كتبت هيام القصيفي في صحيفة “الأخبار”:
لم يجفّ بعد حبر إعلان نتائج الانتخابات النيابية، حتى بدأت شروط تشكيل الحكومة تتوالى، في حين تفرض التطورات الاقليمية تسريعاً للتأليف، لتوفير أفضل السبل الممكنة لاستقرار الداخل وتماسكه
تضغط التطورات الاقليمية المتسارعة في موضوع تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات النيابية، ولا تعطي للاطراف السياسيين ترف الدلع في مقاربة تأليفها واستسهال الوقت الضائع حتى اكتمال المشاورات وفرض الشروط والشروط المضادة، علماً بأن حزب الله كان أكثر القوى السياسية حذراً في الملف الاقليمي، وكان يأمل إقفال ملف الانتخابات بسرعة قبل أي تطور مفاجئ، وهو يأمل اليوم إقفال الملف الحكومي بسرعة أيضاً.
وفي وقت تزخر فيه المواعيد، من سوريا والعراق الى إسرائيل والملف النووي والتداعيات السياسية والعسكرية الاخيرة، لا يمكن لحزب الله أن يترك ثغرات محلية تنغصّه، في وقت ينصرف فيه كلياً الى مواكبة التطورات الاقليمية. من هنا، لا يمكن الركون الى نتائج الانتخابات وتحليلها من دون الاخذ في الاعتبار أن للحزب حسابات مختلفة عن غيره من القيادات السياسية، من الحلفاء أو الخصوم، في تعاطيه مع تشكيل الحكومة المقبلة.
ثمة مسلمات تفرض نفسها على طريقة التأليف:
من المبكر لكل من فاز في الانتخابات، بأحجام كبيرة أو متوسطة، أن يغالي في وضع شروط للتأليف أو أن يحدد سلفاً حصص الآخرين. ومن المبكر أن يضع أي طرف سياسي، حتى لو كان العهد نفسه، شكل الحكومة وتحديد عنوانها، حكومة وحدة وطنية أو أكثرية ومعارضة خارجها. في الاساس، لا يمكن وضع شروط على الفائزين في النيابة وتحديد خانتهم كمعارضة قبل بدء الحوار الحكومي والمشاورات وتسمية رئيس الحكومة ومعرفة حقيقة مطالبهم من الحكومة الجديدة، وهل هم حقاً راغبون في أن يكونوا في صفوف معارضة أم أن العهد والرئيس المكلف يريدان إبعادهم عن الحكومة.
وإذا كان من المسلم به بالنسبة الى العهد تسمية الحريري رئيساً للحكومة، وأيضاً للرئيس نبيه بري ولحزب الله، ما دامت التسوية السياسية الرئاسية لم تسقط بعد، إلا أن من المفاجئ الكلام عن شكل الحكومة وتوزع الحصص، من دون الالتفات الى ما يريده الرئيس نبيه بري وحزب الله والقوى السياسية الاخرى على تنوّعها. فإذا كانت القضية قضية أحجام، فإن الحزب وحلفاءه حققوا النتيجة الأعلى، وهم طبعاً لن يتخلوا عن هذا السقف مقابل التفرد بتأليف الحكومة من أي جهة أتى هذا التفرد. يريد الحزب حكومة وطنية جامعة، وإلا فإن أي حكومة أكثرية من لون واحد، هو الذي يحدّد لونها، لا أي قوة سياسية أخرى. والحزب وبري حددا ما يريدانه من الحكومة ومن يريدان فيها وماذا يريدان من حصص وحقائب تعود اليهما، أما الآخرون فعليهم ملء الفراغ الحكومي المتبقّي بالاسماء والحقائب المناسبة.
والآخرون تعني بالدرجة الاولى التيار الوطني الحر وتيار المستقبل. هذان الطرفان المتناغمان والمتفقان رئاسياً وحكومياً، حصدا معاً 49 نائباً، 29 لكتلة العهد و20 للمستقبل، وهذا يعني أنهما ليسا الاكثرية في مجلس النواب ولا في انعكاس هذا العدد على الحكومة. أما القول إن الكتل لا تتمثل نسبياً في الحكومة، فهذا أمر يفترض الحذر عند الكلام فيه، لأن الذين يرددون هذا الشعار اليوم، هم أنفسهم الذين كانوا يطالبون به منذ عام 2005.
من بين النقاط العالقة، هل يمكن للتيار الوطني الحر أن يطالب في الحكومة بحصة للتيار وبحصة للعهد على غرار ما حصل سابقاً، في حين أنه شكل فوراً كتلة للعهد مجتمعة؟ وهل أن رغبة رئيس الجمهورية في تأليف حكومة هي الاولى في عهده كما كان يردد، تعني تشكيل فريق وزاري كبير يخصّه، على حساب القوى السياسية الأخرى التي تريد أيضاً حصتها من الحكومة بعد فوزها في الانتخابات.
وهل يمكن للحريري أن يخضع لضغوط التيار الوطني الحر في تأليف الحكومة، ومطالبته بحصة حرزانة في الحكومة، وهو الذي أصبح بمثابة أعزل من أي حليف آخر، أم أنه سيضطر الى الارتداد نحو النائب وليد جنبلاط والقوات اللبنانية من أجل تخفيف حدة حصاره بالشروط التي ستنهال عليه. وهنا يفترض مراقبة دور السعودية، وهل يمكن للحريري أن يتخطاها مجدداً في تطويق القوات وعدم إعطائها ما تريده حكومياً، علماً بأن القوات كسبت حليفاً لها هو الرئيس نبيه بري، الذي سيدعمها في تعزيز حصصها، فيما يعتبر التيار أن القوات لا يمكن أن ترفع حصتها الوزارية من 3 الى ستة بمجرد أن ارتفع عدد نوابها من 8 الى 16 نائباً، مراهناً على أن حزب الله لن يقبل بأن تعطى للقوات اللبنانية حقيبة سيادية.
والأبرز هنا هو موقف بري. فرئيس المجلس الذي سكت طويلاً عشية الانتخابات، ولم يرد على كل الاستهدافات، لن يقف مكتوف اليدين أمام التأليف، وهو الذي اعتاد أن يوكل الحزب اليه مهمة التفاوض الحكومي. وهنا بيت القصيد، لأنه سيكون حينها مقصداً للرئيس المكلف ولكل فريق سياسي، من حليف أو خصم، من أجل إخراج مشرّف للحكومة. وسينتظر أن تمحى كثير من الاخطاء التي ارتكبت في حقه، قبل أن تخرج الحكومة الى النور.
وإذا كان بري حسم سلفاً وزارة المال، وحسم حزب الله قبله اسم وزيره محمد فنيش، وأنه سيكون مشاركاً رئيسياً في مهمة مكافحة الفساد، وحسم التيار الوطني الحر أنه سيتمسك بوزارة الطاقة والأرجح الخارجية، والمستقبل لن يتخلى عن حقيبة الداخلية، فماذا ستكون مواقف الاطراف الاخرى من توزّع الحقائب الخدماتية قبل السيادية؟ فالوزارات الخدماتية تقدمت في الحكومة الحالية على غيرها، وخصوصاً في زمن الانتخابات، فباتت عنصراً جذاباً للقوى السياسية. هذا عدا عن مشكلة فصل الوزارة عن النيابة وتوزع الوزراء مناطقياً، بحيث يحاول كل حزب رفع حصصه في مناطق حساسة لتعزيز نفوذه أكثر خدماتياً ونيابياً.