تجمع الأوساط السياسية في لبنان على أن المعركة على الحقائب الوزارية ستكون أشد من المعركة الانتخابية التي انتهت الأسبوع الماضي بخارطة جديدة لتوزع القوى داخل البرلمان المقبل.
وتقول الأوساط لصحيفة “العرب” اللندنية إن أبرز القوى التي ستشهد منافسة في ما بينها على الحقائب هي “القوات” و”التيار الوطني الحر” الذي أعلن رئيسه جبران باسيل “المواجهة” مع “القوات”، فيما بدا أنه تكريس لواقع انتهاء اتفاق معراب الذي كان البعض يراهن عليه لإنهاء حقبة سوداء دامت لعقود بين الحزبين المسيحيين.
وتشير هذه الأوساط إلى أنه وبعد النتائج الإيجابية التي حققها حزب “القوات اللبنانية” في الانتخابات النيابية حيث ضاعف من حضوره في البرلمان المقبل بواقع 17 مقعدا، كما حصد معظم الأصوات التفضيلية من الناخبين المسيحيين، مقارنة بـ”التيار الوطني الحر”، يتوقع أن يطالب بحصة وازنة في الحكومة المقبلة تراعي حجمه النيابي الجديد.
ويقتضي ذلك نسج تحالفات نيابية تكرس نجاحه الانتخابي وأيضا إيجاد أرضية مشتركة مع “التيار الوطني الحر” وإبرام تفاهمات جديدة معه، بيد أن تصريحات جبران باسيل خلال “مهرجان النصر” الذي نظمه التيار تحت عنوان “على العهد” مساء السبت لا تشي بأن الأمور ستكون سهلة.
وركز رئيس “التيار الوطني الحر” في خطابه خلال الاحتفال بنتائج الانتخابات التي منحته 29 مقعدا على التصويب على “القوات” وزعيمها سمير جعجع.
وقال باسيل الذي بلغ قبة البرلمان بعد فشل لدورتين متتاليتين، “انتصرنا بأنّو (أنه) طلعنا الأول وبأنّو (أنه) خيّنا (أخونا) كبر لكن مش (ليس) إنّه ما يكون همّه إلا تحجيمنا”.
ووجه باسيل كلامه لجعجع قائلا “عليك أن تعرف كيف تعدّ”، متسائلا “كيف نعطيك وزارة فيها عد وحسابات كوزارة الطاقة”.
وأبدى زعيم “القوات” خلال الحملة الانتخابية رغبة في الحصول على حقيبة الطاقة، التي هي من حصة “التيار الوطني الحر” في الحكومة الحالية والتي سبقتها، ويصر باسيل على أن تبقى من حصة حزبه في الحكومة المقبلة التي يرجح أن يتولى زعيم المستقبل سعد الحريري رئاستها.
وتساءل باسيل “شو يعني انتصرنا؟ يعني حصلنا على أكبر كتلة نيابيّة بالبرلمان، يعني كان تكتلنا 21 نائبا، وصار 29، وكان عنا 10 نواب تيار، وصاروا 18 (…) يعني زاد انتشار نوّابنا، وكنا بـ5 أقضية وصرنا بـ15 قضاء”.
وتابع موجها كلامه إلى القوات “انتصرنا لمّا شعارنا بالدولة القويّة انتصر وصار بدّن ينسخوه! كثير منيح (جيد) منعرف إنّو بيحبّوا يقلّدونا وهذا ما بيزعجنا، بيفرحنا، بس يقلّدونا بالفعل مش بس (فقط) بالحكي!”.
وكانت القوات قد أطلقت على كتلتها النابية الجديدة “تكتل الجمهورية القوية”. هجوم باسيل دفع القيادي القواتي ملحم الرياشي الذي لعب دورا بارزا في اتفاق معراب، إلى الخروج عن صمته والقول عبر تغريدة على موقعه على تويتر “يا جبران يا خيي (أخي)، الجمهورية القوية هي شعار معركة الحكيم الرئاسية يعني مش حاسدينك، أما ما زيد عن المال واللاجئين والعدّ… فأقول لك بجد، ما كنا ميشال عون وأنا أمازح فيه إبراهيم كنعان في زمن المفاوضات الصعب بحركة اليد: كل شيء بيرجعلك! ضحاك ما بتحرز”.
ويرى مراقبون أن تصريحات جبران باسيل المستفزة لـ”القوات اللبنانية” تتجاوز المعركة على الحقائب الوزارية إلى معركة أهم وهي رئاسة الجمهورية، حيث أنه لا يخفى أن باسيل يرى في نفسه الشخصية الأقدر والأفضل لخلافة ميشال عون في قصر بعبدا، والانتخابات النيابية الأخيرة أظهرت أن “القوات” تمتلك حيثية شعبية كبيرة، تجعل من سمير جعجع الذي يلقبه كثيرون بـ”الحكيم” مؤهلا لأن يكون منافسا شرسا على المنصب.
ويرجح مراقبون أن يعمد جبران باسيل إلى استغلال علاقاته وتحالفاته مع قوى متضادة (المستقبل وحزب الله) للعمل قدر الإمكان على عدم حصول “القوات” على كتلة وازنة داخل الحكومة المقبلة.
ويرى مراقبون أن سمير جعجع يبدو قادرا على تجاوز المطبات التي سيضعها باسيل في طريق التشكيل الحكومي خاصة وأن استراتيجية الأخير وتصريحاته المثيرة للجدل تجاه أكثر من فريق سياسي وازن، ومنها “حركة أمل”، قد تجعلان الكثيرين لا يبدون حماسة في تبني موقفه، ولكن يبقى ذلك خاضعا لحسابات سياسية دقيقة لها ارتباطاتها الخارجية.