مع الإنتهاء من مرحلة الإنتخابات النيابية، وبعد ان فاز من فاز، وانسحب من انسحب وعزف من عزف عن الندوة البرلمانية، فإن العد العكسي لبلورة الصورة البرلمانية الجديدة للمجلس الجديد، بدأ مع اقتراب موعد انتهاء الولاية الحالية في العشرين من ايار الحالي، وبالتالي فان الجلسة المرتقبة لترتيب التركيبة الرئاسية والمطبخ التشريعي، متوقعة بين 21 و22 من الشهر الحالي. ومن المؤكد ان العرف او التقليد الذي رافق هذه الطبخة على مدى سنوات طوال، ليس هو هو كما الأمس، مع تغيير التحالفات والتكتلات والإنتماءات السياسية، وان كانت القاعدة على مستوى رئاسة المجلس، هي هي، فالمرشح الاول والوحيد على اتساع الندوة البرلمانية، هو الرئيس نبيه بري، اولا لانه الأكثر تمثيلا على مستوى الفريق الشيعي – مع التوافق الكامل والمسبق مع «حزب الله»، وثانيا لانه سياسيا، وبنظر الحلفاء والخصوم، هو الضمانة المتعارف عليها للحفاظ على التوازن السياسي والمجلسي، استنادا لخبرته الواسعة ولانه لا يشكل استفزازا لاحد– وان كان تمنع البعض عن انتخابه وتحديدا «التيار الوطني الحر»، في حال اتخذ هذا القرار– لان كتلة الرئيس بري لم تنتخب اصلا رئيس الجمهورية ميشال عون– الا ان هذا الامر في حال حصوله مع بعض الخروقات، لن يؤثر على النتيجة الحتمية لرئاسة المجلس.
ورغم ان الوجوه اليوم بمعظمها ليست هي نفسها كما الأمس، والتوازنات التي انتجها قانون الإنتخاب الجديد ايضا ليست هي نفسها، الا ان التوازنات الأساسية التي صبغت المجلس سابقا، لجهة التوافق المسبق للحفاظ على التوازنات السياسية، وعدم تغيب أي من الكتل الكبرى، لن تغيب ايضا عن الساحة البرلمانية اليوم، لا سيما على مستوى هيئة مكتب المجلس- والتي كانت بأغلبيتها لما كان متعارفاً عليه بقوى 14 آذار سابقا- او على صعيد رؤساء ومقرري واعضاء اللجان النيابية، وان كانت القضية الى التقسيمات السياسية والطائفية في الشكل، تحكمها معايير قانونية في النظام الداخلي، لجهة توزيع رئاسة اللجان ومقرريتها على الكتل النيابية الوازنة، مع جواز عدم دخول العضوية لأكثر من لجنتين اساسيتين لكل نائب.
وإذا كانت المسألة اكثر سهولة في ما سبق، فإن الأمر لا يندرج على موقع نائب رئيس المجلس، والتي تتلاقفها الكتل النيابية منذ الآن، فبعد ان تمكنت بالإنتخاب قوى 14 آذار في المرحلة السابقة من تنصيب نائب الرئيس الحالي فريد مكاري في هذا الموقع، الا انه ومع اعادة خلط الاوراق سياسيا ونيابيا، فإن هذا الموقع الذي كانت تتم خلاله مسبقا ترشيحات توافقية، اليوم هي ليست على هذا المنحى، وهناك رغبة لدى اكثر من فريق، بالحصول على موقع نائب الرئيس، لما له من تاثير في المعادلة السياسية، من جهة، ولانه ايضا في المقلب الاخر، يجب ان لا يحمل من يمثله، اي خلاف مع رئاسة المجلس.
من هنا، تبدو الصورة مختلفة، وتظهر من خلال كثرة الراغبين والطامحين، لا سيما وان من يمثل المقاعد الارثوذكسية نيابيا– على اعتبار ان العرف هو للطائفة الأرثوذكسية– 14 نائبا يمثل بمعظمهم كتلا وازنة على الساحة السياسية، وهم : ميشال المر، وايلي الفرزلي، وسليم سعادة، ونقولا نحاس، واسعد درغام، ووهبه قاطيشا، وفايز غصن، وجورج عطالله، واسعد حردان، وانيس نصار، والياس بو صعب، وعماد واكيم، ونزيه نجم، وقيصر المعلوف.
الا انه رغم ذلك، فإن المصادر النيابية المتابعة، تؤكد ان التنافس الأكبر سيكون بين «التيار الوطني الحر» الذي يسعى الى تمرير النائب المنتخب الياس بو صعب لهذا الموقع او النائب المنتخب جورج عطالله ، بالإضافة الى «حزب القوّات اللبنانيّة ، بعد حصوله على عدد لا يستهان به من النواب، الذي ايضا سيكون له مرشّح من كتلته يرجح بين النائبين المنتخبين عماد واكيم ووهبي قاطيشا، مقابل الثنائيّ الشيعيّ والحلفاء الذين يلوحون بورقة استعادة النائب المنتخب ايلي الفرزلي لموقعه السابق، بالإضافة الى مرشحين آخرين من كتل مختلفة، دون اسقاط حق النائب ميشال المر الذي كانت له حصة الأسد في هذا الموقع ايضا.
وبغض النظر عن مرشحي الكتل ، فإن الكلام الاول والاخير هو للتصويت الذي سيسبقه الكثير من المشاورات والإتصالات، بين حلفاء الأمس واليوم، لتامين الحاصل الإنتخابي– اذا صح التعبير لمرشح كل فريق– وهو ما يجعل الأمر يدخل معركة طاحنة في حال عدم التوافق او اقله تجميع القوى قبل الدخول الى المجلس للإنتخاب.
وتعتبر المصادر، ان موقع نائب رئيس المجلس، سيقابله تسوية على موقع نائب رئيس مجلس الوزراء بين الكتل الأساسية، وتحديدا «القوات» و»التيار العوني»، والكتل او المستقلين الذين سينضمون الى كل منهما.
وعليه ، من المتوقع ان تكون أولى جلسات المجلس في بداية اول الأسبوع الاول من بدء الولاية (والمشاورات والإتصالات بدات وراء الكواليس حكما منذ الأمس كما هو على رئاسة الحكومة ).
وحسب الآلية الدستورية والقانونية «يجتمع المجلس بناءً على دعوة أكبر أعضائه سناً (النائب ميشال المر)، وبرئاسته لانتخاب الرئيس ونائب الرئيس، وثم يبدأ الرئيس بعملية انتخاب هيئة مكتب المجلس، والتي تتألف من رئيس ونائب رئيس وأميني سر وثلاثة مفوضين، طبقا للمادة «2» من النظام الداخلي، وذلك في مهلة أقصاها خمسة عشر يوماً من بدء ولايته، و يقوم بأمانة السر أصغر عضوين سناً من الحاضرين (النائبان سامي فتفت وطوني فرنجية)، وإذا تعذر حضور أكبر الأعضاء سناً يرأس الجلسة أكبر الأعضاء سناً من الحاضرين.
واستنادا للمادة 44 تجري العملية الإنتخابية كالاتي «مجلس النوّاب ينتخب أولاً ولمدّة ولايته، الرئيس ونائب الرئيس، كلاً منهما على حدة، بالاقتراع السرّي، وبالغالبيّة المطلقة من أصوات المقترعين. وإذا لم تتوافر هذه الغالبية في هذه الدورة وفي أخرى تعقبها، تجري دورة اقتراع ثالثة يكتفي بنتيجتها بالغالبيّة النسبيّة. وإذا تساوت الأصوات، يعتبر الأكبر سناً منتخباً».
وعند انتخاب الرئيس، تبدا عملية انتخاب هيئة المكتب، حيث «يعمد المجلس إلى انتخاب أميني سر، ثمّ يجري انتخاب ثلاثة مفوضين بورقة واحدة بالغالبيّة النسبيّة. وإذا تساوت الأصوات عدّ الأكبر سناً منتخباً».
وقد تكون جلسة انتخاب اللجان النيابية في نفس الجلسة، او يحدد الرئيس بري بعد انتخابه جلسة لاحقة، مع الاخذ بالإعتبار ان لا يجوز طبقا للمادة 10 من النظام الداخلي «الجمع بين عضوية هيئة مكتب المجلس وبين الوزارة، كما وحسب المادة 25 ، لا يجوز الجمع بين عضوية اللجان وبين كل من رئاسة المجلس أو نيابة الرئاسة والوزارة.
وثم تدخل البلاد في مرحلة التكليف والتأليف، والإستشارات النيابية للرئيس المكلف بتشكيل الحكومة في مجلس النواب مع الكتل النيابية- والتي من المؤكد دونه عراقيل- مع الإشارة الى ان امام المجلس الكثير الكثير من العمل البرلماني، ستظهر معالمه في السنة الاولى من الولاية التي ستستمر لأربع سنوات، وتنتهي في 20 يار للعام 2022.