كتبت عايدة وهاب في صحيفة “الحياة”:
لو تسنى للكاتب الدرامي الكبير مروان عبد الذي رحل قبل نحو عامين أن يشاهد المسلسل الذي يحمل توقيعه وعنوانه «كل الحب كل الغرام» (أل. بي. سي) لاحتجّ واعترض وانتقد طريقة الإخراج الركيكة فنياً والتطويل الذي أصاب المسلسل بالوهن والفراغ والتكرار المفضوح. وأصلاً شكك بعض جمهور مروان العبد، الكاتب الدرامي الرائد، في صدقية تأليفه أو توقيعه لهذا المسلسل الذي سيتخطى الثمانين حلقة كما هو متوقع، ولا أدري أن كان هؤلاء على حق. وحجتهم أن العبد يستحيل عليه أن يعتمد هذا الأسلوب البليد في بناء الحلقات واستهلاك الشخصيات والوقائع، فأعماله معروفة بكثافتها الدرامية وبابتعادها عن التطويل القاتل الذي يقضي على إيقاع المسلسل وروحه. ويرى هؤلاء المحتجون أن مروان العبد لا يمكن أن يقع في معالجة تاريخ الانتداب الفرنسي وطبيعته وهو قد التبس على مخرج المسلسل فبدا أقرب إلى تاريخ الاحتلال العثماني. ويكمن الخطأ الكبير في انصراف الجيش الفرنسي المحتل إلى ملاحقة المناضلين في الجرود بطريقة كاريكاتورية هزلية ومضحكة. ولو راجع معد المسلسل تفاصيل مواجهة الانتداب تاريخياً لفهم أنه أخطأ، فجيش الانتداب الفرنسي لم يتبع أسلوب الجيش العثماني في محاصرة القرى والانتشار في الجرود. وقد ذكر المسلسل بسرعة حقيقة كان يجب التركيز عليها وهي مشاركة الأحزاب السياسية في المواجهة ومنها حزب الكتائب وحزب النجادة. لم يعط المخرج اهتماماً لهذا الالتزام السياسي الذي جمع بين كل الأطياف اللبنانية، بل ركز همه على القرية الجردية التي مثلت غاية العسكر الفرنسي، فشهدت هذه القرية تبدلاً في القيادة بين ضابط وآخر. طبعاً لم يسعَ المخرج إلى قراءة التاريخ كما يجب أن يقرأ ولا إلى استخلاص وقائعه أو أحداثه الحقيقية، فاستسهل الأمر مثلما استسهل الإخراج وأضاع الفكرة الرئيسة للمسلسل.
أما الشخصيات فبدت مركبة ومصطنعة ومبالغاً في بنائها بدءاً من رب العائلة (الممثل فادي إبراهيم) الذي أظهر من القسوة ما يفوق الحدود وكان يمكنه أن يكون بخيلاً ولكن ليس في مثل الحدة والحقد على العالم كله، وليس فقط على أسرته أو أولاده الذين كانوا ينتظرون رحيله كي يرثوا ماله فخيب ظنهم ولم يترك لهم سوى البيت والأرض بينما وهب معظم ماله لدار الأيتام وخصّ خادمته نسرين (كارول الحاج في دور يكرّر الذي لعبته في مسلسل «ياسمينة») ببعض الليرات الذهبية. ولعل كلمة «الشنتان» التي لفظها عندما أراد منحها الليرات وقصده طبعاً «الكلسون» الطويل الذي كان دارجاً تلك الأيام، فكانت مدار تعليقات كثيرة وسخرية لا سيما في بعض البرامج التلفزيونية. وسخرت هذه البرامج أيضاً من بعض اللقطات الإخراجية الفادحة والمضحكة حقاً ومنها مثلاً إلقاء المفرقعات على سيارة الجيش الفرنسي فبدت شبيهة بمفرقعات الأولاد.
الصراع الذي دار في وسط العائلة قد يكون حقيقياً، صراع بين والد ثري متسلط وابن وابنة يريدان أن يستفيدا من مال والدهما ليعيشا حياة مريحة. ولم يؤد هذا الصراع إلا إلى مصير غير مرتجى. وكما كان الأب قاسياً مع أسرته وزوجته كان قاسياً أيضاً مع عمال الأرض التي يملكها وخصوصاً مع خادمته التي ظلت وفية له.
تتكرر الأحداث في المسلسل وتتفرع وتفقد بوصلتها وبعضها غير مقنع بتاتاً وعلاقته بالواقع علاقة هشة وغير ممكنة. وهذه مشكلة الكثير من المسلسلات اللبنانية التي تعجز عن خلق معادل درامي للواقع نفسه وإعادة تقديمه في صورته المفترضة. لا أدري كيف يمكن أن تقوم علاقات مكشوفة بين النسوة في القرية والضابط الفرنسي ومن دون أن تحدث هزة اجتماعية؟ كيف يمكن أن يعين الانتداب في القرية عميلاً معروفاً ووظيفته ضرب من الهباء؟ كيف استطاعت الخادمة أن تؤسس ثروة كبيرة بهذه السرعة فتعود لتنتقم ولكن بليونة وبعيداً من الحقد؟ كيف يقع الابن (الممثل القدير باسم مغنية) في اغترابه البيروتي ضحية مؤامرة ساذجة بعدما أغرمت به أرملة الرجل الثري وابنته التي تقع عليها مهمة إدارة شركة أبيها التجارية؟
نقاط الضعف أو الهنّات كثيرة في المسلسل الذي جاء مطّه أو تطويله الممل ليسمح له في دخول «المسابقة» الدرامية الرمضانية. ولكنه سيصل إليها منهكاً وفاقداً مقوماته الدرامية. واصلاً لعبة الإخراج فيه دون المستوى. ولم يحقق المخرج أي تطور في تجربته، لا في بناء المشاهد ولا في تبرير الوقائع ولا في إدراة الممثلين ولا في تجسيد البيئة التي تدور فيها الأحداث.