كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: بدت بيروت، المرتابةُ من تَدَحْرُجِ الإقليمِ الى مواجهةٍ «أقلّ من حرب وأكثر من معركة»، كمَن يتحرّى عن «سترةٍ واقية» من احتمالاتِ جعْل لبنان «بريداً سريعاً» للرسائل الملغومة بعد الليلة الليلاء وعواصفها، من واشنطن الى دمشق وبينهما طهران وتل أبيب.
فبيروت التي لم تخْلع «أحزمة الأمان» على مدى أعوام، ينتابها الشعور بأن «الزمن النووي» قد يدفع الجميع في نهاية المطاف إلى مغامراتٍ ربما تكون خاصرتُها الرخوة لبنان في وقائعه الجديدة بعد انتخابات الأحد الماضي.
وتحت أثقال هذا المناخ الاقليمي العاصف، ما زالت بيروت تلملم «ذيول» انتخاباتٍ نيابية، يحلو للبنانيين التعاطي مع نتائجها على أنها أرستْ تعادلاً سلبياً بين أطراف انتصرتْ وأطراف لم تنهزم، في «تعميةٍ» على تحولاتٍ لا يستهان بها.
وثمة اعتقاد في بيروت أن ما أفرجت عنه صناديق الاقتراع سيلقي بثقله تباعاً على المعادلة السياسية الداخلية وتَوازُناتها، وعلى التموْضع الإقليمي للبنان وموجباته إزاء العالم العربي والمجتمع الدولي على حد سواء.
فـ «حزب الله»، الذي حقّق أهدافاً ثمينة، تَرْجَمَ سريعاً «فائض القوة» الإضافي الذي كسبه، برسائل لمَن يهمّهم الأمر في الداخل والخارج عبر «غزوة الدرّاجات» التي استباحتْ بيروت وروّعت سكانها وكادتْ أن تُخْرِج الوضع عن السيطرة.
رئيس الحكومة سعد الحريري، العائد من الانتخابات بـ «فوزٍ ناقصٍ» حقّقه «تيارُ المستقبل»، سيرسم غداً في ما أسماه «احتفال النصر» خطوطَ الدفاع عن رمزية موقعه في الحكم على عتبة اختلال موازين القوى الداخلية ذات البُعد الاقليمي.
رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي يفاخر تياره بـ «تجميع» تكتلٍ وازنٍ يشكل «بيضة القبان» أعلن عن خريطة طريقٍ لحوارٍ يعتزم الدعوة اليه ينطوي على أكثر العناوين حساسية في البلاد، اتفاق الطائف وسلاح «حزب الله»، ما يجعل العيون مفتوحةً على احتمالات غامضة.
حزب «القوات اللبنانية» برئاسة الدكتور سمير جعجع نجح وعلى نحو باهر في تكبير حجم كتلته البرلمانية التي من المتوقّع أن «تتضح» طبيعة تحالفاتها في ضوء سقفيْن محلي وإقليمي و«أولوياتهما» تبعاً للمنحى الذي ستسلكه البلاد في ظل الوقائع الجديدة.
وستكون هذه اللوحة حاضرة بقوّة بعد «الويك اند» المقبل، ومع دخول لبنان في مرحلة الاختبارات، التي من المتوقّع أن تكون الأصعب، إذ يترافق المشوار الشائك لولادة الحكومة الجديدة، رئيساً وتوازنات وحقائب وبياناً وزارياً، مع العصْف الاقليمي – الدولي الأعنف بعد «تمزيق» الرئيس الاميركي دونالد ترامب الاتفاق النووي مع إيران، وتمادي إسرائيل في استدراج طهران الى مواجهةٍ تتردّد حتى الآن في الانسياق إليها، وهو ما تجلّى في تسديد تل أبيب ثلاث ضربات موجعة لـ «الحرس الثوري» الايراني في سورية في غضون أسابيع.
وهذا التلازم بين ترجمة التوازنات الجديدة في لبنان التي يملك فيها «حزب الله» اليد الطولى مع إمساكه بـ «نصف» البرلمان بـ «التكافل والتضامن» مع حلفائه، وبين احتمالات استخدام ايران للبنان «صندوقة بريد» لإطلاق رسائل الى خصومها كالسعودية والولايات المتحدة، يُعيد بيروت إلى عين العاصفة من جديد بعدما شكلت منذ اندلاع الحرب في سورية حديقةً خلفية لربْط نزاع سعودي – ايراني، أَبْعدها عن الانضمام الى العواصم المشتعلة في المنطقة.
واقترنتْ «اتصالات الكواليس» التي بدأتْ في سياق «جس النبض» حول الحكومة الجديدة التي يبدأ مسار ولادتها بعد انتهاء ولاية البرلمان في 20 الجاري، مع إشارات متزايدة إلى «خط أحمر» شيعي يُرسم حول حقيبة المال باعتبارها عنوان «الشراكة الميثاقية» في السلطة التنفيذية، وهو ما يُنذر بـ «اشتباكٍ» ليس واضحاً بعد المنحى الذي سيأخذه، ولا سيما في ضوء رفْض من غالبية القوى السياسية، ورئيسيْ الجمهورية والحكومة تكريس اي حقيبة لطائفة محدَّدة.
وكانت بارزة رسالة عون الى اللبنانيين ليل الثلاثاء والتي بدتْ بمثابة «أجندة عمل» لمرحلة ما بعد الانتخابات التي سبق لرئيس الجمهورية ان اعتبر بعيد وصوله الى سدّة الرئاسة ان الانطلاقة الفعلية لعهده تبدأ مع البرلمان الجديد.
واذ أكد عون ان «كل الكتل على تنوع انتماءاتها وتنوعها السياسي، مدعوة الى الاجتماع تحت قبة الندوة البرلمانية لتحمل مسؤولية العمل معاً لمواجهة التحديات المشتركة»، شدّد على انه سيسعى «مع رئيس البرلمان ورئيس الحكومة كي يستعيد مجلس النواب دوره الرقابي والتشريعي، فيكون بذلك مساحة اللقاء الطبيعية لعرض القضايا التي تهم اللبنانيين ومناقشتها، لا سيما منها تلك التي ستكون محور حوارنا الوطني، الذي أعتزم الدعوة اليه بهدف استكمال تطبيق اتفاق الطائف بكل مندرجاته الواردة في وثيقة الوفاق الوطني، من دون انتقائية او استنسابية، وتطويرها وفق الحاجة من خلال توافق وطني، ووضع استراتيجية دفاعية تنظم الدفاع عن الوطن وتحفظ سيادته وسلامة أراضيه».
وفي موازاة ذلك، كانت لافتة الزيارة التي قام بها السفير الإماراتي في لبنان حمد سعيد الشامسي والقائم بالأعمال السعودي الوزير المفوض وليد بخاري لجعجع «لتنهئته بالفوز الذي حققته (القوات) في الإنتخابات النيابية» كما قال البخاري الذي كان زار مع الشامسي الاثنين، الحريري في الإطار نفسه.
بقي «الغليان» يلفّ منطقة الشويفات (جنوب بيروت) أمس غداة الإشكال الذي وَقَع بين مناصرين للحزب التقدمي الاشتراكي (بزعامة النائب وليد جنبلاط) والحزب الديموقراطي اللبناني (برئاسة النائب طلال إرسلان) وأدى الى سقوط قتيل من «الاشتراكي» يدعى علاء أبي فرج سيتمّ تشييعه اليوم.
ورغم ان الخلاف الذي كان وقع بعد التداوُل بشريطٍ للنائب أكرم شهيب (من كتلة جنبلاط) ينتقد فيه ارسلان ويصفه بأنه كان «رئيس لائحة متعة» في الانتخابات النيابية بتحالفه مع «التيار الوطني الحر»، طُوّق على الأرض بفعل اتصالاتٍ على أعلى المستويات وأبرزها بين جنبلاط وإرسلان، فإن «الشويفات» والجبل والساحة الدرزية عموماً استمرّت يوم أمس «في عين التوتر» بفعل عدم تسليم المسؤول عن مقتل أبي فرج الذي قضى بعد انفجار قذيفة «أر. بي. جي» أمام مركز الاشتراكي في المنطقة. علماً ان «التقدمي»، الذي سلّم اثنين من عناصره متورّطين في الإشكال الذي تخلله إطلاق نار على «السرايا الارسلانية»، يتّهم مسؤول أمن ارسلان المدعو أمين السوقي بالتسبب بسقوط علاء يوم عيد ميلاده، وهو ما نفتْه مصادر «الديموقراطي» الذي سلّم متورّطين آخرين.