسبة الاقتراع التي رمتْ القوى الوازنة بثقلها لرفْعها إلى أعلى مستوى بهدف «الحدّ من أضرار» النظام النسبي ومن تسجيل خروقٍ كبيرة في لوائحها، والثانية من انعكاساتٍ ميدانية لـ «الحلقة الجهنّمية» من التصريحات التي لفّتْ الاستحقاق في اليوميْن الماضييْن سواء بين «رفاق اللوائح» (ولا سيما في دائرة بعبدا) مثل «التيار الوطني الحر» (حزب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون) وحركة «أمل» التي يتزعّمها رئيس البرلمان نبيه بري، أو بين متخاصمين مثل «التيار الحر» والزعيم الدرزي وليد جنبلاط، أو بين «إخوة مع وقف التنفيذ» مثل «التيار الحر» وحزب «القوات اللبنانية»، أو بين حلفاء مفترضين مثل جنبلاط و«تيار المستقبل» الذي يقوده الرئيس سعد الحريري، وكل ذلك على تخوم «الحرب المزدوجة» لرفْع الحواصل أولاً، وجذْب العدد الأكبر من «الأصوات الذهبية» التي تَحمل حرَكياً اسم «الصوت التفضيلي» داخل اللوائح المقفلة، ثانياً.
وبدا واضحاً أن الحريري، الذي يخوض معركةَ تثبيت زعامته السنية في دائرة بيروت الثانية بوجه 8 لوائح، وهي المنازلة التي تجد تتمّة لها في عاصمة الشمال طرابلس حيث يواجه 7 لوائح في مسعى لكسْر حصرية زعامته في ظلّ نزول الرئيس نجيب ميقاتي في شكل رئيسي واللواء أشرف ريفي والوزير السابق فيصل كرامي كلٌّ في لائحة ضدّه، يرْمي من خلال التحشيد غير المسبوق الذي قاده شخصياً – في سياق حملةِ تعبئةٍ «باللحم الحيّ» – إلى الاقتراب ما أمكن من «الزلزال» الذي أَحدثه والده الشهيد الرئيس رفيق الحريري في انتخابات العام 2000 وعكْس كل التوقّعات ومن فوق كل محاولات إلغائه وإقصائه حينها من النظام الأمني اللبناني – السوري وتقويض البرنامج الاجتماعي – الاقتصادي الذي كان يحمله.
وفي رأي أوساط سياسية، أن الحريري الابن، الذي يَدخل أيضاً مرحلة ما بعد 6 مايو على متن برنامج اقتصادي عبّر عن نفسه من خلال مؤتمر باريس (سيدر 1 والتمويل الذي تَوفّر له) و«يكمن» له أطراف عدّة على رأسهم «حزب الله»، يريد تفادي دخول الحزب، بما يمثّله إقليمياً من عنوانٍ لمحور إيران ومشروعها التوسعي، إلى «البيت السني» عبر فوز محسوبين عليه في أكثر من دائرة مستفيداً من القانون النسبي، وتأكيد «الأمر لي» في بيئته الحاضنة بما يحمي أيضاً موقعه في التسوية السياسية ورئاسة الوزراء.
ولم يكن تفصيلاً في رأي الأوساط نفسها دخول دار الفتوى النادر على خط الانتخابات النيابية مانحة «الصوت التفضيلي» للحريري بلسان مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان الذي خاطَب رئيس الحكومة خلال لقاء (في دار الفتوى) بحضور حشدٍ من العلماء «لا تَخَف أنا معك والعلماء معك»، مسبغاً على هذه الانتخابات طابعاً «مفصليا» بوصفها دفاعاً عن العروبة والاعتدال ومعتبراً ان المشاركة بالتصويت «واجب».
وفيما يخوض «المستقبل» معركة موازية في محاولة لمنْع «حزب الله» وحلفائه (بلا «التيار الحر») من الحصول على الثلث المعطّل في البرلمان وما يعنيه ذلك من تحقيقه «نقطة جديدة» في المسار المتدرّج للتحكّم بمختلف مَفاصل اللعبة الداخلية، فإن الحريري الذي يبقى رئيساً لحكومةٍ «كاملة المواصفات» إلى حين انتهاء ولاية البرلمان في 20 مايو (بعدها يبدأ مسار انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب ثم مرحلة تكليف رئيس وزراء وتشكيل الحكومة الجديدة)، وَجَد نفسه في غمرة اندفاعته لحماية زعامته من أي «تهديدٍ» وضمان موقعه كعنصرِ توازنٍ في الواقع اللبناني بامتداد إقليمي، أمام إحراجاتٍ سببّها له هجوم «التيار الحر» المتكرّر على النائب جنبلاط الذي يتحالف معه زعيم «المستقبل» في أكثر من دائرة ولا سيما الشوف – عاليه.
فبعد التداول بفيديو مثير للجدل، على مواقع التواصل الاجتماعي، لعضو المكتب السياسي في «التيار الحر» ناجي حايك يَستحضر فيه ما قال انه «تكسير رأس» مؤسّس الحزب التقدمي الاشتراكي كمال جنبلاط من «المقاومة سنة 1958» متوعّداً بالأمر نفسه «لكل من يمدّ يده علينا وقد كسرناها»، وبعد مواقف متكررة لرئيس التيار الوزير جبران باسيل اعتُبرت «نبشاً للقبور» وتهديداً للمصالحة المسيحية – الدرزية التي أنجزت العام 2001، «انفجر» جنبلاط بوجه الحريري سائلاً إياه «شو صاير فيك يا سعد، شو؟ أين وقْفة الضمير؟ ألا تدرك أهمية وموقع رئاسة الوزراء الذي تحصّن بالدم بعد حروب الجبل وصولاً إلى اتفاق الطائف؟ لماذا تترك للعابثين والسارقين ومارقي الطريق؟».
وفيما غاب المرشحان عن «تيار المستقبل» في الشوف محمد الحجار وغطاس خوري عن احتفال لائحة المصالحة في بعقلين بحضور رئيسها تيمور وليد جنبلاط، كان النائب وائل أبو فاعور (من كتلة جنبلاط) يردّ بدوره على اتهام باسيل له بأنه «جلبوط»، معلناً أن له «الشرف بأن أكون جلبوط في حزب كمال جنبلاط».
وفي موازاة الخشية من تأثيراتٍ لهذا المناخ «الملتهب» على الأرض في الجبل «المتوتّر» يوم الانتخاب وسط ارتياحٍ إلى عمق التحالف بين «التقدمي» وحزب «القوات اللبنانية» اللذين يُعتبران طرفا المصالحة الرئيسيان، فإن المصالحة المسيحية – المسيحية بين «القوات» و«التيار الحر» والتي مهّدت لانتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية كانت تتعرّض بدورها لـ «ضربات» قد تكون قاضية في ظل انفجار الخلاف التراكمي واتهام باسيل للدكتور سمير جعجع «بالاغتيال السياسي»، داعياً اياه الى «وقف رمي رصاص الاغتيال السياسي علينا، فهذا أيضاً شكل من أشكال الجريمة».
أما «الجبهة» القديمة – الجديدة التي انفجرت مجدداً في «جمعة ما قبل السكوت» ووقف الحملات الانتخابية التي سادت تقديرات بأن تكلفتها بلغت منذ انطلاقتها نحو مليار دولار، فكانت بين باسيل وفريق بري الذي وصفه الأول في اطلالة تلفزيوينة بأنه «يهوّش» فما كان من وزير المال علي حسن خليل الا أن ردّ بأن «تعابير لصّ العهد تشبهه تماماً هو الذي (يهوش) ولا يعود مدركاً حدوده، وأقزام السياسة وتجار الطائفية لم يعودوا يستطيعون أن يغرروا بالرأي العام»، داعياً رئيس الجمهورية الى «أن يحجر على هذا الموتور».
واكتملتْ أمس الاستعدادات اللوجستية للانتخابات النيابية في لبنان اليوم بتسليم صناديق الاقتراع (عددها 6793) إلى 13586 رئيس قلم ومساعد في الدوائر الـ 15 التي قُسِّمت إليها البلاد والتي دُعي للتوجه إليها 3.746.483 مليون لبناني (بينهم 800 ألف ناخب يقترعون للمرة الأولى بحُكم بلوغهم السن القانونية، أي 21 عاماً)، سـ «يحرسهم» نحو 30 ألف رجل أمن وعسكري على كامل الأراضي اللبنانية.
وعشية أول انتخاباتٍ تشهدها البلاد منذ العام 2009 (بفعل التمديد 3 مرات للبرلمان الحالي) والتي سيعاين مسارها على الأرض أكثر من 100 مراقب من الاتحاد الأوروبي جاءوا بدعوةٍ من الحكومة اللبنانية، ساد الترقب في شكل رئيسي لنسبة الاقتراع التي ستُسجَّل باعتبارها مؤشراً مهماً على «لوحة النتائج».
وترى أوساط سياسية أن طبيعة النظام النسبي يفترض أن تشجّع الناخبين على النزول الى الصناديق بأعداد أكبر من الدورات السابقة ولا سيما في ظلّ عامليْن: الأول دخول «تيار» جديد الى المشهد الانتخابي هو «المجتمع المدني» بلوائح تضم أكثر من 200 مرشح على مستوى كل لبنان مقدّماً نفسه كـ «خيار بديل» للمعترضين على كامل الطبقة السياسية.
والثاني حال الاستقطاب الحادّ التي أفرزتْها سواء «الملاكمات الكلامية» التي سابقتْ بدء مرحلة «الصمت الانتخابي» وتجاوزتْ كل السقوف واستُخدمت فيها مصطلحات راوحتْ بين «رصاص الاغتيال السياسي» الى «التهويش» و«الجلبوط» و«لص العهد»، أو عمليات الاستنهاض غير المسبوقة التي استكملتْها القوى السياسية بمهرجانات «ربْع الساعة الأخير» وجولات «الحيّ حيّ» التي قام بها مثلاً زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري في بيروت يوم الجمعة مُسْتَحْضِراً كلاماً عن «المارد الأزرق» و«صوته الأكبر والأعلى» في العاصمة التي تشكّل مهد «الحريرية السياسية» منذ أيام الرئيس الشهيد رفيق الحريري.