IMLebanon

الانتخابات النيابية في لبنان صراعٌ بين اللوائح و… فيها

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: لا صوت يعلو فوق صناديق الاقتراع و… أصواتها. هكذا كان لبنان أمس في “عرس” الانتخابات النيابية التي بدا وكأنّها تجري… لأوّل مرّة.

بين “السابعة والسابعة”، موعد فتح الصناديق الـ 6793 في 1880 مركز اقتراع مع “طلوع الضوّ” وساعة قفْلها تمهيداً لـ “طلوع” النتائج، كان كل لبنان، شعباً ومسؤولين ومؤسسات أسير “عدّادات الأصوات” وأرقامها، والشاشات و”نوافذها”، وغرف العمليات و”راداراتها”، و”جيوش الماكينات” وعُدّتها المتطوّرة و”لواء المراقبين” من الاتحاد الأوروبي (عددهم 100) و”عيونهم”.

انتخابات 2018 التي دُعي اليها إليها 3.746.483 ناخبا لاختيار برلمان الـ 128 نائباً الذين يتقاسمهم مناصفةً المسيحيون والمُسْلِمون من بين 597 مرشحاً (على 77 لائحة)، لم “تَسْتَعِرْ” من كل سابقاتها إلا آلية “اليوم الواحد” التي أرسيت في آخر استحقاق نيابي شهده لبنان العام 2009. فـ “الزمن الانتخابي” تغيّر مع قانون النسبية في 15 دائرة بلوائح مقفلة وصوتٍ تفضيلي واحد (للمرشح من الوحدة الإدارية الصغرى اي القضاء) الذي يُعتمد للمرة الاولى في تاريخ البلاد التي لم تَعرف إلا نظام الاقتراع الأكثري.

6 أيار 2018، يومٌ طال انتظاره 5 أعوام (منذ انتهاء الولاية الأصلية لبرلمان 2009 ثم التمديد له ابتداء من 2013 لثلاث مرات)، ليحلّ في توقيتٍ إقليمي ودولي شكّل “المسرح السياسي” لانتخابات الأوزان والتوازنات.

وعلى وقْع استمرار سريان “وقف النار” الانتخابي، حملاتٍ وتصريحات “مُوجِّهَة” للناخبين، دارتْ انتخاباتٌ جرتْ فعلياً على “حواصل (عتبة الحد الأدنى لتمثيل اللائحة بمقعد وما فوق) وفواصل (أي كسور القسمة)، خاضتْ القوى السياسية و “المجتمع المدني” معارك طاحنة في سبيل تأمينها أو “انتزاعها” من “فم الصناديق”.

على مدى ساعات يوم أمس، ساد لبنان من أقصاه إلى أقصاه “حبْس أنفاس”. ومع كلّ صوت كان ينزل في الصندوقة و “توثّقه” الماكينات، كانت الأطراف الرئيسية “تعيد حساباتها” وتضبطها و “تبني” عليها لتكييف “الأرض” مع “الخطة ب أو أكثر” لضمان ألا “تكذّب” الصناديق عمليات المُحاكاة “المُضْنية” التي أجرتْها “فرقها السبّاقة” وألا تتحوّل الفوارق “قنابل موقوتة” تفجّر مفارقات “مدويّة”.

وعلى امتداد اليوم الانتخابي لم يكن في “دائرة الرصْد” أكثر من نسبة الاقتراع التي كانت القوى الرئيسية نزلتْ ميدانياً وبـ “أسلحتها الثقيلة” للحضّ على رفْعها كي تشكّل “حزام أمان” للأطراف الوازنة وتحمي لوائحها من خروق كبرى ستترك تداعيات على مرحلة ما بعد الانتخابات واستحقاقاتها التي يتم قياسها بـ “ميزان” الأحجام و”القوّة التمثيلية”، وهو ما دفع “تيار المستقبل” مثلاً الذي يقوده الرئيس سعد الحريري الى إطلاق “النفير العام” عشية 6 أيار معلناً إياه “زحفاً زحفاً نحو الصناديق”.

ولم تحمل الساعات الثمانية الأولى من الانتخابات إشارات كافية الى ان إقبال الناخبين يتّجه الى تجاوُز ما كان رسا عليه استحقاق 2009 حين ناهز 55 في المئة، إذ كانت النسبة تقارب 30 في المئة عند الثالثة بعد الظهر، رغم رهان مختلف القوى على الساعات الأخيرة كونها التي تحمل “الزخم” الأكبر على صعيد “البلوكات” الحزبية التي “تصبّ” عادة في ربع الساعة الأخير بعد أن تكون أجرتْ مسْحاً للساعات السابقة وما حملتْه نتائجها المفترضة وما يقتضيه تعديل الكفّة أو رفْع عدد الحواصل اي المقاعد، والأهمّ التوزيع النهائي للأصوات التفضيلية بين مرشحي “الحزب الواحد” الذين سرعان ما تحوّلوا “الإخوة الأعداء”.

وعلى وقع إجراءات أمنية تحوّل معها لبنان “ثكنة” محروسة من نحو 30 ألف عسكري ورجل أمن، حالوا دون توترات كبرى نتيجة حال التمتْرس على “خطوط التوتر العالي” السياسية التي شهدتها البلاد عشية البلاد، ما خلا بعض الإشكالات “المضبوطة”، فإن الأنظار شخصتْ في شكل رئيسي طوال يوم امس على دائرة بيروت الثانية التي ترشّح فيها الحريري وتحديداً على نسبة الاقتراع التي كانت تتهيأ ابتداء من الثالثة والنصف لـ “قفْزة” بفعل طوابير الناخبين في مراكز الاقتراع، وهو ما اعتُبر أنه سيصبّ حكماً في خانة “تحصين” لائحة زعيم “المستقبل” الذي يخوض في “حصن زعامته” السنية مواجهة هي الأقسى في لبنان بوجه 8 لوائح أبرزها المدعومة من “حزب الله” و”أمل” و”الأحباش” و”التيار الوطني الحر” (حزب الرئيس ميشال عون) ويناسبها انخفاض منسوب التصويت بما يتيح لها حصْد مقاعد تحدّ من وهج انتصار الحريري وترتّب أثماناً سياسية بأبعاد إقليمية. و”السيناريو” نفسه انطبق على دائرة طرابلس – المنية – الضنية “القلعة” الثانية لـ “المستقبل” الذي خاض فيها مواجهة بدت بنكهة الصراع على حصرية زعامة الحريري وربما على رئاسة الحكومة، ولا سيما ان إحدى “جبهات” هذه المواجهة كانت مع رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي (وأخرى مع اللواء ريفي).

وكما عند “المستقبل”، كذلك عند “التيار الحر” الذي انخرط في “منازلاتٍ” عدة تحت عنوان “خط الدفاع عن العهد”، وكان بارزاً خلال النصف الثاني من اليوم الانتخابي مناشدته الناخبين التوجه إلى صناديق الاقتراع، ولا سيما ان إحدى الدوائر الرئيسية التي يقود فيها معركةً قاسية (بوجه لائحة مدعومة من حزب “القوات اللبنانية” والكتائب والوزير ميشال فرعون) تحمل نتائجها دلالات على صعيد تمثيله المسيحي هي بيروت الأولى (8 مقاعد مسيحية) التي سجّلت حتى الثالثة بعد الظهر أدنى نسبة اقتراع بنحو 20 في المئة. علماً ان دائرتيْن أخرييْن اكتسبتا رمزية كبيرة أيضاً لـ “التيار”، هما الشمال الثالثة اي البترون – زغرتا – بشري – الكورة حيث ترشّح رئيسه الوزير جبران باسيل في معركةٍ تحمل “طعْماً رئاسياً”، ودائرة كسروان – جبيل (تُعتبر عاصمة الموارنة) التي ترشّح فيها الصهر الثاني للرئيس عون العميد المتقاعد شامل روكز لـ “وراثة” مقعد عمّه (في كسروان) الذي عبّد طريقه الى قصر بعبدا، في حين حمل “الشق الثاني” من هذه المنازلة طابع “صراع الحليفين”، أي “التيار الحر” مع “حزب الله” الذي شكّل لائحة مع شخصيات مستقلّة و”عيْنه” على المقعد الشيعي في جبيل لمرشّحه الحزبي الشيخ حسين زعيتر، وسط رصد الحزب طوال النهار مسار الاقتراع، الذي جاء كثيفاً في هذه الدائرة ما أثار علامات استفهام حول إذا كانت لائحته ستؤمّن الحاصل الانتخابي.

وعلى “خط ساخن” آخر، صوَّب “حزب الله” عينيْه على دائرة بعلبك – الهرمل، التي توصف بأنها “جمهوريْته” وأرض خزانه البشري، حيث وجد نفسه ينتقل الى “خطوط الدفاع” عن مقعد شيعي سعى خصومه في لائحة “القوات اللبنانية” و”المستقبل” ومستقلين إلى “اقتناصه” بوصْفه يوازي الـ 127 الآخرين في البرلمان، باعتبار ان الحزب رسم سقفاً لمعاركه الانتخابية هو الإمساك (مع الرئيس نبيه بري) بكل الحصة الشيعية (27 نائباً) والانطلاق منها للحصول مع حلفائه خلص على الثلث المعطّل في برلمان 2018.

وفي حين ارتفعت “الحماوة” في هذه الدائرة منذ ساعات الصباح الأولى، بدا الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط مرتاحاً الى نسبة التصويت “الممتازة” (حتى الثالثة والنصف بعد الظهر) في دائرة الشوف – عالية حيث يخوض نجله تيمور أول اختبارٍ شعبي في الطريق الى “تسلُّم دفة القيادة”، في معركةٍ (بالتحالف مع “القوات” و”المستقبل”) قابَلها جنبلاط الأب بوصفها محاولة لعزْل المختارة وإسقاطها وذلك على وقع “تراشُق” من العيار الثقيل مع “التيار الحر” الذي يقود لائحة بالتحالف مع النائب طلال إرسلان والحزب السوري القومي الاجتماعي والذي لم يتوانَ عن استخدام لغة اعتُبرت “نكئاً للجراح” و”نبشاً للقبور”.