IMLebanon

نوادي القراءة في بيروت… تجربة تنضج

كتبت منال عبد الأحد في صحيفة “الجمهورية”:

تتّسع رقعة انتشار ظاهرة نوادي القراءة في بيروت بشكل ملحوظ، كمّاً ونوعاً، بحيث تنضج هذه التجارب وتصقل نفسَها بنفسها، بمبادرات فردية بعيدة من أيّ دعم أو التفاتة رسمية. هم أناس يجتمعون على حبّ الكتاب والشغف به ليتشاركوا قراءاتهم فيُغنون معارفَهم ومداركهم.

يُجمع كل مَن قابلنا من قيّمين على مبادرات قرائية تحت مسمّى «نوادي القراءة» على التمييز بين جلسة القراءة لكتاب واحد ما يحتّم أن يكون أكثر من نصف الحاضرين أو كلّهم قد قرأوا الكتاب حتى يتمّ تبادل الآراء النقدية بهذا الشأن، وبين جلسة القراءة لكتب متعدّدة وهي أشبه بمراجعة لكتاب يتشارَك الحاضرون فيها قراءاتهم، فيقع الاختيار على ثلاثة أو أربعة كتب لتناولها في هذه الجلسة.

يرى هشام زين الدين من «الجمعية اللبنانية للقرّاء» أنّ «نوادي القراءة» هي مساحات للعامة يجتمع فيها كل محبّي الكتاب، يطّلعون على إصدارات جديدة ويسمعون آراءً أخرى لقرّاء آخرين، فضلاً عن أنها تتيح في غالبية الأحيان إمكانية مقابلة الكتَّاب ومناقشة كتبهم، فيصحبك كل كاتب معه الى عالم الكتابة الغنيّ. ويعتبر زين الدين أنّ «انتشار ظاهرة نوادي القراءة اليوم يعود إلى حاجة القرّاء الى أن يتشاركوا شغفهم في عصر وسائل التواصل الاجتماعي هذا».

وعن ضرورة قراءة الكتاب موضوع النقاش، يعتبر زين الدين أنّ أهمية نوادٍ كهذه تكمن في عدم قدرة المرء على قراءة كل شيء. كما يعتبر أنّ فقرة الأسئلة والأجوبة هي الأكثر أهمية ففيها يكمن التفاعل، وتُسمع آراء الآخرين ووجهات نظرهم المتنوّعة.

وترى هدى مرمر، مؤسِّسة نادي Bookoholics، أنّ التجربة فعلاً تراكمية، بحيث راحت تتحسّن نوعية ذائقة المشاركين القرائية مع مرور الوقت، ومقاربتهم النقدية ما انفكّت تنضج بصورة مضطردة. وبات أعضاءُ المجموعة يتوغّلون أكثر في بنية الكتاب، الأسلوب الأدبي، الرمزية، تطوّر الشخصيات، السرد أكثر فأكثر، فضلاً عن الاستفادة الكبيرة التي يحقّقونها من لقاء الكاتب والغوص معه في خلفية عمله.

لا تروق لمرمر الجلسات التي تتمّ فيها مراجعة كتاب أو ما يُعرف بالـBook Review من قبل قارئ له، من دون أن يكون نصف الحاضرين على الأقل قد قرأه، وتجد أنّ ذلك لا يندرج في خانة عمل «نوادي القراءة»، بحيث إنّ هذه الأخيرة تهدف إلى خلق جوٍّ تفاعليّ حول كتابٍ ما، فكلّ شخص ينظر إلى الكتاب من زاوية مختلفة، وتَعدّد الرؤى هو ما يثري الجلسة.

أمّا سيمون أبو رضى من «نادي لبنان للكتاب» فيعتبر أنّ نادي القراءة هو المكان الذي يجتمع فيه الشخص مع أناس يشاطرونه شغفه، وقد كان له نادي قراءة في كندا حيث كان يعيش وحمل معه التجربة إلى لبنان.

لا يخجل سيمون من القول انّه، قبل نوادي القراءة، لم يكن يُكمل كتبَه، إلّا أنّ حبَّ المشارَكة الذي تخلقه هذه النوادي دفعه إلى تغيير هذه العادة والإكثار من القراءة بشكل أكبر. ويتحدّث بشغف عن مخيّم الكتاب الذي ينظّمه «نادي لبنان للكتاب» مرة كل عام، ليومين يصبح خلالهما الكتاب وحده محور حياة المشاركين.

ويلفت سيمون الانتباه إلى أنّ لكلّ شيء حسناته وسيئاته، ففي حال اجتمع أعضاء النادي حول كتاب واحد قد قرأوه جميعاً فإنّ النقاش يكون أعمق، أما في حال المراجعات لكتب متعدّدة فإنّ ذلك يتيح للحاضرين فرصة التعرّف الى أكثر من كتاب واختيار قراءاتهم عن عمق دراية بالموضوع.

أمّا بهيجة عاقوري الناشطة في ناديَي قراءة، فتميّز بين ثلاث فئات من الكتب التي تتمّ معالجتها في أماكن كهذه، الكتب الروائية، أدب السيرة والكتب غير الروائية أو non fiction.

وعمر تجربة بهيجة مع نوادي القراءة ست سنوات، اختبرت خلالها كيف يقرأ الآخر بطريقة مختلفة باختلاف الحيّز الذي يبحث عنه في الكتاب، فمنهم مَن يهتمّ بالناحية التاريخية وآخر يهتمّ بالجانب الأدبي، على سبيل المثال لا الحصر، الأمر الذي يُثري رؤيتك للكتاب، ويجعلك تغيّر طريقة قراءتك لتصبح أكثرَ شموليّة وعمقاً.

وتختم بهيجة بالقول: «إنّ الإنسان لا يستطيع قراءة كل شيء، وجلسات المراجعة تفيده من حيث انّها تعرّفه الى كتب لم يقرأها».

تخلتف وجهات النظر، المقاربات، تتنوّع المسابقات، النشاطات التحفيزية والجلسات، إلّا أنّ الجامع يبقى واحداً: أن يتناول الجميع دفّتي كتاب بحبّ وشغف قلّ نظيرهما في زمن بات فيه مَن يقرأون قلّة قليلة.