IMLebanon

“القانون النسبي” وراء ضعف المشاركة في الانتخابات في لبنان

كتب بولا أسطيح في صحيفة “الشرق الأوسط”:

شكّل انخفاض نسب الاقتراع في الانتخابات النيابية الأخيرة، صفعة للقوى الحزبية الكبرى بعدما كانت تُعول على أن يُشجع النظام النسبي الذي تم اعتماده للمرة الأولى بتاريخ لبنان، الناخبين على التهافت إلى صناديق الاقتراع. وتراجعت نسبة الاقتراع من 54 في المائة في العام 2009. أي في آخر انتخابات شهدتها البلاد، إلى 49.2 في المائة، كما أعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق، مؤخرا، معتبرا أن «طبيعة قانون الانتخاب» هي السبب، داعيا «من لم يقترع لتحمّل مسؤولية بأن لا يعترض في المستقبل».

ولم تنفع النداءات المتتالية التي وجهها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قبيل انطلاق المرحلة الأولى من الانتخابات النيابية للمغتربين وللناخبين الأحد الماضي، في رفع نسبة الاقتراع، التي بلغت أعلى مستوياتها في دائرة الشمال الثانية، أي المنية الضنية طرابلس، وأدناها في بيروت الأولى حيث لم تتخط الـ31.5 في المائة.

وشدد عون في رسالة أولى وجهها إلى اللبنانيين، مقيمين ومغتربين، عشية انطلاق الانتخابات النيابية في مرحلتها الأولى في الدول العربية ودول الانتشار، على أن «الانتخاب واجب وطني، وهو فعل وجود»، كما أنه «الطريق الوحيد للتغيير ضمن الديمقراطية». وبعد ما وصله عن تدن مفاجئ بنسب الاقتراع يوم الأحد، وجّه عون نداءً جديدا إلى اللبنانيين دعاهم فيه إلى ممارسة حقهم في الاقتراع والإقبال على التصويت، لافتا إلى أنه تفاجأ بضعف الإقبال على ممارسة الحق الانتخابي. وتوجه إلى الناخبين بالقول: «إذا كنتم بالفعل راغبين في حصول تغيير وتبديل، والوصول إلى حكم جديد ونهج جديد، فإنّ عليكم أن تمارسوا هذا الحق. لا يجوز أن تتركوا هذه الفرصة مع وجود قانون جديد يسمح للجميع بالوصول إلى الندوة البرلمانية».

ورغم اعتبار عون ومعظم القوى السياسية أن القانون الانتخابي الجديد يجب أن يشكل حافزا للبنانيين للإقبال على صناديق الاقتراع، تبين أنه العقبة الأساسية التي حالت دون ذلك، وهو ما أكده على حد سواء الوزير السابق البروفسور إبراهيم نجار والباحث في «الدولية للمعلومات» الخبير الانتخابي محمد شمس الدين. إذ اعتبر نجار أن القانون الذي صدر على عجل فبدا أشبه بـ«العفريت» أو «الزنجي الأبيض» (في إشارة إلى كونه ولد هجينا)، وفرض على الناخب اختيار قائمة معدة سلفا وإعطاء صوته التفضيلي لأحد أعضاء هذه القائمة، أشعر هذا الناخب بأنه قد تم التضييق عليه. ولفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن اللبناني معروف بطبعه وتاريخه، أنه «انتقائي بامتياز». وقال: «اللبنانيون غير معتادين على قانون انتخابي يقوم على أساس حزبي وتغييب الخطاب السياسي عن الحملات الانتخابية، ما أدى لحصر التنافس والمعركة بشكل أساسي بين المرشحين على اللائحة الواحدة، وهو ما انعكس تلقائيا انخفاضا لنسب الاقتراع».

ووافق شمس الدين تماما وجهة نظر نجار بكون قانون الانتخاب السبب الرئيسي لإحجام أكثر من نصف اللبنانيين عن الاقتراع، لافتا في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «عددا كبيرا من الناخبين كانوا يريدون أن يشكلوا لائحتهم الخاصة كما كانوا يفعلون في الدورات السابقة التي كانت فيها الانتخابات تجري على أساس النظام الأكثري، إلا أن حصر الموضوع بوجوب اختيار قائمة واحدة والالتزام بأعضائها كافة باعتبار أن التشطيب ممنوع، الأمر الذي حصر الصوت التفضيلي بمرشح واحد، عوامل أثرت على نسب الاقتراع». وأضاف شمس الدين: «كذلك شكّل غياب المال الانتخابي الحزبي دافعا لإحجام عدد من الناخبين عن الاقتراع، باعتبار أن المال يلعب دورا أساسيا في حال غياب الخطاب السياسي كما كان حاصلا في هذه الدورة»، مشيرا إلى أنه وبما أن الأحزاب لم تدفع أموالا للناخبين وانحصر الموضوع ببعض المتمولين، تراجعت نسب التصويت.

وأوضح ع. م (28 عاما) وهو أحد الناخبين في منطقة البقاع، شرق لبنان، أنه أحجم عن الاقتراع لأن اللائحة الحزبية التي يدعمها ضمت مرشحا يوجد خلاف شخصي كبير بين عائلتيهما، لافتا إلى أنه وفي ظل حظر القانون الحالي على الناخب تشطيب أي من الأسماء أعضاء اللائحة: «ارتأيت أن الحل الأنسب مقاطعة الانتخابات».

أما غ.غ (35 عاما) فلم تمارس حقها بالاقتراع أيضا لعدم تمكنها من التوجه إلى قريتها الواقعة على الحدود الشمالية والتي تبعد نحو ساعتين ونصف الساعة عن العاصمة بيروت، لاضطرارها للعمل يوم الانتخابات. وأشارت إلى أنها كانت تعول على أن يقر القانون الجديد حق الناخب بالاقتراع في مكان سكنه، لكن وطالما لم يحصل تفاهم سياسي على الموضوع، فقد اضطرت للرضوخ للأمر الواقع.