Site icon IMLebanon

صدمة الحريري وارتداداتها

كتب شارل جبور في صحيفة “الجمهورية”:

يقود الرئيس سعد الحريري عملية تغيير بنيوية داخل بيت «المستقبل»، وقد تكون الأولى من نوعها منذ استلامه رئاسة التيار على أثر استشهاد الرئيس رفيق الحريري، وبمعزل عن الروايات المتداولة عن أسباب استقالة مدير مكتبه السيد نادر الحريري، إلا ان النتيجة تبقى واحدة.

مع انتهاء الانتخابات النيابية وقبل بدء سريان الولاية الجديدة لمجلس النواب ومتمماتها من تكليف وتأليف، ضرب الرئيس الحريري ضربته فأعفى أكثر من مسؤول من مهماته الحزبية في توقيت يصعب ربطه بغير الانتخابات النيابية ونتائجها التي يبدو انها دلت على وجود ثغرات كبرى في البنية التنظيمية للتيار دفعته إلى اتخاذ قرارات سريعة ومفاجئة وضخمة.

ومن الواضح ان الرئيس الحريري أراد افتعال صدمة سياسية من العيار الثقيل، وإلا كان لجأ مثلا إلى المحاكمات الحزبية بعد صدور تقييم دقيق ومفصّل يستدعي بالتأكيد أكثر من أسبوع في حال كان الهدف منه ان يكون شاملا ودقيقا، ولكن الثابت ان القرار سياسي بامتياز، إنما يستند إلى مسار تنظيمي طويل كانت آخره الانتخابات النيابية التي يقال ان وعودا قطعت للحريري من أعلى الهرم إلى أسفله بخروجه بكتلة لا تقل عن ٢٨ نائبا، فتفاجأ بالنتيجة التي جاءت أقل من المتوقع، وأدت إلى خسارات غير مبررة في بعض الدوائر.

وعلى رغم أهمية الانتخابات النيابية ومفصليتها، غير انه لا يمكن حصر الخطوة التنظيمية غير المتوقعة بالأداء الانتخابي الذي يشكل من دون شك جزءا من القرار، فيما الجزء الآخر يتجاوز الشق التقني إلى السياسي، وما ينطبق على بعض الإقالات لا ينسحب بالتأكيد على السيد نادر الحريري الذي هو قبل اي شيء جزء من العائلة اللصيقة بالرئيس الحريري، ومن ثم الجزء الأساس من دائرة القرار، وقد تولى إدارة تيار «المستقبل» في زمن وجود رئيس التيار خارج لبنان لفترة طويلة، كما تولى هندسة تحالفات التيار السياسية وصياغة توجهه الوطني، ومعلوم انه الرجل الأقوى داخل «المستقبل».

وعليه، يقول المنطق ان اي محاسبة يجب ان تطال من هم ما دون نادر الحريري وليس هو شخصيا الذي يتولى دور الظل لرئيس التيار، وبالتالي استقالته تتجاوز حكما الانتخابات إلى ما تردد سابقا عن فيتو سعودي على نادر، وان خطوة إخراجه من دائرة القرار جاءت نتيجة استمهال الرئيس الحريري القيادة السعودية تمهيدا للإخراج المناسب الذي يحفظ ماء الوجه للجميع.

فخطوة الرئيس الحريري تمت، وفق هذا المنطق، بمفعول رجعي وفي توقيت انتخابي «لتضييع الشنكاش» وإثارة الغبار السياسي حول استقالة السيد نادر التي تشكل جزءا لا يتجزأ من بنود اتفاق رئيس «المستقبل» مع القيادة السعودية، وفي حال كانت على هذا النحو يعني انها قد لا تقف عند حدود السيد نادر وستشمل شخصيات أخرى عن طريق تقاعدها المبكر وفي سياق طبيعي ومن دون ضجيج.

وفي مطلق الأحوال، كل ما تقدم يدخل في إطار التخمين السياسي، حيث لا يمكن الجزم باي وجهة نظر أو سيناريو، وسيبقى السر ملكاً للرئيس الحريري والسيد نادر، إنما لا يمكن القفز فوق تطور من هذا النحو ومع شخصية محورية ساهمت بصناعة القرار داخل تيار «المستقبل».

وأما السؤال الذي يطرحه البعض: هل خطوة من هذا النوع ستقود حكما إلى تغيير الرئيس الحريري لسياسته وخروجه من التسوية مثلا؟

لا شك ان هذا النوع من التساؤلات هو من طبيعة تبسيطية لثلاثة أسباب أساسية: كون المجتمع الدولي مع استمرار التسوية القائمة، وكون جميع القوى السياسية الأساسية مع التسوية، وكون الانتخابات لم تظهر تعاطفا او تأييدا لمن هم ضد التسوية من الدكتور فارس سعيد في جبيل إلى اللواء أشرف ريفي في طرابلس وغيرهما طبعا، وبالتالي مزاج الناس مع التسوية لا ضدها.

ومن يتوقع مثلا ابتعاد الحريري عن باسيل هو واهم، لأن فلسفة الحريرية السياسية قائمة على مبدأ إبعاد عون-باسيل عن «حزب الله» وجعل «التيار الوطني الحر» في الوسط، ومن يتوقع أيضا عودة اصطفاف ٨ و ١٤ آذار هو واهم أيضا سوى في حال فرضت التطورات ذلك، فيما لا يبدو ان المنحى العام للأمور يتجه نحو إعادة الفرز العمودي، وأما الكلام عن الخروج من التسوية لإحياء الاصطفاف القديم، فلا يخرج عن سياق الكلام العاطفي البعيد كل البعد عن السياسة.

ولكن هل يعقل ألا يكون لاستقالة السيد نادر الحريري ارتدادات سياسية كون للرجل نهجه وتوجهه وخلفيته وقناعاته وطريقة إدارته؟ وفي الإجابة من دون شك ان للاستقالة انعكاساتها ولكن إما الطويلة الأمد، او في المفاصل الأساسية التي سيبرز فيها نهجا أكثر تشددا، حيث ان للإدارة السياسية والفريق المحيط واللصيق بالرئيس الحريري تأثيره في إدارة الملفات وفي مقاربة القضايا الوطنية وفي التشجيع على الوصل أو الفصل مع قوى سياسية محددة.

وعلى رغم كون استقالة السيد نادر الحريري والقرارات التنظيمية التي اتخذها هي شأن داخلي لتيار «المستقبل»، إلا انه لا يمكن فصلها او عزل تأثيراتها عن الحياة الوطنية بكل جوانبها المتصلة بتحالفات «المستقبل» وسياساته العامة، كما لا يمكن في النهاية إلا التوقف أمام خطوة الحريري من زاوية جرأته وإصراره على الإمساك بتياره للمرة الأولى بيد من حديد من دون شريك في السر ولا بطبيعة الحال في العلن، وذلك على أثر نتائج انتخابية خالفت كل التوقعات وأظهرت ان «المستقبل» ما زال الرقم الصعب سنيا ووطنيا على رغم كل الظروف الصعبة التي شهدها هذا التيار وعاشها.