Site icon IMLebanon

برلمان العمر المديد يودع اللبنانيين: إخفاقات كثيرة وإنجازات خجولة

كتب يوسف دياب في صحيفة “الشرق الأوسط”:

يفترض أن تنتهي ولاية البرلمان اللبناني الحالي في 20 (حزيران) المقبل، لتبدأ ولاية البرلمان الجديد الذي ينتخب أعضاؤه اليوم، ليحملون معهم مشروعات إنمائية وسياسية طرحوها برامج عمل لولايتهم التي تستمر أربع سنوات، لكن اللبنانيين غير متفائلين بإغداق الوعود عليهم، لسببين، الأول أن برلمان – 2018 لن يشهد تغييراً جذرياً، ما دام أن معظم الوجوه ستعود إلى مقاعدها، والآخر بحكم التحالفات التي تبقي كل المشروعات الموعودة خاضعة لمنطق الصفقات، أو التسويات بأفضل الأحوال.

وإذا كان من المبكر الحكم على برلمان سيولد اليوم من رحم صناديق الاقتراع، فإن المجلس الآيل نجمه للأفول، حقق بعض الإنجازات مقابل الكثير من الإخفاقات على مدى تسع سنوات، بعد أن مدد لنفسه مرتين، أي على مدى دورة كاملة (في 2009 مدّد 18 شهراً، ثم عاد ومدّد مرة جديدة حتى 20 يونيو 2018)، في المرة الأولى بحجة الظروف الأمنية، وفي الأخرى إفساحاً في المجال أمام إقرار قانون جديد للانتخابات يحقق صحة التمثيل السياسي والميثاقي.

ورغم الانتقادات الواسعة التي وجهت لهذا المجلس، رأى مصدر نيابي أن البرلمان «حقق إنجازات جيدة ومقبولة، رغم الظروف السياسية والأمنية التي كانت تتحكم بمسار الأحداث في لبنان». وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط»، أن «ثمة إيجابيات طبعت عمل المجلس منذ 30 أكتوبر (تشرين الأول) 2016، عندما انتخب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية بعد فراغ رئاسي استمر سنتين ونصف السنة، وأقر قانوناً جديداً للانتخابات وفق النظام النسبي لأول مرة، وأقر قانون سلسلة الرتب والرواتب للجيش والقوى الأمنية وموظفي القطاع العام، وهو مطلب محق ومزمن طال انتظاره سنوات».

ولم يغفل المصدر النيابي أهمية «إقرار الموازنة العامة لعامي 2017 و2018، بعد تعطيل قانون الموازنة على مدى 12 عاماً، بالإضافة لإقرار قوانين تتعلق باستخراج النفط والغاز، وأخرى متعلقة بصرف قروض وهبات مقدمة من الصناديق العربية والدولية لمشروعات البنى التحتية في لبنان»، معترفاً بأن إنجازات المجلس «لم تكن على قدر آمال اللبنانيين، لكن ذلك يعود إلى الظروف السياسية والمناكفات التي عطلت البرلمان لأشهر طويلة ومنعته من عقد جلسات تشريعية».

وكان المجلس توقف عن عقد جلسات تشريعية في الفترة الفاصلة بين استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بدءاً من شهر أبريل (نيسان) 2014 حتى تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام في أواخر شهر فبراير (شباط) 2015، ثم عاد إلى التعطيل بعد دخول البلاد مرحلة الفراغ الرئاسي، عندما عجز عن عقد جلسة مكتملة النصاب بغالية ثلثي البرلمان (86 نائباً من أصل 128 نائباً)، واعتراض القوى المسيحية على المضي بالتشريع في غياب رئيس للجمهورية. ما صنفه المصدر النيابي كإنجازات، رأى فيه الخبير القانوني والدستوري النائب السابق صلاح حنين، فشلاً ذريعاً بكل المقاييس. ولفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن عملية انتخاب الرئيس «لم تتبع الأصول الدستورية، بل جاءت نتيجة تسوية سياسية شكلت طعنة في صميم العمل البرلماني الديمقراطي». وعبّر عن أسفه لأن رئيس المجلس نبيه بري «أصر على أن النصاب القانوني لجلسة انتخاب الرئيس تكون بثلثي أعضاء المجلس ولم يطرح الأمر للنقاش، بينما النصاب الدستوري هو (النصف + واحداً) أي 65 نائباً»، معتبراً أن هذا المعيار «جعل الأقلية تتحكم بالأكثرية وتعطل انتخاب الرئيس». وما دام البعض يعتبر قانون الانتخاب أبرز إنجازات البرلمان الحالي، فقد خالفه حنين الرأي؛ إذ اعتبر أن القانون الانتخابي الجديد هو الأكثر طائفية منذ قيام دولة لبنان، وقال: «هو قانون أرثوذكسي مبطن (مشروع القانون الذي قدمه تجمع اللقاء الأرثوذكسي، الذي يقضي بأن ينتخب كل مذهب نوابه ولم يحظَ بإجماع)؛ لأنه شرع الفوضى بالصوت التفضيلي، وجعل المعركة الانتخابية خالية من العناوين السياسية، ومبنية على تحالفات المصالح»، منتقداً بشدة قانون سلسلة الرتب والرواتب الذي أقره البرلمان خريف العام الماضي، وقال: «لقد أظهرت الأرقام أن نفقات السلسلة التي قدرت بـ800 مليون دولار، تتجاوز الآن سقف المليار و200 مليون دولار، بحسب معلومات خبراء الاقتصاد؛ وهو ما شكل عبئاً كبيراً على الخزينة».

ومن المقرر أن يتسلم أعضاء مجلس النواب الجديد مهامهم فوراً مع انتهاء ولاية البرلمان الحالي، ويعقد المجلس أولى جلساته برئاسة العضو الأكبر سناً، وتكون مخصصة لانتخاب رئيس لمجلس النواب، ويرجح أن يترأس رئيس مجلس النواب نبيه بري هذه الجلسة لكونه الأكبر سناً (83 عاماً)، إلا إذا فاز المرشح مخايل الضاهر (91) سنة، وهو احتمال ضعيف، ويرجح أن يعاود البرلمان انتخاب بري رئيساً له للمرة السادسة على التوالي، ويكون بذلك أول رئيس للبرلمان في تاريخ لبنان يمضي ثلاثة عقود على رأس المؤسسة التشريعية بشكل متواصل ودون انقطاع. ونبّه صلاح حنين إلى «إخفاقات كبيرة مُني بها المجلس الحالي، بدءاً من عجزه عن ضبط مخالفات الكهرباء والتهريب في الجمارك وسوء إدارة مؤسسات الدولة، والتلكؤ في إقرار قانون قطع الحساب للموازنة، وعدم إقرار كل القوانين المتعلقة باستخراج النفط والغاز، وعدم قمع المخالفات الواقعة على الأملاك البحرية والبرية»، مشدداً على أن المجلس الجديد «لن يحقق شيئاً، طالما أن المعارضة التي تراقب وتحاسب غير موجودة». لافتاً إلى أن «أهم عيوب التسوية السياسية القائمة هي أن القوى السياسية والحزبية الكبرى التي تتشكل منها أغلبية المجلس تتقاسم السلطة داخل الحكومة، وبالتالي فهي لن تحاسب نفسها».