كتبت ملاك عقيل في صحيفة “الجمهورية”:
مع اقتراب موعد إلتئام مجلس النواب لانتخاب رئيسه ونائبه وأعضاء هيئة مكتب المجلس، تتسارع المشاورات لتشكيل التكتّل النيابي المنتظَر والذي سيجمع كتلاً عدة وشخصيات سياسية يجمعها قاسم مشترك أساسي: خوضُها الانتخابات في مواجهة رموز العهد والاستمرار في «رصد» أدائه. أحد الموانع الأساسية لتكوين هذا التكتل هو عدم حسم بعض أعضائه خياراتهم حتى الآن، والتوافق على عناوين «برنامجه».
كرّست الانتخاباتُ النيابية ونتائج صناديق الاقتراع واقعَ وجود شخصيّات كسروانية لها حيثيّتها، المدعَّمة بالأرقام، من خارج معسكرَي «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية». النائب فريد هيكل الخازن عاد الى دائرة الضوء وها هو يبرم «برمة العروس» في محاولة ليكون أحد المشاركين في ولادة «التكتل الوطني النيابي المستقل».
من بكركي أعلن الخازن، والى جانبه زميله في اللائحة «قاطف» المقعد الشيعي في جبيل مصطفى الحسيني، عن ولادة كتلة «قلب القرار» التي يُفترض أن تكون في المرحلة المقبلة جزءاً من «التكتل الوطني المستقل».
بعد زيارتين الى الرئيس نبيه بري والشيخ نعيم قاسم حطّ الحسيني في بكركي. زيارةٌ أكثرُ من بديهية في النظر الى مسار الرجل وإقتناعه. في الضاحية وعين التينة تمّ توضيحُ ملابسات الترشيح ثمّ التموضع النيابي بعد صدور النتائج والذي لاقى ترحيباً من الطرفين على حدٍّ سواء.
لم يُخفِ النائب المنتخب مصطفى الحسيني شقيقُ رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني رأيه الصريح أمام قيادات «حزب الله» قبل الانتخابات بأنّ ترشيح حسين زعيتر شكّل إستفزازاً للمسيحيين في المنطقة، و»أنّ المعركة خاسرة سلفاً».
لا يستطيع الحسيني أن يجدَ نفسَه ضمن أيِّ تجمّع يضم «لصوصاً طائفيّين». تحالف «المؤمِن» بخطّ المقاومة مع الخازن وصديقه النائب السابق فارس سعيد أوصله الى حيث «حلِم الآخرون». الفوز بمقعد شيعي له خصوصيّة ورمزيّة مختلفة عن المقاعد الـ 26، سيحرص ابنُ شمسطار، ساكن قرطبا والمنغمس في هموم أبناء جبيل منذ 26 عاماً، أن يفيه حقَّه بأن يكون جسرَ تواصل بين المسيحيين وشيعة جبيل.
بعد صدور النتائج نُسِجت رواياتٌ عن «الجبهة» التي سيلتحق بها الحسيني. يقول لـ «الجمهورية»: «حمايةُ لبنان تبدأ بولادة تكتّلٍ نيابيٍّ وطنيّ لا طائفي ولا مذهبي»، وفي رأيه «القيادة يمكن أن تكون جماعية»، من دون أن يخرج عن الأساس «نحن والمقاومة سوا».
خلال زيارته للبطريرك الراعي توجّه اليه الأخير قائلاً: «حصلت أعجوبةٌ جعلتك نائباً». هي الأعجوبة نفسها التي دفعت بكركي الى مباركة دوره، تماماً كما الثنائي الشيعي، في أن يكون سفيرَ سلام بين الجبيليّين.
وماذا عن المسافة اتي تفصله عن العهد؟ يردّ الحسيني: «نحترم الرئيس وموقعه لكن لا أحب أن يخالف الدستور أو يحوّل القصر الجمهوري الى دكانة عائلية. أنا ابن علي الحسيني والدستور هو نهج حياة وممارسة بالنسبة الينا. دستور مدني لا طائفي يحكم بإلغاء الطائفية وليس إلغاء التعدّدية». ويضيف «للأسف شهدنا تجاوزات عدة للرئيس خلال الانتخابات جعلته طرفاً».
كتلة «قلب القرار» أوّل مَن حجزت مكانها في التكتل المنتظر. وقد كان الخازن واضحاً بعد لقائه النائب سليمان فرنجية بأنّ الأخير «يسعى لتشكيل التكتل النيابي اللاطائفي الذي سيبصر النور قريباً بمعيّته»، مع العلم أنّ رئيس تيار»المردة» بات نائباً سابقاً، وبالتالي ليست هناك إمكانية، في الشكل، لترؤسه تكتلاً نيابياً. هي فرصة ربما انتظرها فرنجية طويلاً لكي يكسرَ «عقدة» التقوقع في المقلب الشمالي».
لكنّ أوساط «المردة» تعلّق «مَن يعرف فرنجية يعلم أن لا عقدَ لديه حيال ترؤس أيِّ تكتل، و»تكتل الشمال» قبل العام 2000 دليل على ذلك»، مشيرة الى أنّ فرنجية «هو رئيس حزب يحترم كافة الخصوصيات والحيثيات، والأهمّ لديه تأطير العمل ضمن تكتل يؤمّن التوازن داخل مجلس النواب».
ويبدو حتى الآن أنّ نواة «التكتل المستقل» تتألف من: طوني فرنجية، اسطفان الدويهي، فايز غصن، فيصل كرامي، جهاد الصمد، بالإضافة الى الخازن والحسيني، فيما المفاوضات لا تزال مستمرّة مع النائب ميشال المرّ والنائب ابراهيم عازار. مع العلم أنّ ثمّة مَن يروّج لتكتل نيابي وطني أيضاً مرجعه الرئيس نبيه بري ويضمّ نواباً من خارج «أمل» وكتلة «التنمية والتحرير» وقد يضمّ في هذه الحال عازار وأسامة سعد».
مفاوضاتُ تشكيل «كتلة المستقلّين» تتمّ على أكثر جبهة، لكنّ فرنجية يتولّى الجزءَ الأكبرَ منها.
على خطّ الرئيس نجيب ميقاتي الأمور لم تتضّح بعد، فيما تشير أوساط الأخير الى أنّ «الكتلة ستبدأ شمالية طرابلسية تنفيذاً لما تعهّد به ميقاتي أمام الناخبين بتشكيل قوة ضغط نيابية لتنفيذ مشاريع إنمائية، وستتوسّع لاحقاً لتصبح ضمن إطار أشمل وتضمّ المستقلّين في كل لبنان وتكون عابرة للطوائف والمناطق».
يُذكر أنّ حلفاء ميقاتي الفائزين في معركة طرابلس هم جان عبيد ونقولا نحاس وعلي درويش، ويرجّح في حال قيام التكتل الشمالي أن ينضمّ اليه فيصل كرامي وجهاد الصمد، ونواب «المردة» فرنجية والدويهي وغصن».
من جهته يقول فيصل كرامي لـ «الجمهورية» إنه «ضدّ التكتلات الطائفية والصغيرة»، مؤكّداً سعيه الى «تكتل وطني جامع ولا طائفي يكرّس الوحدة الوطنية ويساعد المناطق المحرومة»، معتبراً أنّ مِن أهمّ مهمات هذا التكتل، في رأيه، «إيصال سليمان فرنجية الى رئاسة الجمهورية».
ويرى قريبون من فرنجية أنّ الأخير خاض معركة كبرى وخرج منها منتصراً و»نظيفاً» في أكبر دائرة مسيحية، والأرقام تشهد على ذلك، حيث أثبت أنه الزعيمُ المسيحيُّ القوي في دائرته واكتسب شرعية مسيحية ووطنية ومناطقية. وكذلك كان صادقاّ مع حلفائه وحقّق ما أراده من خلال معاركه الرمزية في أكبر دائرة سنّية حيث حلّ جهاد الصمد أولاً في الضنية وكرامي حصد أرقاماً عالية، فيما الفارق مع الحاصل الثالث كان ضئيلاً.
وفي كسروان وفي خضمّ معركة طاحنة بين «القوات» و»التيار» حصد الخازن، حليف فرنجية، المرتبة الثالثة، والصديق ميشال المرّ تغلّب على أكبر خديعة تعرّض لها وحصد حاصلاً صنّفه ثانياً في المتن».
ويؤكّد هؤلاء «أنّ التكتل المنوي إنشاؤه تتمتّع الشخصيات المنضوية فيه بالشرعية الشعبية والحيثية المطلوبة، وتعكس غنىً وطنيّاً لا بد منه في مجلس النواب»، مشيرة الى «أننا لسنا أمام صراع أحزاب بل تكريس توازنات مطلوبة ضمن مجلس النواب».