لم تقتصر مفاعيل القانون الانتخابي النسبي الجديد على ضخ 64 وجها جديدا في المجلس النيابي الجديد، بل ان الانتخابات النيابية الأخيرة أفرزت معادلات سياسية جديدة، بعد إجهاز التسوية الرئاسية على توازن سياسي أرساه فريقا 8 و14 آذار، أتاح لهما التحكم بالمشهد العام في البلد.
ينطلق مجلس 2018 من موازين قوى جديدة أفرزتها صناديق الاقتراع، وإن كانت لم تبتعد كثيرا عن الصورة التي خطت معالمها التسوية الرئاسية، بركنيها “التيار الوطني الحر” و”تيار المستقبل”، فكان أن كسب “شريكا الحكم والحكومة”، رهانهما على قواعدهما الشعبية، التي لم تتأخر في رفدهما بما يسميها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل “الشرعية الشعبية”، بما يتيح لهما تكريس حضورهما “القوي” في الأوساط الشعبية.
غير أن مصادر سياسية تعتبر عبر “المركزية” أن النتيجة التي حققها التياران في استحقاق 6 أيار النيابي تتخطى الاطار الشعبي الصرف لتحظى بمفاعيل سياسية، ليس أقلها تشكيل الحزبين جبهة نيابية تدعم العهد وتتيح له تأكيد كون حكمه “قويا” كما دأب على تأكيده باسيل والدائرون في فلكه في خلال الحملات الانتخابية.
على أن الصورة السياسية لا تشي بأن هذه الجبهة “الموالية” ستكون وحيدة في ساحة النجمة، لأن جبهة مماثلة تبدو في طور التشكيل، بحسب المصادر، ومن المنتظر أن تضم الثنائي الشيعي، وعددا من القوى والشخصيات الموالية لـ 8 آذار كالحزب السوري القومي الاجتماعي، وحزب البعث والنائب المنتخب عبد الرحيم مراد.
في المقابل، حفلت الكواليس السياسية في الأيام والساعات الماضية بكلام يفيد بأن بعض الفائزين في الاستحقاق النيابي ممن صنفوا طويلا في الخانة “الوسطية يستعدون لتوحيد جهودهم النيابية في إطار كتلة تجمع الحزب التقدمي الاشتراكي، وتيار المردة وكتلة الرئيس نجيب ميقاتي، علما أن المصادر تحرص على الاشارة إلى أن تموضعا من هذا النوع لا يعني، في أي حال تخلي الثنائي جنبلاط- فرنجية عن حلفهما التاريخي الوثيق مع الرئيس نبيه بري.
غير أن المصادر السياسية لا تغفل أهمية الموقع القواتي في المشهد النيابي والسياسي المستجد. ذلك أن لا يمكن القفز فوق النتيجة المهمة التي نجحت معراب في تحقيقها، حيث ضاعفت عدد أعضاء كتلتها من 8 إلى 16، بما يضعها في موقع القادر على فرض الشروط في الاستحقاقات الكبيرة، وهو ما يفترض أن تشهده مرحلة تشكيل الحكومة، بعد إنطلاق القطار البرلماني الجديد رسميا في 21 أيار المقبل.
وفي وقت ينتظر المراقبون تحديد القوات موقعها بين الجبهتين الآنفتي الذكر، تشير المصادر إلى أن معراب تعمل اليوم على تكثيف اتصالاتها مع القوى المصنفة في الخانة السيادية لخوض المعارك السياسية المقبلة، مرجحة أن تشمل هذه الحركة حزب الكتائب، انطلاقا من التحالفات الانتخابية الموضعية التي نسجها الطرفان قبيل الاستحقاق، إضافة إلى عدد من النواب المستقلين كالنائب المنتخب جان طالوزيان الذي شارك في الاجتماع الأول للتكتل القواتي الجديد، والنائب ميشال المر الذي سيرصد المراقبون تموضعه ايضا، علما أن الرئيس نبيه بري بدا شديد الحرص على التأكيد على علاقته ذات الطابع التاريخي مع المر.