انتهت الانتخابات النيابية إلى تكوين صورة جديدة لمجلس النواب تكرّس المرحلة السياسية الجديدة التي دخل فيها لبنان بعد سقوط جبهتي 8 و14 آذار اعتباراً من تاريخ إتمام الصفقة الرئاسية التي بدأت بترشيح النائب سليمان فرنجية ومن ثم انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية.
كان لا بدّ لهذه المرحلة الجديدة أن تكرّس توازنات جديدة في مجلس النواب مع الانتخابات الجديدة، وهذا ما حصل بالفعل، مع قانون جديد للانتخابات أعاد رسم الأحجام السياسية بما يتناسب والمرحلة الجديدة. واللافت أن كل القوى السياسية الأساسية اعتبرت نفسها منتصرة:
ـ “حزب الله”، ومعه ضمنياً حركة “أمل”، أعلن انتصاره على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله الذي اعتبر أن هذا المجلس يشكل الضمانة لسلاح الحزب وثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة”!
ـ تيار المستقبل أعلن انتصاره بنجاح كتلة له مؤلفة من 21 نائباً كما أكد الرئيس سعد الحريري، الذي اعتبر أن تراجع عدد نواب الكتلة يعود فقط الى طبيعة القانون النسبي وأنه لا يزال يمثل الأكثرية السنية!
ـ “التيار الوطني الحر” أعلن عبر رئيسه الوزير جبران باسيل الانتصار الكبير بكتلة مع الحلفاء قد تصل إلى 30 نائباً!
ـ “القوات اللبنانية” تعتبر نفسها منتصرة بعدما ضاعفت عدد نواب كتلتها من 8 نواب إلى 16 نائباً وخصوصاً أن الأكثرية الساحقة منهم تمثل نواباً حزبيين ملتزمين.
ـ الرئيس نجيب ميقاتي خرج منتصراً، إضافة الى مجموعة من الشخصيات السنية أمثال عبد الرحيم مراد وفيصل كرامي وأسامة سعد إضافة إلى “الأحباش” وغيرهم!
لن أكمل التعداد رغم وجود المزيد من الأمثلة بين مجموعات ومستقلين “انتصروا” أيضاً وكل بحساباته وعلى طريقته، لكن الأساس يبقى في المعادلات التي ستقوم في المجلس الجديد ضمن معادلتين واضحتين:
ـ المعادلة الأولى إمساك “حزب الله” وحلفائه اللصيقين بحوالى 45 نائباً، أي الثلث المعطل في مقابل إمكان الحزب جمع الأكثرية المطلقة حول أكثر من ملف عندما يحتاج بالتعاون مع مروحة أوسع من الحلفاء.
ـ المعادلة الثانية أن الأكثرية المطلقة ليست بالفعل مطلقة لأحد، لا بل إن هذه الأكثرية ستكون متحركة حكماً ومتنقلة بحسب الملفات المطروحة، ويمكن أن تجمع أطرافاً سياسية لا تربطهم عناوين أساسية مشتركة، تماماً كما توزعت التحالفات على طاولة مجلس الوزراء في الحكومة الحالية.
هكذا يمكن القول إن وهج الملفات السيادية سيخفت نسبياً، إلا إذا حصلت تطورات إقليمية عسكرية تعيد خلط الأوراق، ما سيجعل الاشتباكات تدور حول ملفات داخلية على علاقة بالفساد والاقتصاد والشأن الاجتماعي والبيئة إضافة الى التعيينات وغيرها من الملفات. وفي كل ملف قد ترتسم تحالفات أو تقاطعات بين أطراف هم في السياسة نظرياً خصوم، ما يجعل المجلس النيابي الجديد مختلف في روحه وجوهر تكوينه عن مجلسي الـ2005 والـ2009، كما أن شكله سيختلف بعد التغيير الذي بعد وصول حوالى 75 وجهاً نيابياً جديداً الى ساحة النجمة. فهل يمكن القول إن “حزب الله” كسب الرهان في المجلس الجديد من خلال محاولة إخراج ملف سلاحه من النقاش من الباب العريض أم يخيب رهانه بعودة ملف السلاح إلى الطاولة من شباك الاستراتيجية الدفاعية التي وعد كل من رئيسي الجمهورية والحكومة المجتمع الدولي بمناقشتها بعد الانتخابات النيابية؟!