Site icon IMLebanon

رسالة ديبلوماسية اسرائيلية للبنان!

خطف الوضع الإقليمي وهجَ الاستحقاق الانتخابي، ونَغّص فرحة الفائزين، وأغرق البلدَ كلّه بسحابة كثيفة من علامات الاستفهام حول مستقبل المنطقة، ومن ضمنها لبنان. وإذا كانت عملياتُ القصف المتبادَل الذي طاولَ في الساعات الماضية اهدافاً إسرائيلية في الجولان، واهدافاً سورية وإيرانية داخل الاراضي السورية، قد جرى حصرها – ربما موقتاً- ضمن حدود المناطق المستهدَفة في الجانبين، من دون توسيعها الى ما هو أبعد منها، فإنّ هذا التطوّر العسكري يعكس مناخاً خطيراً يبدو وكأنه يتدحرج في اتّجاه حرب مدمرة وشيكة، بدأ العدّ العكسي لإشعال فتيلها بشكل خطير، وهو الأمر الذي شغل العالم بأسره وحرّك الديبلوماسية الدولية، وتحديداً موسكو، في اتّجاه محاولاتِ احتواء التصعيد، والتحذير من الآثار المدمّرة التي تخلّفها الحرب على كل الأطراف، وبالتالي على منطقة الشرق الأوسط بأسرها والعالم.

ما بين القصف الذي طاول مواقع إسرائيلية في الجولان، والقصف الاسرائيلي على اهداف سورية وايرانية داخل سوريا، «صواريخُ طائشة» طاولت بعض المناطق اللبنانية الحدودية في الجنوب والبقاع. علماً أنّ هذا الوضع أرخى جوّاً من القلق في الجانب اللبناني واستنفاراً على طول الحدود جرى الحديثُ خلالَه عن جهوزيّةٍ لـ«حزب الله» على امتداد الخط الجنوبي، بالتوازي مع حركة ديبلوماسية غربية ناشطة علمت «الجمهورية» أنّ لبنان تبلّغ خلالها تأكيداتٍ من مصادر ديبلوماسية غربية قريبة من إسرائيل، بأنّ تل أبيب غيرُ راغبة في التصعيد على الحدود الجنوبية، وأنها غيرُ معنيّة بالرد في لبنان طالما أنّ المواجهات محصورة على الجبهة السورية.

وكشفت الرسالة الديبلوماسية هذه عن اتّصالاتٍ كثيفة، في الداخل والخارج، القصدُ منها إبقاءُ لبنان محيّداً عمّا يجري من تصعيد في المنطقة. وأملت أن تشهد الايام المقبلة سحباً لفتيل الانفجار».

وقالت مصادر لبنانية رسمية لـ«الجمهورية»: «ليس مستبعَداً أن يدرس لبنان تقديمَ شكوى الى مجلس الأمن حول انتهاك سيادة أجوائه، وذلك ربطاً بالصواريخ التي أصابت بعض المناطق اللبنانية.

وفي السياق العسكري، كان اللافتُ للانتباه نأي إيران بنفسها عن قصف مواقع إسرائيلية في الجولان، وهي من المرات الأولى التي تُستهدَف فيها هذه المواقع التي تُعتبر حسّاسة بالميزان العسكري الإسرائيلي وكذلك عدم رفع اسرائيل للوتيرة الحربية، بل الردّ المحدود، من دون أن تلجأ الى إجراءاتٍ أو تعليماتٍ احترازية في جبهتها الداخلية، وهو الامر الذي بدا وكأنها غيرُ راغبة بالذهاب الى تصعيد أكبر. طبعاً هذا لا يعني النوم على حرير، وتجاهُل ما قد يختنزه العقل الاسرائيلي السياسي والعسكري من مفاجآت عدوانية تجاه المنطقة.

الى ذلك اعلن وزير الدفاع الاسرائيلي أفيغدور ليبرمان إن الجيش الاسرائيلي استهدف معظم البنى التحتية الإيرانية في سوريا. وقال:»آمل أن تكون الرسالة وصلت، إسرائيل لا تريد تصعيداً، لكنها لن تسمح لأحد بمهاجمتها أو بناء بنية تحتية للاعتداء عليها في المستقبل».

الكلام الاسرائيلي هذا، لاقته واشنطن بتحذيرِ البنتاغون «من تنامي النشاط الإيراني المزعزِع لاستقرار المنطقة من داخل الأراضي السورية»، متّهماً طهران «بنقل نحو 70 ألف مقاتل إلى سوريا منذ 2015 بينهم من 7 و10 آلاف مقاتل من «حزب الله»، ونحو 5 آلاف لـ«فيلق القدس» و«الباسيج»، فيما ينتمي الباقون إلى «لواء الفاطميون» و»حركة حزب الله النجباء»، إضافة إلى مرتزقة إيرانيين وعراقيين.

ونقلت قناة «الحرة» عن مسؤول رفيع في البنتاغون قوله: «إنّ مخاطر التهديد الإيراني تزايدت في الآونة الأخيرة مع نقل صواريخ استراتيجية إلى سوريا». واتّهم طهران «بشحن صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى إلى مناطق تقع تحت سيطرة النظام السوري وبناء قواعد صاروخية تحت الأرض، ونشر صواريخ مثل «زلزال» و«فاتح» التي قد يصل مداها إلى نحو 200 كيلومتر».

«حزب الله»

وابلغت أوساط قريبة من حزب الله الى «الجمهورية» أن «ما حصل في الجولان المحتل هو عملية عسكرية ضخمة لجهة حجم الرد وعدد ونوعية الصواريخ التي أطلقت، ومن بينها صواريخ نوعية ذات مديات بعيدة. وإذا سلمنا بالدعاية الإسرائيلية بأن هناك 20 صاروخاً أسقطت فهناك 40 أصابت أهدافها.

وأوضحت الأوساط ان المواقع العسكرية التي أصيبت في الجولان هي مواقع ضخمة، كبيرة المساحة، تضم عديداً كبيراً وتجهيزات حديثة ومتطورة».

واشارت هذه الأوساط الى انه يمكن التوقف في الدلالات عند الآتي:

ـ أولاً، تعتبر هذه العملية أول رد كبير ونوعي في الجولان منذ احتلاله 1973، وبالتالي كسر هيبة إسرائيل.

ـ ثانياً، الأهمية في ما حصل أن هناك جهة ما قررت أن ترد وأعلنت أنها سترد وردت على رغم من التهديدات الجوفاء بتدمير دمشق وأغتيال الرئيس بشار الأسد.

ـ ثالثاً، لم تكن هنالك عناصر مخفية أو مفاجئة للجانب الإسرائيلي، أولاً لأن القرار بالرد كان معلناً، وثانياً لأن الطيران الإسرائيلي وأجهزة الرصد التابعة له كانت تعمل على مدار الساعة لكشف أي تحرك تجاه الجولان، ومع ذلك فإن الصواريخ أطلقت وأصابت أهدافها.

رابعاً، على رغم من استقدام إسرائيل كل التشكيلات والمنظومات الدفاعية إلى الجولان لاسقاط الصواريخ فإن ذلك لم يمنع وصول 40 صاروخاً على الأقل إلى أهدافها.

خامساً، على رغم من أن القرار بالرد كان معلناً أثبتت التجربة أمس أن الجبهة الداخلية لم تكن جاهزة على الإطلاق وهذا يعني ما يعني

سادساً، على رغم من التهديدات العالية واجتماع مجلس الأمن الإسرائيلي المصغر والتحريك الواسع للقوات في الجولان، أجرى العدو الإسرائيلي اتصالات عالية المستوى طالباً التهدئة. وبمعنى آخر، لقد كرّست هذه الضربة في الجولان المعادلة «أنكم إذا ضربتم فإن ذلك لن يبقى من دور رد».

وأكدت الأوساط أن رد الفعل الإسرائيلي استهدف اماكن سبق أن تم إخلاؤها على رغم الدعاية الجوفاء بأن الغارات دمرت كل القواعد الإيرانية في سوريا، فإن هذا الأمر عار من الصحة وكل المراكز التي استهدفت مخلاة ما عدا بعض المواقع المتعلقة بالدفاع الجوي السوري الذي أثبت قدرته على اسقاط الصواريخ، وهذا انجاز كبير يسجل له.

تقييم المواجهة الصاروخية

وتوقف خبراءُ عسكريّون قريبون من المحور الذي تقوده روسيا في سوريا، عند التطوّر العسكري الذي شهدته الأرض السورية في الساعات الـ48 الماضية، وسجّلوا ملاحظات عدة خلصت الى اعتبار القصف الصاروخي للمواقع الاسرائيلية، عمليةً ضخمة من حيث حجم الرد ونوعية الصواريخ وعددها وبينها صواريخ بعيدة المدى أصابت أهدافها، في المواقع الإسرائيلية في الجولان، والتي تُعتبر ضخمةً وعالية التطوير والتجهيز.

وبحسب الخبراء «فإنّ هذه العملية هي الأولى من نوعها في الجولان منذ العام 1973، والقصد الأساس فيها كسر هيبة إسرائيل، واهميتها أنّ جهة ( إيران) قرّرت أن تردّ على استهداف مواقعها في سوريا، وردّت رغم كل التهديدات». وأشاروا الى أنّ هذه العملية تمّت بنجاح على الرغم من اليقظة الإسرائيلية وطيرانها الحربي، واجهزة الرصد المتطوّرة التي تستخدمها تعمل على مدار الساعة، ومع ذلك عبرت الصواريخ وأصابت أهدافها، متجاوزةً كل التشكيلات والمنظومات الدفاعية لإسقاطها التي نصبتها إسرائيل في الجولان».

وسجّل الخبراء «أنّ القصف الصاروخي للمواقع الاسرائيلية، كشف خللاً كبيراً لدى الاسرائيليين تمثل في أنّ الجبهة الداخلية لم تكن جاهزة لمثل ما جرى، ومن هنا سارعت اسرائيل بعد القصف الى إجراءِ اتّصالاتٍ في غير اتّجاهٍ دولي طلباً للتهدئة، بما ينفي تهديدات مجلس الامن الإسرائيلي المصغّر، وتحريكِ قواتٍ إسرائيلية في اتّجاه الجولان».

ولاحظ هؤلاء «أنّ القصف الإسرائيلي الذي تلا استهدافَ المواقع في الجولان، استهدف اماكن سبق أن أُخليت، وهذا ينفي المقولة الإسرائيلية بأّنّ الغارات دمّرت كل قواعد إيران في سوريا، هذا الأمر عارٍ من الصحة، ما عدا بعض المواقع المتعلّقة بالدفاع الجوّي السوري الذي أثبت قدرتَه على اسقاط الصواريخ».

وفي خلاصة تقييم الخبراء «إنّ قصف المواقع الإسرائيلية كرّس معادلةً جديدة: إذا ضربت إسرائيل، فإنّ ذلك لن يبقى من دون ردّ».

المصري

وقال الاستاذ في القانون الدولي الدكتور شفيق المصري لـ«الجمهورية»: «لغاية الآن الوضع على الشكل التالي:

أوّلاً، سبق لإسرائيل أن قامت بهجمات صاروخية، بضربات وقائية أم آنية في الاسابيع السابقة.

ثانياً، إسرائيل أعلنت أنها ستتجنّب الأهدافَ والقواعد الروسية في المنطقة، ويبدو أنّ موسكو قبلت بهذا الوضع.

ثالثاً، إسرائيل كانت تشكّك أيضاً في معلومات جهازها الاستخباري حول كامل الوجود الإيراني في سوريا.

رابعاً، تريد إسرائيل معرفة حجم القوات والأجهزة الإيرانية في سوريا وأيّ سلاح جديد يمكن أن تستخدمَه سوريا في القتال. لذلك، يمكن ملاحظة الضربات الصاروخية المنتقاة، سواءٌ في ردّ إسرائيل على الصواريخ الإيرانية، أو في اماكن أخرى (مطارات مستودعات)، الغايةُ منها استكشاف حجم قوات إيران في سوريا ومَن يدعمها، ومعرفة تموضع الأسلحة السورية الجديدة إذا شاركت دمشق طهران في المواجهة مع إسرائيل».

أضاف: «نتيجة هذه الملاحظات، يمكن التأكيد أنّ ما حصل هو ضربة استكشافية أكثر منها بداية حرب وقد يتكرّر في فترات لاحقة. أما لبنانياً، فإذا كان تموضع الوجود العسكري الإيراني ومَن يساعده موجوداً في جنوب لبنان وعلى الحدود، فيُخشى عندها من امتداد الضربات المقبلة- إن حصلت- على هذه الأماكن».