بعد أسبوع على انتهاء الانتخابات النيابية، والتي شابتها عيوب خطرة وتتفشى كل يوم معلومات إضافية عن حجم التزوير التي شهدته، لا بدّ إجراء قراءة “على البارد” لنتائج هذه الانتخابات وخلاصاتها والتوازنات الجديدة التي أفرزتها، والتي لا تبشر بالخير لناحية توسّع نفوذ “حزب الله” داخل المؤسسات الدستورية اللبنانية.
مهما قيل في الانتخابات والرابحين فيها، يبقى “حزب الله” الرابح الأكبر لأكثر من سبب:
ـ تمكن الحزب بالتعاون مع حركة “أمل” من إقفال الساحة الشيعية بشكل كامل بوجه أي اختراق. حتى خسارة مرشحه في دائرة كسروان- جبيل الشيخ حسين زعيتر، قابله فوز النائب المنتخب مصطفى الحسيني المقرب من الرئيس نبيه بري، والذي سينضم في أفضل الأحوال إلى تكتل يجمع النائب المنتخب فريد هيك الخازن بتيار المردة وغيرهم من حلفاء النظام السوري في لبنان. بالتزامن لم يبقَ لتيار المستقبل أي نائب شيعي بعدما كانت كتلته تضم 3 نواب شيعة هم: غازي يوسف، أمين وهبي، عقاب صقر. هكذا خسر تيار المستقبل خرقه للساحة الشيعية في مقابل تحصين “حزب الله” لساحته بالكامل.
ـ على الضفة المقابلة، كان للثنائي الشيعي نائب سني يتيم هو عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب قاسم هاشم، أما بعد هذه الانتخابات فبات لـ”حزب الله” عدد لا يُستهان به من النواب السًنّة الذين يدورون في فلكه أمثال كل من: فيصل كرامي، عبد الرحيم مراد، أسامة سعد، عدنان طرابلسي وغيرهم.
ـ وفي حين خسر تيار المستقبل عدداً كبيراً من النواب المسيحيين، إلا أن النواب المسيحيين الجدد الذين حلّوا مكانهم لم يذهبوا في أكثريتهم الساحقة إلى ضفة 8 آذار، بل توزعوا ما بين “القوات اللبنانية”، وما بين النواب المستقلين في تكتل “لبنان القوي” ومعظمهم أقرب سياسياً إلى مبادئ 14 آذار.
إذا، يبقى الأساس في معادلتين متوازيتين: إحكام “حزب الله” قبضته على الشارع الشيعي بالتعاون مع “أمل”، وتحقيقه خرق واسع للشارع السني بالتزامن مع تراجع تيار المستقبل. وخلاصة هذا الواقع أن “حزب الله” بات يملك مع حلفائه اللصيقين الثلث المعطل في مجلس النواب، ما يجعل أي انتخابات رئاسية رهينة لقراره المنفرد، وهذا ما يجعل الحزب لاعباً أساسياً في توازنات المجلس الجديد.
انطلاقاً من كل ما سبق يمكن فهم الانطباعات الدولية التي خرجت بخلاصات مفادها أن “حزب الله” هو المنتصر الأكبر في الانتخابات النيابية التي جرت، كما يمكن فهم إشارات وزير الخارجية التركي عن “خسارة سعد الحريري”، ولو أنها أتت في جانب منها بمثابة قنص دبلوماسي على المملكة العربية السعودية وسياساتها في ظل الخلافات والتباينات التركية- السعودية.
ماذا يعني كل ما تقدّم؟ وهل يستوجب ذلك الاستسلام لـ”حزب الله” في المجلس الجديد ولـ4 سنوات مقبلة؟
حتماً لا لأن لا اصطفافات ثابتة ونهائية في المجلس الجديد، كما أننا نمرّ بمرحلة إقليمية قد تكون من الأكثر خطورة لناحية تطوراتها المرتقبة وانعكاساتها المحتملة على الداخل اللبناني، ما يجعل الكل في حال ترقّب وانتظار لتبلور التطورات الإقليمية وما قد ينتج عنها من تداعيات ستسهم في رسم صورة المشهد الداخلي اللبناني… وقد لا تكون الإجراءات والإقالات المتخذة على المستوى الداخلي في تيار المستقبل بعيدة أبداً عن رسم المشهدية الداخلية الجديدة!