كتبت صحيفة “الجمهورية”:
مرَّ الاستحقاق الانتخابي، وطويَت واحدة من أبشعِ الصفحات التي شهدها البلد، تفنَّن فيها الطاقم السياسي الحاكم، أو بالأحرى المُتَحكِّم، في زرعِ بذور الفتنة والانقسام في كلّ البلد، متّكئاً على قانونٍ انتخابيّ خبيث عنوانُه نسبي وتطويري وتغييري وتحديثي للحياة السياسية والديموقراطية وللتمثيل الصحيح للمكوّنات اللبنانية في مجلس النواب، وأمّا جوهرُه، فنسفُ العنوان من أساسه، واجتمعت فيه كلّ الصفات السيئة التي خبرَها اللبنانيون في العملية الانتخابية التي جرت أمس، ووَضعت البلد أمام تداعيات «ملّعَت» النسيج اللبناني، وحده الله يعلم كيف سيتمّ احتواؤها وامتصاص ما زرَعته من توتّرات واحتقان وأورامٍ خبيثة.
بالأمس، صوّت اللبنانيون ضدّ هذا القانون، الغالبيةُ القصوى منهم صوّتت ضده بالإحجام عن المشاركة في الاقتراع، وبهذا الإحجام أيضاً، صوّتوا ضد الطبقة السياسية التي صَنعت هذا القانون، وهذا يفسّر النسبة المتدنّية للاقتراع والتي تراجَعت بنحوٍ ملحوظ عن انتخابات العام 2009، وهي نسبة وجَّهت صفعةً صادمة إلى هذه الطبقة من السياسيين المبتلين بذهنية نرجسية معقّدة أعمت نظرَها عمّا يريده الناس، وعن صلابة البيوتات السياسية التاريخية وعن الواقع اللبناني عموماً، وتركيبتِه التي يَعترف العالم كله بأنّها فريدة في عيشها وتعايشِها وفي التوازن في ما بينها.
وراهنَت من خلال هذا القانون على التربّعِ فوق الأنقاض التي أحدثها في الجسم اللبناني. وبهذا الإحجام انتصَر الناس لكرامتهم، ولإرادتهم، وحرّيتهم، وقالوا لا لِمن أراد أن يفرض عليهم إرادته ويسوقَهم كالأغنام إلى مصلحته وحيث يريد.
وفي النتيجة، سَقط المراهنون في شرّ رهاناتهم، وخابَ أملهم في تحقيق النتائج التي حلموا بها. وهذا ما أكّدته عمليات الفرز التي بوشِر بها بعد إقفال صناديق الاقتراع، والتي أظهرَت نتائجُها غير الرسمية بَعد فوزَ الرئيس ميشال المر في المتن، وفوزاً ساحقاً للثنائي الشيعي في دوائر الجنوب والبقاع وبيروت وبعبدا، وتقدّماً لتيار «المردة»، ولـ«القوات اللبنانية» ولمرشّحين من فريق الثامن من آذار، فيما سجّلت «خيبة» لدى «التيار الوطني الحر» وتيار «المستقبل»، حيث لم يحقّق الأوّل النسبة التي طمحَ إليها، فيما الثاني تراجَع في بيروت ودوائر أخرى.
وتوضيحُ هذه الصورة سيتبدّى خلال الأسبوعين المقبلين، الفاصلَين عن نهاية ولاية المجلس النيابي الحالي في 20 أيار، حيث سيكون المجلس الجديد في هذا التاريخ على موعد مع انتخاب رئيسِه والذي بات محسوماً أنّ الرئيس نبيه برّي سيعود إلى رئاسة المجلس على حصان أبيض، ثمّ المعركة المرتقبة حول «نائب الرئيس»، ثمّ انتخاب المطبخ التشريعي المتمثّل باللجان النيابية، مع انتخاب سائر أعضاء هيئة المجلس.
ومع بدءِ ولاية المجلس النيابي الجديد، وبَعد اكتمال هيئة مكتبِه تدخلُ حكومة سعد الحريري في تصريف الأعمال.
ويبقى أنّ اليوم، 7 أيار، يفترض أنه يوم آخر، يعود فيه اللبنانيون إلى حياتهم التي لم تكن طبيعية في فترةِ ما قبل الانتخابات، ولكنّ الصورة السياسية لِما بعد الانتخابات، قد يَصعب تظهيرُها بدقة، قبل إعلان النتائج النهائية الرسمية للانتخابات، إنّما المتوقع لهذه الصورة، أنّها رمادية بامتياز.
وسيُدعى فوراً إلى الاستشارات النيابية الملزمة التي يجريها رئيس الجمهورية لتسميةِ رئيس الحكومة الجديدة. وهو بالتالي أمرٌ ميسّر مع تكليف الرئيس سعد الحريري، على أنّ مشوار تشكيل الحكومة وتبعاً للخريطة النيابية الجديدة، يضاف إليها التشنّج السياسي الحاد، سيكون طويلاً جداً.